قانون العفو يقرّ غداً: العملاء و”الإرهاب” والمخدرات..


بعد مماطلة لسنوات، يفترض أن يقرّ قانون العفو العام في الهيئة العامة لمجلس النواب غداً الخميس.

التوافق السياسي على البتّ أخيراً بهذا القانون تجلّى بغطاء أمّنه الحضور السياسي الموسّع في اللجنة المصغّرة المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة بعد إحالة القانون اليها إثر إسقاط صفة العجلة عنه في جلسة 21 نيسان الفائت.

في تلك الجلسة سجّلت القوى المسيحية اعتراضاً واضحاً في ما يتعلّق ببند تخفيض العقوبة الذي يشمل الجرائم المستثناة من قانون العفو، ما دفع الرئيس سعد الحريري إثر انتهاء الجلسة إلى اعتبار “وقوف البعض ضدّه طمعاً بتطييف المسألة، أو ظناً أنه سيستعيد شعبية خسرها في طائفته وجميع الطوائف، هو موقف غير أخلاقي وغير إنساني، وسيرتدّ على أصحابه”. سبق ذلك، موقف للنائب جبران باسيل داخل الجلسة رفض فيه “تمرير قانون العفو تحت جناح كورونا”!

إقرأ أيضاً: قوى السلطة تستبعد “المستقبل”: عفوٌ عام لا يشمل الإسلاميين

صيغة موحّدة لقانون العفو أُدرِجت على جدول أعمال الهيئة العامة يوم الخميس بعد دمج خمسة اقتراحات قوانين تقدّم بها كلٌّ من عضوي كتلة “التنمية والتحرير” ياسين جابر وميشال موسى، والنائب بهية الحريري، والنائب جميل السيد، والنائب ميشال معوض، واقتراح من النواب نجيب ميقاتي ونقولا نحاس وعلي درويش.

وفق مصادر نيابية فقد “ساهمت النقاشات داخل اللجنة النيابية في تذليل جزء من العقبات في ما يتعلّق بنقطتين أساسيتين: تخفيض العقوبة ومسألة العملاء. لكنّ بعض التفاصيل تنتظر حسمها في جلسة الخميس”.

وفق المداولات النيابية ظهر اعتراض القوى المسيحية، تحديداً التيار الوطني الحر والقوات والكتائب، على بند “تخفيض العقوبة” الذي سيستفيد منه في هذه الحال الملاحقون بجرائم إرهابية، مع تحفّظ على الصياغة التي وردت في القانون المقدّم من جانب بهية الحريري في ما يتعلّق بالعفو عن الملاحقين بموضوع الإرهاب أمام المحكمة العسكرية.

قاد الأخذ والردّ، خلال جلسات عديدة، في هذه النقطة، إلى إسقاط مبدأ تخفيض العقوبة من القانون، الأمر الذي دفع ممثّلي الرئيس الحريري في اللجنة هادي حبيش وسمير الجسر إلى إبلاغ بقية النواب بأن “الحريري لن يسير بقانون عفو لا يأخذ بمبدأ تخفيض العقوبة للجرائم المستثناة من قانون العفو”. عملياً، بقي ممثّلو أمل وحزب الله على الحياد حيال هذا النقاش، كون “التخفيض” سيستفيد منه عدد جدّي من الملاحقين والمحكومين بقضايا مخدرات من البيئة الشيعية.

بالتزامن مع هذا الخلاف، لم يكن ملف العملاء أقلّ تعقيداً. وكان من نتائجه جلسة صاخبة أدّت إلى “مشكل ثقيل” بين النائبين ميشال معوض وجهاد الصمد كاد أن يتطوّر الى عراك بالأيدي.

عنوان هذا الخلاف كان الآلية التطبيقية للقانون 194 الصادر عام 2011 والذي اقترحه آنذاك النائب ميشال عون “لمعالجة أوضاع المواطنين اللبنانيين الذين لجأوا الى إسرائيل”، وهو ورد في المادة الأولى من القانون بند رقم 6 المحال إلى الهيئة العامة.

صنّف القانون 194 العملاء ضمن فئتين: من ارتكب جرائم تعامل مع العدو على الأراضي اللبنانية، وهؤلاء “يحاكمون محاكمة عادلة”. الفئة الثانية هي عائلاتهم وأولادهم ممّن لم يرتكبوا جرم التعامل وأجاز القانون لهم العودة.

