“عسكرة كورونا”… خيار غير قابل للتطبيق؟


 لا تبدو الحكومة حتّى الآن في وارد “عسكرة كورونا”. توصيفٌ يعكس واقع الحال إذا لجأت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ العامة بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، بناءً على المادة 65 من الدستور.

إعلان الطوارئ العامة سيعني تسلّم السلطة العسكرية العليا، أيّ الجيش، صلاحية المحافظة على الأمن، وتصبح كافة القوى والأجهزة الأمنية تحت إمرته. ويتيح ذلك حصر الإمرة بالجيش على كافة المستويات وفرض حظر التجوّل بالقوة، وكلّ ما يمكن أن يؤدي إلى ترجمة الأهداف التي من أجلها أعلنت حالة الطوارئ. باختصار أكثر: مصادرة قرار” كافة المؤسسات الرسمية والمدنية والشرعية لتصبح بيدّ القوى المسلّحة، بإمرة قائد الجيش.  

وفق مصادر وزارية، فإنّ “متطلّبات الأرض لا تحتاج حتّى الآن إلى إعلان حالة الطوارئ وفق المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر عام 1967 والذي يحوّل البلاد إلى منطقة عسكرية بالكامل، لا يسمح خلالها بالتجوّل حتّى للتزوّد بالأمور الضرورية باستثناء المستشفيات والصيدليات”.

إقرأ أيضاً: وزير بارز لـ”أساس”: لا إعلان للطوارىء غداً

مع العلم أنّه وفق المرسوم نفسه يُؤخذ بخيار المنطقة العسكرية “عند تعرّض البلاد لخطرٍ داهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مسلّحة أو أعمال أو اضطرابات تهدّد النظام العام والأمن أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة”.

“الكارثة”، بالنسبة لرأس الدولة والحكومة لا تزال في مراحلها الأولى، وكل ما يتمّ اتّخاذه من إجراءات وقائية واستباقية وردعية هو بهدف “عدم الانزلاق إلى حالة الوباء الشامل”. وفي هذا السياق، برز موقف وزير الداخلية محمد فهمي بالتأكيد “أنّه إذا تمّ الالتزام بالاجراءات المتّخذة، لن تعلن حالة الطوارئ العامة، أمّا في حال العكس فسنصل إليها”، متحدّثاً عن “توجّه لقمع كافة المخالفات التي تطال مواطنين أو أصحاب محال وتبدأ من إعطاء توجيهات وصولاً إلى تسطير محاضر ضبط وتوقيفات”.  

وتقول المصادر الوزارية إنّ “الحكومة تدرّجت في الإجراءات منذ وصول الفيروس إلى لبنان، وتقريباً اتّخذت إجراءات تشبه حالة الطوارئ في كل ما يتعلّق بمواجهة الفيروس، من إغلاق الحدود البرية والبجرية وإقفال المطار وكافة المؤسّسات والإدارات باستثناء ما يتعلّق بالآمن الغذائي والصحي، وإعلان حالة الطوارئ الطبيّة والتبعئة العامة. وإثر ذلك، وبسبب عدم الالتزام الكامل فرضت منع التجوّل الذاتي مع استنفار من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية هو الأعلى والأكثر تشدّداً منذ بدء الأزمة، وهي معادلة شبيهة تماماً بفرض منع التجوّل بقوة القانون”.

 تضيف المصادر أنّه “إعلان النفير الصحي والمدني واستنفار كل أجهزة الدولة والقطاعات المدنية لمواجهة كورونا بعيداً عن العسكرة. مع التذكير بأنّ اللجوء إلى خيار عسكرة القرار مرادف لتقييد الحريات بشكل خطير، فيما الأزمة هي صحية قبل أيّ شيء آخر، فهل هذا المطلوب؟”.

وقد نقل عن وزير في الحكومة الحالية قوله: “بالتأكيد من يطالب بإعلان حالة الطوارئ العامة لا يعرف المغزى عنها. فوضع كهذا قد يتيح للعسكري إطلاق نار باتجاه أيّ مخالف للتعليمات وما حدن ممكن يسأله شيء أو يحاسبه”، فهل هذا المطلوب؟!”.

وبين النموذجين الصيني والإيطالي، تبدو السلطة عالقة “في النصّ”. بالمنحى العملاني لا يمكن أيّ إجراءات أن تفعل فعلها ما لم يلتزم اللبنانيون بالمطلوب منهم. وهو المفتاح الذي قاد الصين إلى الخروج من فم التنين، مع التسليم بفارق الإمكانيات الهائل ليس فقط مقارنة بلبنان بل مع العديد من دول العالم.

تضع مصادر رسمية الحديث المتكرّر عن رفض سياسي، تحديداً من جانب رئاسة الجمهورية وحزب الله، لنقل الإمرة من السلطات المدنية إلى العسكرية في إطار “إمّا الهذيان أو المزايدة”

ووفق المعطيات، لم تطرح على طاولة البحث حتّى الآن فكرة إعلان حالة الطوارئ العامة وفق مقتضيات الدستور والتي تحتاج أيضاً إلى توصية من المجلس الأعلى للدفاع. أمّا في كواليس السياسة، فلا يبدو الأمر مطروحاً لدى السلطة السياسية ممثلة بالرؤساء الثلاثة أو لدى قيادة الجيش التي باشرت مع باقي الأجهزة الأمنية مواكبة قرارات التعبئة العامة الصادرة عن الحكومة. وبات من السهل رصد العسكر بكمّامات… مع سلاح ظاهر في الشوارع، ضمن مهمّة ضبط الأمن لمنع المتفلّتين وعديمي المسؤولية من المساهمة في انتشار الفيروس القاتل.

وتضع مصادر رسمية الحديث المتكرّر عن رفض سياسي، تحديداً من جانب رئاسة الجمهورية وحزب الله، لنقل الإمرة من السلطات المدنية إلى العسكرية في إطار “إمّا الهذيان أو المزايدة”. وفي كلا الحالتين، تقول المصادر إنّه “حتّى لو استلم الجيش الإمرة ونزل بكامل عديده على الأرض، وهو أمر سيشكّل عامل استنزاف لكافة القوى الأمنية والعسكرية في حال استمرّت الأزمة أشهراً وسيفرض عزلة قد تخنق اللبنانيين، فالكل يعلم أنّ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة والقرار العسكري بيده وحده”.

أمّا لناحية الحسابات السياسية المرتبطة بتجيير هذا الدور لقائد الجيش العماد جوزف عون، أحد المرشّحين الطبيعيين لرئاسة الجمهورية، فتقول المصادر: “لا حسابات اليوم سوى تلك المتعلّقة بنضال البشرية جمعاء للتخلّص من هذا الوباء. وكلّ تنظير أو تحليل من هذا النوع لا يعدو كونه “كترة حكي” وقد يزيد منسوبه بالتأكيد مع حالات الانعزال في المنازل”. 

إقرأ أيضاً

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…