بلدية بيروت “تدسّ” السم بالدّسم


في زمن الثورة، الصراخ، الجوع، وجلد المفسدين في كوكب الـ10452 مغارة، تفوح من بلدية بيروت روائح هدر المال العام مقابل الغذاء الانتخابي، عبر دس سمّ الفساد في عسل الخدمات. مستثمرة في عوز الناس وحاجاتهم إلى الأرز، والملح، والحمص، والجبنة والطحين…

عاصفة ردود الفعل على صفقة تلزيم شراء حصص غذائيّة للمحتاجين في بلدية بيروت، لم تهدأ بعد. لاسيما بعدما كشفت شركة “مكية أنترناشينول غروب” المستور في كتابها الموجه إلى محافظ بيروت زياد شبيب، الذي تحدثت فيه عن المسار الملتوي للمناقصة وأعلن انسحابها بالرغم من فوزها كصاحبة أدنى عرض (بقيمة مليار و199 مليون ليرة)، لتوزيع 20 ألف حصة غذائية على فقراء بيروت “وتعرّضها لضغوط كبيرة بهدف رفع الأسعار التي قدّمتها أو تقاسم الحصص مع عارضين آخرين”.

إقرأ أيضاً: عن احتضار سوق فرن الشبّاك

وتحت حجة توفير الوقت وبأنّه يصعب على عارضٍ واحد تأمين 20 ألف حصة في وقت قصير، وأنّ  المجلس البلدي ينفطر قلبه على محتاجي بيروت، رست المناقصة على ثلاثة عارضين، وبعد انسحاب حجر الأساس في هذه المناقصة (الشركة الفائزة) وتسرّب رائحة الفساد منها، قرّر رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني العودة إلى إجراء مناقصة جديدة. وتأتي هذه الخطوة بعد إرسال وزير الداخلية محمد فهمي كتاباً إلى رئيس المجلس البلدي عبر محافظ بيروت لضرورة تقيّد بلدية بيروت بمبدأ المناقصات.

فما الذي سيحصل بعد محاولة حفظ ما تبقى من ماء وجه المجلس البلدي.

يؤكد أحد أعضاء مجلس بلدية بيروت لموقع “أساس” أنّ لجنة المجلس البلدي الموكلة متابعة المناقصة هي بصدد تحضير دفتر شروط بقرار من الإدارة، على أن يتم رفعه بعد الانتهاء منه إلى المجلس البلدي، ومن ثَمّ إلى لجنة المناقصات في البلدية وصولاً لإطلاق المناقصة من جديد.

وتوقع أن تكون المناقصة مفتوحة لاستقدام شركات جديدة، غير التي شاركت بالمناقصة الأولى، من دون أن يستبعد أن يكون دفتر الشروط على مقاس الشركتين التي تعطلت المناقصة الاولى كرمى لإرضائهما. 

ويعترف عضو المجلس البلدي أنّه كان هناك سوء إدارة للمناقصة من قبل اللجنة، أدّى إلى هذا اللغط، ويكشف بأن “سوء الإدارة كان بإشراف ديوان المحاسبة بطريقة أو بأخرى”، لأنه وبعد تواصل اللجنة معه (ديوان المحاسبة) قام بإسداء النصيحة لها باتّباع هذه الطريقة لتسريع الأمور. علماً أنه كان هناك جوَ سلبي من بعض أعضاء المجلس البلدي تجاه خوض المناقصة من دون دفتر شروط، وكانوا يفضّلون السير بدفتر شروط ولو كان ذلك سيأخذ مزيداً من الوقت.

وحول قرب الشركات المرفّعة عن الخسارة من “تيار المستقبل”، يشير عضو المجلس البلدي إلى أنّه فعلياً كان هناك شركات تقدّمت إلى المناقصة، وكان من بينها الأكثر كفاءة ولم يربح، منها شركة خاطر للمواد الغذائية، الرائدة في مجال المواد الغذائية، لكن، وعلى ذمّة اللجنة الموكلة متابعة الملف، فإنّ هذه الشركات لم تستكمل أوراقها اللوجستية ولذلك تم استبعادها. في وقت تمّ فيه توزيع شهادات اعتماد مسبقاً بالشروط على الشركات المختارة. وعن توفير الاعتمادات اللازمة للمناقصة في زمن عصر النفقات يقول: “صندوقنا البلدي مستقلّ عن الصندوق البلدي التابع للحكومة وبالتالي بلدية بيروت لديها الإمكانيات”.

من يدفع ثمن هدر الوقت الذي كان ذريعة البلدية في البداية لمخالفة القانون

أما قانونياً، فإعادة إجراء المناقصة يقي البلدية الوقوع في شرّ المحاسبة بجرم هدر المال العام، وينجّيها من أي مساءلة. وإن كانت الشياطين تتجاوز تفاصيل المناقصة الأولى. ويؤكد الناشط الحقوقي سامر حمدان لـ”أساس”: طالما أن الشركة انسحبت من المناقصة، بطبيعة الحال وبالقانون، لا بدّ من إعادة إطلاق المناقصة من جديد، وعليه، تقوم البلدية بالمقتضى الصحيح في هذه الحالة”.

وفي ما يخصّ المحاسبة على أول مناقصة، فلا يمكن محاسبة بلدية بيروت على جرمٍ لم يكتمل وعلى ما حصل، وإن كان هناك شبهات كثيرة حولها، طالما أنّ البلدية فعلياً لم تهدر المال العام، وبذلك لم يتحقّق جرم هدر المال العام واستغلال الوظيفة العامة بعدم تحقّق النتيجة، ولا يمكن تحميلها المسؤولية ومقاضاتها أمام القضاء الجزائي بجريمة هدر الأموال العامة واستغلال الوظيفة العامة باعتبار أنّها سارت في الخطّ القانوني السليم من جديد.

لكن من يدفع ثمن هدر الوقت الذي كان ذريعة البلدية في البداية لمخالفة القانون؟!

وتجدر الإشارة ختاماً، إلى أنّ معلومات خاصة أفادت بوجود توجه في البلدية لم يتبلور بعد، لتضمين الحصص الغذائية “حصص كورونا” في ظلّ الوضع الصحي وارتفاع أسعار مواد التعقيم والتنظيف ومستلزمات الوقاية.

 

إقرأ أيضاً

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…

النزوح السوريّ (2): تاريخ من التعطيل.. فتّش عن باسيل

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…