لحماية الزراعة والصناعة: تثبيت سعر الصرف أيّاً كان


لبنان ينتج أقل من 25 في المئة من حاجته إلى القمح، وأقلّ من 30 في المئة من حاجته للأجبان والألبان، و15 في المئة تقريباً من حاجاته الاستهلاكية للحوم، ويستورد بقيمة 800 مليون دولار موادّ استهلاكية من الكماليات ذات القيمة الغذائية المنخفضة، كالسكاكر والمشروبات الغازية وموادّ أخرى يمكن تخفيض حجم استيرادها، والاستعاضة عنها بمنتجات محلية متوفّرة بأنواع متطوّرة.  

لكنّ الرقم الإيجابي هو أنّ الإنتاج المحلي من الخضار يغطّي 88 في المئة من الطلب اللبناني، كما يغطّي معظم حاجة السوق المحلية من الدجاج والبيض والفواكه الأساسية. ولذا، فإنّ إمكانية تخفيض فاتورة الاستيراد الغذائي من الخارج متاحة. هذا ما يشرحه المدير العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الدكتور محمد سيف الدين في حديث لـ”أساس”.

بحسب سيف الدين أيضاً فإنّ 300 ألف هكتار من الأراضي الزراعية قي لبنان مهدورة بشكل كامل، و100 ألف هكتار فقط هي المستثمرة، بجهود 32 في المئة من اليد العاملة في لبنان.

إقرأ أيضاً: تحرير سعر الصرف.. يقلّص الحاجة إلى الدولار

قبل أزمات كورونا والانهيار المالي، كان لبنان يعاني تاريخياً من خلل كبير في ميزان التجارة الزراعية، لأنّه يستورد أكثر مما يصدّر، لكن ربما يفتح اتحاد الأزمات الحالية، المالية والصحية، باباً إلزامياً نحو تغييرات استراتيجية في بنية هذا القطاع.

حاكم مصرف لبنان كان وعد قبل يومين بالتدخّل لحماية الليرة، وبدعم أسعار السلع الغذائية من احتياطه الدولاري، بدءاً من الأسبوع المقبل، بعد عطلة العيد.

لكن ما هو القرار الطارئ الذي ينبغي اتخاذه اليوم في ظلّ الأوضاع المستجدّة، ومع انخفاض القيمة الشرائية لرواتب اللبنانيين بنسبة 68 في المئة تقريباً، تبعاً لانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار؟

“السيادة الغذائية”، يقول سيف الدين، قاصداً “التخطيط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات المحلية في بلد ينتج أقل من 50 في المئة من سعراته الحرارية الغذائية، وتعزيز الزراعة المحلية، خصوصاً الزراعات الغذائية، بالإضافة إلى التصنيع الغذائي، مترافقة مع رقابة حكومية شديدة وحاسمة على الأسعار في السوق، حتّى لا يستغلّ بعض تجار الأزمات تخفيض الاستيراد من الخارج، ليحتكروا السوق المحلية، فيرفعوا الأسعار لتحقيق أرباح أعلى، على حساب المستهلك النهائي الذي قد تزيد فاتورته، وتذهب الجهود الحكومية هباءً منثوراً. فالفلسفة القائمة في كلّ هذه الجهود هي إفادة المستهلكين النهائيين الذين يشكّلون كلّ اللبنانيين، ومصلحتهم أهم من مصلحة فئة قليلة”.

ويدعو سيف الدين وزارة الاقتصاد إلى أن تواكب بالرقابة والمتابعة الخطة التي وضعتها وزارة الزراعة للنهوض بالقطاع، وكذلك يدعو القضاء إلى التشدّد بحقّ كلّ من يزيد من تكلفة الغذاء (والسلع الأخرى أيضاً) على اللبنانيين بغير وجه حقّ.

