النرجيلة عادت إلى المطاعم: تدخين الكورونا


صرخة “المطاعم” حول الأوضاع المعيشية الصعبة وتراجع الإقبال على المقاهي بعد قرار منع النرجيلة وصلت إلى مسامع وزارة السياحة، التي شدّدت في تعميم صادر عنها على مخاطر التدخين أولاً، ثم عادت وسمحت به ثانياً ضمن ضوابط لا نعلم إن كان مِن ضابط لها.

اللافت أنّ تعميم وزارة السياحة شدّد على ضرورة الالتزام بالقانون 174 المتعلّق بمنع التدخين في الأماكن المغلقة. وهو قانون لم يطبّق إلا لشهور قليلة خلال العام 2012، بحسب النائب السابق عاطف مجدلاني، الذي يؤكد لـ”أساس” أنّ القانون الذي طرح في العام 2004، وأقرّ في العام 2012 “طبّق بنسبة 85%. ثمّ شهد تراجعاً بسبب مواقف بعض الوزراء الذين عارضوه بشكل علني”.

إقرأ أيضاً:  كيف سنسافر بعد كورونا؟

قانون منع التدخين في الأماكن العامة ليس الوحيد الذي أقرّ في مجلس النواب و”تضبضب”، فبحسب مجدلاني هناك أكثر من 60 قانوناً أقرّ ولم يطبق. وجميع هذه القوانين كانت تتضمّن خططاً إصلاحية.

قرار وزارة السياحة دفع مجموعة من الجامعات والنقابات والهيئات والجمعيات إلى العودة لمطالبة الحكومة اللبنانية بتطبيق قرار منع النرجيلة في الأماكن العامة، تحت عنوان “الحملة 174”.

التدخين يزيد من خطر حدوث مضاعفات شديدة بين مرضى كوفيد-19 بـ1.4 مرة، أي بمرّة ونصف المرّة تقريباً

واستندت الحملة في مطالبتها وفي الكتاب الذي وجّهته إلى الحكومة اللبنانية ووزرائها إلى دراسات عدّة، أكّدت أن “التدخين على أنواعه يزيد من خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ، من خلال تكرار حركات الاتصال بين الوجه واليدين، ومن خلال مشاركة مختلف أجزاء النرجيلة (حجرة المياه، والنربيش، والقطعة البلاستيكية التي توضع في الفم المبسم)، ومن خلال ضرب مبدأ التباعد الاجتماعي عرض الحائط، وتدنّي المناعة، وزيادة الاستعداد لعدوى الجهاز التنفسي. كما أنّ النرجيلة بطبيعتها تعزّز بقاء الكائنات الجرثومية الحيّة فيها، مهما اختلفت وتشدّدت أساليب تنظيفها”.

وبحسب الحملة، فإنّ هناك درسات علمية أثبتت أنّ “التدخين يزيد من خطر حدوث مضاعفات شديدة بين مرضى كوفيد-19 بـ1.4 مرة، أي بمرّة ونصف المرّة تقريباً، ومن احتمالات تقدّم حالات الوباء، بحوالي 1.73 إلى 2.25 مرّة أكثر بين المدخنين، من نسبتها غير المدخنين. كما يعاني المدخنّون احتمالاً أكبر بحوالي 2.4 مرّة لناحية الحاجة إلى أجهزة تنفّس، والحاجة إلى العناية المركزة، أو حتّى الوفاة، في حال الإصابة بـ كوفيد-19. ولوحظ ازياد نسبة وفيات مرضى كوفيد-19 بين المدخنين بنسبة 38.5% مقارنة بمرضى الوباء من غير المدخنين”.

“سوق النرجيلة” في لبنان لا يتوقف عند المطاعم. إذ ينشط عمل “الديليفيري” الذين ينقلون النراجيل من بيت إلى بيت دون الالتزام بأيّ ضوابط وقائية تحمي المدخّنين. مع العلم أنّ “ديليفيري النراجيل” لم يتوقف حتى في ذروة أزمة كورونا. إذ ظلّت الدراجات النارية المحمّلة بالنراجيل والفحم تطوف الشوارع و”على عينك يا تاجر”.

قرار وزارة السياحة، أعاد 1500 مؤسسة إلى الحياة، من أصل 2500 مؤسسة كانت ما تزال مغلقة، فـ”المطبخ اللبناني مرتبط بالنرجيلة”

“نحن تحت سقف القانون”، بهذه العبارة يبدأ نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، خالد نزهة حديثه لـ”أساس”، موضحاً أنّ “قطاع المطاعم استثمر في لبنان أكثر من 100 مليار دولار، ودفع أكثر من 35 مليار دولار بين كهرباء ومياه وأجور وضرائب. إضافة إلى ذلك، فإنّ هذا القطاع يشغّل 155 ألف شخص جميعهم مسجّلون في الضمان الاجتماعي”.

