رضوان السيد لم يخرج أشرًا ولا بطرًا


كان رضوان السيد قاب قوسين أو أدنى من الجلوس في الكرسي التي استقت قدرتها وحازت عظمتها يوم تعرّفت إلى حسن خالد، ذاك الشهيد الألمعي الشجاع، لكن النظام السوري وقف له ولرفيق الحريري بالمرصاد. أدرك النظام وقتذاك أن الرجل ينتمي إلى قماشة مكثفة الصلابة وصعبة المراس، وأن لا سبيل لكبحه أو ترويضه.

هذا وسام جليلٌ يُضاف إلى الأوسمة الوفيرة التي حصدها رضوان السيد منذ نعومة أظافره. عرفناه عالمًا كبيرًا ومفكرًا استثنائيًا وحجر زاوية وقطب رحى. ظلّ على الدوام تلك العلامة الفارقة والمميزة. وظلّ حضوره مرادفًا للرفعة والمكانة والمهابة. هو الرجل الهادئ الأنيق الممتلئ بالسكينة والوقار. هو المفتي بلا عمامة. وهو المستشار الذي تجاوز كل المواقع وكل الألقاب. هو المحاضر الفذّ والعارف الحصيف والمؤمن الزاهد والمؤتمن الضنين. اسمه يختصر ذكريات الضوء والنهضة واليقين. وطيفه لا يبارح التفاعل والاجتهاد والنقاش. هو النجم المتوهّج والعرّاب الدائم أينما تحطّ به الرحال. وهو الأنيس الذي لا تشبع من مجالسته ومن وضوحه وصداقته.

إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: الحشد لقرار المحكمة الدولية وإسقاط العهد القوي (2/2)

عضّ عليه رفيق الحريري بنواجذه. كان يدرك تمام الإدراك أن أمثال هؤلاء لا يتكرّرون، وأن حضوره المهيب إلى يمينه يكتسب أهمية عميقة ومطلقة. أدرك رضوان السيد أيضًا أن رفيق الحريري ينتمي إلى صنف القادة الكبار، أولئك الذين تضيق بهم صفحات التاريخ وخطوط الخرائط وحساسيات الأوطان. فتكامل معه. عاش أحلامه وانتصاراته وخيباته. ثم انكسر لحظة كسره وشطبه. وهو لا يزال يتنهّد ويدمع كلما نزف جرحه الذي يقطنه رفيق الحريري دون سواه. 

مثل هذا الرجل، الذي تُرفع له الأقلام والقبعات في عواصم العرب والمسلمين، يضعه سعد الحريري في خانة الخوارج الذين يروّجون الأكاذيب ويراهنون على إسقاط المعادلة الوطنية، وقد هالنا هذا الموقف ونحن نتابع ونقرأ، وكأننا لا نريد أن نصدّق حجم الكبوة الرهيبة التي أصابته، حتى استحال حاقدًا لا يوفّر أحدًا من حقده، لا سيما أولئك الذين كانوا أصدق الصادقين وأقرب المقرّبين إلى والده وتياره وعائلته، وهي ليست المرة الأولى على كل حال ولن تكون الأخيرة.

لكن بعيدًا من هذا الموقف المجبول بالعار. ماذا يريد رضوان السيد؟ ماذا يريد بالفعل؟ رجلٌ في شتاء العمر. أمسك المجد من كل أطرافه. لا يبحث عن منصب ولا عن موقع ولا عن توريث. لديه ما يفيض من العلم والمعرفة والحضور والسمعة والعلاقات، ولديه أيضًا ما يفوق القدرة على منافسته أو سحقه. ما الحاجة إلى مهاجمته والحقد عليه؟

ذاك الرجل الذي يستحق أن يُعامله سعد الحريري كوالد ومعلّم، لا أن يهاجمه كوحش كاسر أو كنمر جريح

ثمة لكل هذه الأسئلة جواب واحد وحيد: سعد الحريري بات يعاني أزمة بالغة الحدة والتعقيد. وعادة هؤلاء أن يُصابوا فجأة بنوبات من العصبية، كتلك التي انفجرت على نحوٍ مباغت بوجه رضوان السيد وقبله نهاد المشنوق حين نطق بالحق من على منبر دار الفتوى.

 ذاك الرجل الذي يستحق أن يُعامله سعد الحريري كوالد ومعلّم، لا أن يهاجمه كوحش كاسر أو كنمر جريح.

لسان حال مولانا إزاء هذا النوع من التجاسر والوضاعة هو الصبر والاحتساب والشفقة، وقد أخبرني ذات يوم بأنه وقف أمام بيت الله الحرام ليدعو لسعد الحريري بالهداية والبصيرة، بعد أن هاله ما اقترفته يداه من خطايا. ثم أردف بعد أن تأثر وأدمع: لقد ابتلينا بهذا الرجل، لكن لا بد من مساعدته والأخذ بيده، لأننا معه جميعًا في مركب واحد.

رضوان السيد لم يخرج أشرًا ولا بطرًا. هو واضحٌ وضوح الشمس، يُقارع بالحجج والوقائع، مستندًا إلى دوره وشرعيته وواجبه السياسي والوطني، أما الشتائم فيتركها لتأكل ما تبقى من أصحابها.

 

لقراء مقالة المفكّر رضوان السيّد “قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية!”، 
ولقراءة النقاش الذي أثارته مقالة الدكتور رضوان السيد إضغط هنا

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…