وعود وزارة الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان لا تكفي، حول تأمين الدولار لسلّة غذائية من الحبوب والسكر والحليب وغيرها، بل المطلوب إيجاد حلّ لتأمين العملة الأجنبية لاستيراد المواد الغذائية وغير الغذائية للمواطن

من جهة أخرى، فإنّ نقيب مستوردي ?المواد الغذائية هاني بحصلي يعيد سبب ارتفاع الأسعار “بحدود 90 في المئة منه إلى تغيّر سعر صرف الدولار، لأنّ كلّ موادّنا تقريباً مستوردة من الخارج”. وفي حديث لـ”أساس” يوضح أن “الكلام عن بضائع مخزّنة منذ أشهر وتباع اليوم بسعر أعلى، يحتاج إلى توضيح. فالتضخّم وفرق سعر صرف الدولار يدفعنا إلى البيع على سعر صرف الدولار الحالي المتوافر في السوق، لأننا لو بعنا على أساس سعر صرف 1500 ليرة، نكون قد أمّنا ثلث سعر التكلفة، ولا نستطيع شراء سلع جديدة. وهناك أصناف لا يمكن إنتاجها في لبنان كالرز والعدس والفاصوليا، لأنّ تربة لبنان قد لا تكون صالحة لها عدا أن تكلفة زراعتها أعلى بثلاث مرات من كلفة استيرادها. وهناك المواد الأوّلية للصناعة المحلية”.

ويعتبر بحصلي أن “لا مشكلة مع البضائع السورية والتركية، ومنها ما جودته عالية جداً، وأسعاره منخفضة. أما مشكلتنا فهي التهريب من وإلى لبنان. نريد التخفيف عن المستهلك اللبناني، بأن نستورد ما هو أقلّ كلفة من الموجود في السوق، وكذلك ما يخفّف الكلفة على الصناعيين”. ويدعو “الدولة إلى تخفيف التكلفة بإعفاءات ضريبية ضرورية وبإعادة تأهيل البنى التحتية، وبتأمين العملة الأجنبية للاستيراد، حفاظاً على الأمن الغذائي الوطني وتثبيت سعر الصرف عند أيّ مستوى كان، لوضع حدّ لهذا الفلتان الحاصل”.

ويعتبر بحصلي أنّ “وعود وزارة الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان لا تكفي، حول تأمين الدولار لسلّة غذائية من الحبوب والسكر والحليب وغيرها، بل المطلوب إيجاد حلّ لتأمين العملة الأجنبية لاستيراد المواد الغذائية وغير الغذائية للمواطن”.

الحلّ إذاً لن يكون بتأمين دولارات مدعومة لسلّة غذائية محدّدة، بل “تثبيت سعر الصرف” بهدف “وقف التلاعب والفوضى”، وإعفاءات ضريبية فورية لحماية الصناعة المحلية والزراعة كذلك، وإطلاق ورشة فورية لدعم الزراعة الوطنية.

إقرأ أيضاً

الانتظار والمماطلة: نعمة الطبقة الحاكمة ونقمة المواطنّ!

محطّات عدّة مرّت على لبنان، ولطالما عاكست الظروف التي واكبت هذه المحطّات مصلحة المواطن، وساهمت في إبقاء الأداء المشين لـ”الطبقة الحاكمة” على ما هو عليه….

السلطة V/S المصارف: الأزمة بحاجة لـ”عقل محايد” يحسم خلافاً

يستعر الخلاف بين المصارف من جهة وبين مصرف لبنان والسلطة السياسية من جهة أخرى، حول الأزمة الاقتصادية، وذلك منذ ما يزيد على 4 سنوات، ولا…

مفاوضات صندوق النقد: لبنان في حالة موت سريريّ

كثرت في هذه الأيام الرسائل الموجّهة إلى صندوق النقد الدولي من قبل جهات عديدة من المجتمع اللبناني في محاولة لإرشاده إلى كيفية مقاربة حلّ “للمصيبة…

عمولة 8 مليار$: إلى متى سيبقى مصرف لبنان صامتاً؟

أثير ضجيج كثير حول تقرير التدقيق الجنائي في حسابات شركة “أوبتيموم” المتعاونة مع مصرف لبنان. لكنّ الأخير لا يزال صامتاً حتى اللحظة. على الرغم من…