بحسب نزهة، فإنّ قرار وزارة السياحة، أعاد 1500 مؤسسة إلى الحياة، من أصل 2500 مؤسسة كانت ما زالت مغلقة، فـ”المطبخ اللبناني مرتبط بالنرجيلة”.

لا يتعارض ما يقوله نزهة مع الأصوات التي تعلو، فـ”قرار تقديم النرجيلة هو حصراً في المساحات الخارجية وليس داخل المؤسسات مع شروط قاسية، منها التعقيم بمواد خاصّة، نظافة الأشخاص، تقديم نبريش مقفل ومغلف، والتباعد الاجتماعي، وعدم إدخال من هم تحت الـ18 سنة”.

“تدخين النرجيلة في المساحات الخارجية من المطاعم ضمن إجراءات وقائية أفضل من طلبها عبر خدمة الديليفيري أو تدخينها في المحلات الصغيرة وغير المرخصة”، يؤكد نزهة، مشدّداً على أنّ “النقابة حريصة على عدم التسبّب بأيّ أذى لأحد. وعند حصول مخالفة، نطالب المواطن بالاتصال بالخط الساخن التابع لوزارة السياحة”.

النائب السابق سامر سعادة، الذي كان قد قدّم في العام 2012 بالتعاون مع النائب نديم الجميل، مشروع تعديل القانون 174، والفصل بين المدخنين وغير المدخنين، يوضح لـ”أساس” أنّ البطالة والأزمة الاقتصادية حالياً تفرضان حلولاً مختلفة: “لا بدّ من حلّ وسط. لا نريد للناس أن تغلق أرزاقها ولا للبطالة أن تزداد. وفي الوقت نفسه لا نريد أن ترتفع الفاتورة الصحية”.

الحلّ بحسب سعادة، هو بتطبيق القانون 174، الذي ينّص على تدخين النرجيلة في الأماكن المفتوحة، بالإضافة إلى التقيد بتوصيات وزارة الصحة وشروط وزارة الصحة: “ما بدنا لا يموت الديب ولا يفنى الغنم. لبنان يمرّ بأزمة اقتصادية سيئة. الوضع سيء جداً، والمطاعم أغلقت أبوابها وهناك أزمة دولار. هذا القطاع يشغّل في النهاية العديد من العائلات. لذا، لا بدّ من الحفاظ عليه دون تعريض صحّة الناس للخطر”.

“كان على وزير السياحة المطالبة بتنفيذ القانون 174 للحدّ من انتقال العدوى”، يقول مجدلاني، مضيفاً: “عندما عملنا على قانون الحدّ من التدخين في الأماكن العامة المغلقة، كان همّنا الوحيد هو صحة المواطن”. ويتوقف مجدلاني عند الأرقام الصادمة لوفيات التدخين: “4000 مريض يموتون سنوياً بسبب الأمراض الناتجة عن التدخين. آلاف المرضى يعالجون على نفقة وزارة الصحة بسبب أمراض ناجمة عن التدخين. وعندما نحدّ من التدخين، نوفّر صحيّاً من العلاج أوّلاً، ونحمي صحة غير المدخنين ثانياً، كما نحمي الأشخاص الذين يعملون في المطاعم”.

“في تدخين النرجيلة لا مسافة تباعد. والمطاعم دائماً مكتظة”، بهذه الكلمات تعلّق نقيبة المختبرات الطبية ورئيسة اللجنة الوزارية الاستشارية لفحص الكورونا الدكتورة ميرنا جرمانوس حداد، عند سؤالها عن قرار وزير السياحة الأخير، مضيفة  في حديث لـ”أساس”: “لا نعرف كيف ينتقل الفيروس عبر النرجيلة. وهذا الفيروس مُعدٍ. ونحن بالتدخين نعرّض أنفسنا والآخرين للخطر. فكثير من الناس قد يحملون الفيروس دون عوارض”.

تأسف الدكتورة ميرنا للعودة إلى السماح بتقديم النرجيلة: “لا يمكن ضبط الأمور إلا عبر فصل مطاعم المدخنين عن مطاعم غير المدخنين كما هي الحال في دبي. إن لم نرد منع النرجيلة فيجب أن نضبطها”.

وفيما تدعو جرمانوس إلى “إخراج فلسفة النراجيل من الثقافة اللبنانية لكونها انتحاراً بطيئاً”، تتوقف أيضاً عند المشهد اللبناني بشكل عام حيث “الشوارع مكتظة. والجميع دون قناع. ولا التزام”.

النرجيلة إذاً تهديد جديد للأمن الكوروني في لبنان، بشهادة الجميع، ما عدا المتضرّرين من منعها، خوفاً على أرزاقهم.

إقرأ أيضاً

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…