القانون 194 وصفه النائب جميل السيد بـ”الخنفشاري”، مؤكداً “أنّنا وضعنا ضوابط له تمنع العودة العشوائية للفارّين والمرتكبين”. وقد تضمّن ثغرة فاضحة كونه أتاح عودة عائلات العملاء الملاحقين، وفق القانون اللبناني، بجرم دخول الأراضي الاسرائيلية وحيازة الجنسية، ولم يسقط الملاحقة عنهم. وهي نقطة تنبّه لها أيضاً فريق الحريري الذي يعمل على قانون العفو منذ العام 2018  عبر مستشار رئاسة الحكومة السابق القاضي هاني حلمي الحجار بالتعاون مع النائب هادي حبيش لاحقاً.

وبعد مراجعة بعض ملفات المحكمة العسكرية حول التصنيف القانوني أو الجرمي لهاتين الفئتين، تمّ لفت النظر إلى أنّ القانون 194 كرّس “حقّ العودة”، فيما هاتان الفئتان (المرتكبون، وعائلاتهم) تشملهما الملاحقة القانونية. فالمُبعدون من عائلات العملاء غير الملاحقين في لبنان، همّ إما ملاحقون أو محكومون بجرم اكتساب جنسية العدو، وجرم دخول أراضي العدو. ولذا، فإن العفو في هذه الحال سيطال الفئة الثانية حسب التصنيف الوارد في القانون 194، وتبقى “المحاكمة العادلة” للفئة الأولى أي المرتكبين.

جلسات لجنة العفو ناقشت تخفيض العقوبة أيضاً في ما يتعلّق بالمحكومين بالإعدام والمؤبد. وفي ظلّ رفض القوى المسيحية لهذا الأمر، تمّ الاتفاق مبدئياً على وضع “معيار إنساني” لا يخلق نفوراً لدى أيّ جهة سياسية

بمطلق الأحوال، ثمّة إجماع طوائفي – مصلحي تبلورت معالمه في الأسابيع الأخيرة وفرضته أزمة كورونا، سيتكفّل بإخراج قانون العفو من خرم الحسابات السياسية. فريق تيار المستقبل معنيّ بشكل أساس بملف الإسلاميين، والثنائي الشيعي “قبّ الباط” عن مسألة “تخفيف العقوبة” الذي سيستفيد منه المحكومون والملاحقون بملفّ المخدرات، والفريق المسيحي استفاد من الآلية التطبيقة لعودة عائلات العملاء من إسرائيل.

قاد هذا التوافق المصلحي إلى تسهيل النقاش ببند تخفيض العقوبة والصياغة المتعلّقة بجرائم الإرهاب. وفي هذا السياق يؤكّد نائب بارز لـ”أساس” أنّ “جلسات لجنة العفو ناقشت تخفيض العقوبة أيضاً في ما يتعلّق بالمحكومين بالإعدام والمؤبد. وفي ظلّ رفض القوى المسيحية لهذا الأمر، تمّ الاتفاق مبدئياً على وضع “معيار إنساني” لا يخلق نفوراً لدى أيّ جهة سياسية. وثمّة توجّه للسير به من جانب العونيين وحزب الله”. مع الاعتراف بالدور الإيجابي الذي لعبه النائب ميشال معوّض بالتنسيق مع الأطراف، كونه كان مكلّفاً بالجانب المسيحي العوني من الملف. 

ويكشف النائب عن “توافق مبدئي حتّى الآن على استبدال أحكام الإعدام  بالمؤبد، بحيث يخرج المحكومون من السجن عند توافر شرطين معاً: أن يكون المحكوم قد بلغ من العمر 65 عاماً، وعلى أن يكون قد سُجن أقلّه 25 عاماً. أما المحكوم بالمؤبّد فيعفى من إكمال باقي عقوبته بشرط توافر شرطين: أن يكون بلغ من العمر 65 عاماً، وقضى 20 عاماً في السجن”.

لكنّ المعلومات تفيد بأنّ هذا البند لا يزال محلّ نقاش يفترض أن يُحسم في الهيئة العامة، فيما الحريري لا يزال مصرّاً على تخفيض أكبر للعقوبة، في ظلّ وجود علامات استفهام من جانب “المستقبل” حول بعض الأحكام القاسية، برأيه، الصادرة عن المحكمة العسكرية والتي تصدر، بموجب قانون المحكمة، من دون تعليل، بعكس ما يحصل في القضاء العدلي.

إقرأ أيضاً

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…

اللاءات الأربع للحزب تفرمل الخماسية..

في مقابل الحراك الدولي والداخلي الناشط بكلّ الاتّجاهات، جنوباً ورئاسيّاً ونزوحاً سوريّاً، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ تحرّكات الدول المعنيّة بخفض التصعيد على الحدود…

إيران وإسرائيل: نتّجه لحرب استنزاف طويلة بالمنطقة

بين ردّ إيران الضخم على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، وردّ إسرائيلي محدود على الردّ الإيراني. تتّجه المنطقة كلّها، بحسب مصادر مطّلعة على أجواء قوى…