ما في شي بسوريا


كاد أن يقول أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير “ما في شي بسوريا” نسجاً على منوال تصريح شهير له على أبواب تدمير حمص “ما في شي بحمص”…

فالرجل، ومن دون تكليف نفسه عناء تقديم أيّ شرح أو رقم أو معطى، فاجأ اللبنانيين الذين تأكلهم أسوأ أزمة اقتصادية منذ مجاعة “حرب الـ 14″، بأن الحلّ لأزمتهم هو سوريا، وأنها حاجة اقتصادية لبنانية!!

إذاً، “ما في شي بسوريا”، وما علينا إلا التخلّي عن أحقادنا الوطنية الشوفينية تجاهها وتجاه السوريين، ونشرع في البحث في كيفيات الاستثمار في الفرصة السورية الاقتصادية!

لا يوجد متابع، دعك عن مسؤول محترف وقائد سياسي من طراز نصرالله، يطرح ما طرحه الرجل في خطاب ذكرى مصطفى بدر الدين.

إقرأ أيضاً: لبنان محجور في “كرنتينا” حزب الله

هو حتماً استمع إلى نشرات الأخبار ذلك المساء، أو أعدّ له مساعدوه تقريراً عن أبرز ما جاء فيها من تقارير ومواضيع. وهو بلا شك على بيّنة من أنّ اللبنانيين يناقشون ملف تهريب القمح والمازوت إلى سوريا، والسلعتان مموّلتان منذ العام 2013 من مخزون لبنان من الدولار الذي بات كائناً مهدّداً بالانقراض!

خسر المودعون اللبنانيون 4 مليارات دولار كلّ سنة، طوال 7 سنوات، أي ما مجموعه 30 مليار دولار (28 مليار+ فوائد المبلغ)، بغية شراء قمح ومحروقات لا يحتاجهما السوق اللبناني، باعتراف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إنّما تمّ استيرادهما ضمن تركيبة تهريب ضخمة إلى سوريا. ويضيف الاقتصادي الدكتور مروان إسكندر في مقالة له في صحيفة “النهار”، أنّ أرباح هذه التهريبة تتجاوز 6 مليارات دولار لم يتمّ تسديد أيّ ضريبة مستحقة عليها!

مؤدّى الكلام أنّ لبنان هو من في موقع إعانة سوريا اقتصادياً، على حساب مدخرات أبنائه وعلى حساب النزيف الخطير في احتياط النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، والذي أدى في نهاية الأمر، بالاضافة طبعاً الى أسباب نزف أخرى، إلى شحّ الدولار وانهيار العملة الوطنية وتبخّر ودائع اللبنانيين.

فماذا لدى سوريا لتقدّمه للبنان الآن؟

بحسب أرقام الأمم المتحدة، دفعت الحرب التي شارك فيها حزب الله، ما يفوق الـ80 % من السوريين إلى ما دون خط الفقر. فيما يشير تقرير آخر للبنك الدولي نشر عام 2018 أن الحرب أدّت الى تهجير 6.2 مليون سوري داخل سوريا و5.6 الى خارجها، وهو ما يفوق بعشرين ضعفاً في آثاره السلبية على اقتصاد سوريا وإمكانيات نهوضها في المستقبل، من الدمار اللاحق بالبنية التحتية. فيخلص التقرير الى أن الانهيار في رأس المال البشري وتقطع أوصال المجتمع سيكون له الأثر الأكبر على تعطيل ديناميات النهوض في سوريا لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب!

يوم الخميس الماضي أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتّحدة أن الذي يعانون من إنعدام الأمن الغذائي في سوريا بلغوا رقماً قياسياً – 9,3 مليون شخص – وهو رقم ازداد  أكثر من مليوني شخص في ستة أشهر فقط . وبالتالي فإن نصف الشعب السوري ينام جائعاً.

