أغثنا يا حسين.. جنى العمر في خطر


يذكر نائب حاكم مصرف لبنان غسان عياش (1990 – 1993) في كتابه “وراء أسوار مصرف لبنان، نائب حاكم يتذكّر”، أنّ حاكم مصرف لبنان الدكتور إدمون نعيم رفض تحويل أموال طباعة جوازات السفر إلى وزارة الداخلية خلال عهد الحكومتين عام 1990. كانت الكلفة مضخّمة جداً، أجرى عندها الحاكم نعيم مناقصة أخرى وبمواصفات أفضل، فتبيّن أنّ الكلفة أقل بكثير مما هو مطلوب، فرفض تحويل المال.

إقرأ أيضاً: كلنا مخطئون.. كلنا نطرق على غير باب

الحاكم كان في اجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان (كان ممنوعاً على أيٍّ كان الدخول إلى قاعة اجتماع المجلس المركزي)، حين ورده اتصال من رئيس الجمهورية إلياس الهراوي.

خرج نعيم ليردّ على الاتصال ليجد ضابطاً أمنياً موفداً من وزير الداخلية: “معالي وزير الداخلية عازمك ع فنجان قهوة”.

ردّ الدكتور إدمون نعيم رافضاً بذريعة عدم تمكّنه من الخروج من المصرف وقال: “إذا في شي ضروري أهلا وسهلا فيه يتفضّل يشرب قهوة عندي”. عندها، أطلق الضابط رصاصتين في الهواء وبدأ مع عناصره الذين فاق عددهم الـ15، بجرّ نعيم نحو المصعد؛ وقاوم نعيم بكلّ قوته ولم يتمكّنوا من إدخاله المصعد إلّا بعد تمزيق قميصه وإصابته ببعض الجروح وسحبه من قدميه فيما كان رأسه على الأرض.

لقد أنقذ “حسين” في حينه ليس الحاكم إدمون نعيم وحسب، بل أنقذ معه لبنان وليرته وربما سبائكه الذهبية أيضاً

في مدخل مصرف لبنان حيث كان عنصر الشرطة حسين البروش قد سبقهم إلى المكان بعدما رآهم يزجّون الحاكم بالقوة في المصعد، سأله: “شو يا حاكم؟” ردّ نعيم قائلاً: “ما تخلّيهم ياخدوني من هون يا حسين”.

هنا انتصر “حسين البروش” لواجبه في حماية مصرف لبنان وحاكمه على التراتبية الأمنية في سلكه، حيث إنّ الضابط خاطف الحاكم أعلى منه رتبة. فكّر قليلاً ثم أطلق النار على الواجهة الزجاجية السميكة للمصرف. ارتبك الضابط وعناصره، وبدأوا يتفقدون أنفسهم من الجروح. هنا استغل الحاكم انشغال خاطفيه وأسرع ليدخل خزنة مصرف لبنان حيث لا يمكن لأحد أن يدخل طابقها عندما يقفل الباب، ونجا.

… لقد أنقذ “حسين” في حينه ليس الحاكم إدمون نعيم وحسب، بل أنقذ معه لبنان وليرته وربما سبائكه الذهبية أيضاً، لقد تصرّف “حسين” بحسّه الوطني. لم يتردّد. لقد سمع استغاثة الحاكم، وهو المكلّف بحمايته: “ما تخليهن ياخدوني من هون يا حسين”. فلبّى النداء.

لقد كان الرئيس نبيه بري وما زال في مواجهة مع مغامرات بعض حلفائه تماماً “كالشرطي حسين” المرتدي ثيابَ قوى الأمن الداخلي

ما فعله “حسين” مع إدمون نعيم يقوم به الرئيس نبيه بري مع الحاكم رياض سلامة ودائماً في مصرف لبنان (مع التقدير لموقع الرئيس برّي الوطني والسياسي). منذ الحملة التي شنّت من حكومة حسان دياب ومن يقف خلفها لعزل رياض سلامة ومحاكمته، لبّى الرئيس بري نداء الاستغاثة ليس لرياض سلامة، بل لكلّ القطاع المصرفي، وأكثر: لكلّ اللبنانيين القلقين على ودائعهم وجنى العمر الذي وضعوه في المصارف اللبنانية على قاعدة: “جنى قرشك الأبيض ليومك الأسود”.

لم يسمح الرئيس نبيه بري بإخراج رياض سلامة من مصرف لبنان رغم كثافة التظاهرات المسيّرة عند أسوار المصرف الشبيهة بالطائرات المسيّرة التي استهدفت مؤخراً قاعدة حميميم في سوريا، وتبيّن أنّ حلفاء روسيا أرسلوها، وكثافة الشعارات التي كتبها شبان على جدران المصرف، هم بالأصل بأكثريتهم لا يملكون حساباً مصرفياً ولا بطاقة مصرفية..!

لقد كان الرئيس نبيه بري وما زال في مواجهة مع مغامرات بعض حلفائه تماماً “كالشرطي حسين” المرتدي ثيابَ قوى الأمن الداخلي كثياب المجموعة التي حضرت لإخراج إدمون نعيم من مصرف لبنان، هو يمنعُ (الرئيس بري) المغامرين من إسقاط لبنان واقتصاده وليرته والثقة به عبر سلوكيات صبيانية لبعض المسؤولين المدجّجين بالكثير من المستشارين.

ودائع اللبنانيين مجدّداً بيد “حسين”، المُطالَب بمنع المعتدين من إخراجها من مصرف لبنان، أي من خزنة الأمان الموجودة في داخله. لقد نجحوا بتسريب بعضها عبر الصرّافين وبهلوانياتهم، واليوم عبر المازوت وتبخّراته، كما قال وزير الطاقة ريمون غجر، لكن ما زال الأمل أن يحسن “حسين” في حماية ما تبقّى من الودائع، وهو قادر على ذلك.

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…