كورونا والثورة: نحن “الفيروس” المقبل


 “وين الثوّار؟”، سؤال يتردّد منذ أن نالت الحكومة الجديدة ثقة مجلس النواب، خصوصاً بعد المواجهات التي شهدتها مداخل المجلس بين القوى الأمنية والناشطين الذين حاولوا منع وصول النواب إلى البرلمان.

كان يوماً ثورياً بدا كأنه جرسٌ لعودة الثوّار إلى الساحات بقوّة تشبه زخم الشهر الأول من الثورة. غير أنّ الحماسة خفّ بريقها شيئاً فشيئاً، إذ قرّر الناشطون الأساسيون في الحملات منح الحكومة “فرصة مؤقتة”، وذلك حرصاً منهم على “عدم تحميلنا أيّ مسؤولية اقتصادية من جانب الرأي العام، واتهامنا بالعرقلة”، كما يقول أحد الناشطين الأساسيين في الثورة.

إقرأ أيضاً: سلطة الكورونا تخطّط لتخريب الثورة

وهكذا كان: لم يعد يوم الأحد مخصصاً للمسيرات الأسبوعية التي تتبعها تجمعات قرب السراي الحكومي ومجلس النواب، وإنما استبدل بأيام السبت من دون تتويجه بتظاهرات ثابتة غالباً كانت تؤدي إلى اشتباكات مع القوى الأمنية، وكان من شأنها حينها رفع مستوى الحماسة لدى الثوّار.

مع ذلك، أصرّ الناشطون الأساسيون على تواجدهم اليومي في خيم الساحات، وتحديداً ساحة الشهداء، حيث لا تخلو خيمة واحدة من سبعة أشخاص كحد أدنى، ثلاثة منهم أو أكثر ينامون في الخيمة. لكن اليوم، يبدو نبض الساحات مختلفاً، بعد تحوّل فيروس كورونا من “مزحة” لبنانية جماعية إلى كابوس أشبه بشبح يخافه الجميع.

ثمة رأيان في الساحات: الأول، يطالب بإخلاء كلّ الخيم حفاظاً على سلامة الثوّار، والثاني، يرفض ترك الخيم مهما كلف الثمن، خوفاً من استغلال السلطة للوضع ومصادرة الخيم، فـ”الله وحده ساعتها بخلينا نرجع”، يقول الرافضون لاقتراح الحجر المنزلي الطوعي.

ولأنّ الثورة رفضت منذ بدايتها تمثيلها بقادة، فإنّ الموضوع ما يزال حتى اللحظة محل تباين في وجهتي النظر، علماً أنّ المطالبين بالحجر المنزلي هم أقلية، تقابلها أكثرية تنطلق من فكرة رفض ترك الخيم من ناحية عاطفية، على اعتبار أنّ “القضية لا تسمح لنا بترك الساحات للدولة أو بلطجية الأحزاب”.

يقول أحد الناشطين الأساسيين لـ”أساس” إنّ “القضية تملي علينا مسؤولية تقضي بأن نغادر الخيم ونأخذها معنا”، مؤكداً رفض تركها في الساحات، لأنّ “من يضمن لنا ألا يتم استغلال وجودها لإتهامنا بجرائم أو أفعال قد تُستخدم ضدنا من قبل الميلشيات وزعرانها؟ اقترحت على الأصدقاء أن نغادر الساحات مع خيمنا، ثم نعود إليها بعد شهرين، ولو بالقوة”.

غير أنّ رأي هذا الناشط، الذي يُعتبر من أبرز الثوار ميدانياً، قابلته عاصفة من الرفض واجهها بأسئلة لمحاوريه: “عنّا مغاسل حتى كل شويّ نغسل؟ معنا مصاري لكل يوم نقدر نشتري معقّم، سواء للخيم أو إلنا كأفراد؟ في حدّ أدنى من النظافة بالحمامات؟ هوي سجن رومية المغلق وكل 7 ساعات بصير فيه تعقيم، كيف نحنا الموجودين بمكان مفتوح؟”.

رغم أنّ التباين في الرأيين ما يزال قائماً حتى كتابة هذه السطور، إلا أنّ الطرفين ينطلقان من خوفهما على وجود الثورة، لكن كلاً منهما استناداً إما إلى المنطق وإما إلى ما يشبه “العاطفة الثورية”.

في الحالتين، الثورة مستمرة، مع شبح “الكورونا” أو من دونه، مع خيم أو في العراء، فالغضب على حكومة حسّان دياب سيتضاعف تباعاً، والسّخط على العهد وصهره سيكون هو “الفيروس” المقبل، لكنّه لن يكون شبحاً ولن يصيب إلاّ كل من نهبنا وسكت عن اغتصاب حقوقنا منذ وُلدنا.  

إقرأ أيضاً

17 تشرين: خروج الشباب على الولاء للزعماء

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

سوريّة – كرديّة: 17 تشرين جعلتني “لبنانية”

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

بوجه من انتفضوا: المناهبة”(*) الخماسيّة؟ (2)

تحلّ الذكرى السنوية الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجوديّة متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في الحلقة السادسة ينشر “أساس” مقتطفات من فصل…

في انتظار تجدّد “يوفوريا” 17 تشرين

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…