وسوريا تحتاج، وفق آخر تقييم أعدّ حول آثار الحرب، إلى ورشة إعادة إعمار تفوق كلفتها الـ400 مليار دولار، لا يبدو توفرها سهلاً في زمن تهاوي أسعار النفط وإقبال العالم على أخطر انكماش اقتصادي منذ الكساد الكبير عام 1930/1929، بسبب جائحة كورونا. أما في حال توفّر الأموال أو بعضها، فإنّ دون ضخّها في عملية إعادة الاعمار والنهوض بسوريا، التوصّل إلى اتفاق سياسي بشروط المجتمع الدولي، يبدأ من تغيير الدستور وينتهي بعملية انتقال سياسي للسلطة تفتح صفحة ما بعد الأسد بكلّ وضوح وصراحة. حينها فقط يمكن الحديث عن فرص اقتصادية للبنان في سوريا، وحينها سيكون حزب الله آخر الأطراف الذين يحقّ لهم الكلام في هذا الملفّ، لأنّ بعضاً من خروج الأسد من المعادلة السورية سيعني حكماً بعضاً من خروج حزب الله من المعادلة اللبنانية. وفي الواقع هنا تكمن قراءة حزب الله الصحيحة للعلاقات اللبنانية السورية ولانعكاسها عليه، وهو ما يفسّر مقدار الأثمان التي اختار دفعها بغية حماية بشار الأسد.

سيكون مرّاً على من دفع هذه الأثمان وفي ذكرى أحد أكبر قادته الذين سقطوا في سوريا، مصطفى بدر الدين، ألا يرتدي رداء الإنكار، وألا يلوذ باللغة والخطاب لرسم صورة عن نصر وهمي. 

سوريا اليوم ليست في أيّ موقع لأن تكون سنداً للبنان لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الأمن ولا في أيّ معطى آخر

تستوي سوريا إذ ذاك، لا بوصفها سنداً اقتصادياً للبنان وحسب، بل سنداً عسكرياً وأمنياً لا غنى عنها لضبط حدود لبنان، والتي بالمناسبة يجاهر نصرالله أنه لا يوافق على ضبطها بذريعة حماية ”معابر المقاومة“!.

والله احترنا!

تخيّلوا أنّ الجيش السوري المنهار، الذي عانى من كلّ أنواع الانشقاقات طوال عقد من الزمن، ومُني بكل أشكال الهزائم طوال حقب الحرب في سوريا، هو شرط نجاح الجيش اللبناني الذي بحسب نصرالله “لا يستطيع بكامل عدته وعديده أن يحمي الحدود“..  إذا كانت بقايا جيش الأسد أكفأ من الجيش اللبناني، الأميركي التدريب والعتاد والجاهزية والمتميّز بوحدة الإمرة وسلامة العلاقة بالمؤسسة السياسية، يصير ضمّه إلى المعادلة الثلاثية ”جيش وشعب ومقاومة” بمثابة إهانة للشعب والمقاومة.

والله احترنا أكثر مع نصرالله!

يتخيّل أنّ بوسعه إقناع أحد في هذا العالم،  بدءاً من جمهوره المباشر وأبعد، أن جيشاً كبقايا جيش الأسد، احتاج إلى كلّ ما تيسّر من ميليشيات الأرض للقتال عنه وليس إلى جانبه فقط، بما يتراوح بين 35000 لـ 80000 مقاتل، هو السند للبنان ولجيشه لضبط الحدود!

سوريا اليوم ليست في أيّ موقع لأن تكون سنداً للبنان لا  في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الأمن ولا في أيّ معطى آخر.

بعد أسابيع قليلة، في حزيران، يدخل ”قانون قيصر“ الأميركي حيّز التنفيذ، وهو قانون يتيح لواشنطن أن تفرض عقوبات على الأطراف التي تقدّم دعماً لمحاولات الجيش السوري تحقيق انتصار عسكري، بما في ذلك الدعم المادي والاقتصادي عبر شركات أجنبية، والحكومات الساعية للمصالحة مع نظام الأسد.

قد تدفع الدوغمائية نصرالله لأن يرسم صورة مغايرة للواقع، إرضاءً لجمهوره وتعويضاً عن أكثر مغامراته كلفة لحزبه وبيئته ومن دون نتائج حقيقية يعتدّ بها. الأخطر في هذا المفهوم أن يكون مصدّقاً ما ذهب اليه، وأن يكون انفصاله عن الوقائع قد بلغ هذا المبلغ. بحث لا نعرف ما إذا كان يتحدّث عن سوريا أو “سيرياتيل”!!

رسائل رامي مخلوف بالفيديو
17 – 5 – 2020

3 – 5 – 2020

30 – 4 – 2020

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…