ساحة رياض الصلح: هنا بدأت الحكاية


نور مخدر 

هنا ساحة رياض الصلح، الوجهة التي قصدها المتظاهرون منذ زمن للدفاع عن مطالبهم وحقوقهم. هذه المرة، احتضنت الساحة مطالبهم المتنوعة، من استعادة الأموال المنهوبة، والضمان الاجتماعي، والشيخوخة وفرص عمل. ذاكرة التمثال، المقابل للسراي الحكومي من  الساحة، حفظت وجوه  المتظاهرين  الدائمين.

“الشارع سبق جميع المجموعات والناشطين”، هكذا تختصر الصحافية والناشطة في مبادرة “وعي”، ندى أيوب، نبض ساحة رياض الصلح. بعد أربعة أيام من انطلاق ثورة 17 تشرين، حاول المتظاهرون تنظيم أنفسهم بأنفسهم، فنصبوا الخيم، كإعلان عن مرحلة مواجهة طويلة، أولى مطالبها كانت استقالة الحكومة.

إقرأ أيضاً: رصاصة تقتل أحلام ثائر

تنوعت الخيم المنصوبة في ساحة الثورة، بدءاً من مشاركة مجموعات “طلعت ريحتكم” منذ عام 2015، والحزب الشيوعي اللبناني، واتحاد الشباب الديمقراطي، و”لحقي”، مروراً بـ”المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”، و”الحركة الشبابية للتغيير”، والجامعة اللبنانية، وأهل بعلبك، وصولاً إلى “جنسيتي حق كرامتي” ومستقلين.

في هذه الخيم، ثمة  شبابٌ وشابات رفعوا الصوت عالياً في وجه السلطة، وحوّلوا لياليها إلى هتافات تارةً وأغاني تارة ثانية، إضافة إلى النشيد الوطني، الذي كاد أن يُنسى. أما أيامها، فتوزعت بين حلقات نقاش في خيمة طلاب الجامعة اللبنانية حول احتياجاتها وحقوق طلابها، وندوات حقوقية واقتصادية كان يجريها الحزب الشيوعي اللبناني في حديقة جبران خليل جبران، بالإضافة إلى حوارات قانونية مع مجموعات مستقلة، ما أضفى نوعاً جديداً، قلّ ما استخدم لتوعية المواطنين حول حقوقهم أثناء الاعتصامات والمظاهرات السابقة.

شكلّت الساحات في المناطق اللبنانية الأخرى، على غرار طرابلس وصيدا وصور والنبطية، اهتماماً موازياً ورديفاً لساحة رياض الصلح، وباتت الانتفاضة غير متمركزة في مكان واحد

حكاية ساحة رياض الصلح لم تنتهِ هنا، بل بقيت الجدران المؤدية إليها خير شاهد على مطالب الشعب، إذ نجح الفنّ في توجيه أصابع الاتهام نحو المسؤولين، كما أن الساحة شهدت إشكالات عدّة، سواء من جانب جهات حزبية أو عناصر مكافحة الشغب، الذين استخدموا القنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي.

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق الثورة، ظنّ البعض أن المتظاهرين سئموا المحاولة، واعتبر آخرون أن قدرة المواطنين على التغيير قد فشلت. وما بين قيلٍ وقال، يرصد الناشط في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”، محمد علّوه، وجود عوامل ساهمت في تراجع الزخم وخلو الساحة، أبرزها: التمركز في ساحة رياض الصلح في الفترة الأولى من الانتفاضة الشعبية يعود إلى تواجده في محيط السراي الحكومي، خصوصاً أنّ المطلب كان استقالة الحكومة.

لكن إثر استقالتها، انتقلت المواجهات إلى أماكن متعددة، مثل محيط المجلس النيابي والإدارات العامّة والمصارف، إضافة إلى أنّ المؤسسات فرضت على الموظفين من بين المتظاهرين العودة إلى أعمالهم.

من جهة موازية، شكلّت الساحات في المناطق اللبنانية الأخرى، على غرار طرابلس وصيدا وصور والنبطية، اهتماماً موازياً ورديفاً لساحة رياض الصلح، وباتت الانتفاضة غير متمركزة في مكان واحد. أضف إلى ذلك، فإن التحركات انتقلت إلى مستوى آخر، كالعمل على ملفات الكهرباء والاتصالات والمصارف.

اليوم، جدار العزل وحده رفيق الساحة الفارغة، يعزل نفسه عن شعبه، من دون نجاحه في إبعاد رياض الصلح الذي بقي وحده صامداً يؤرخ ما سيذكره التاريخ اللبناني.

إقرأ أيضاً

17 تشرين: خروج الشباب على الولاء للزعماء

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

سوريّة – كرديّة: 17 تشرين جعلتني “لبنانية”

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…

بوجه من انتفضوا: المناهبة”(*) الخماسيّة؟ (2)

تحلّ الذكرى السنوية الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجوديّة متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في الحلقة السادسة ينشر “أساس” مقتطفات من فصل…

في انتظار تجدّد “يوفوريا” 17 تشرين

تحلّ الذكرى السنويّة الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، ولبنان غارق في أزمات وجودية متناسلة وغير مسبوقة في تاريخه الحديث. في هذه المناسبة أعدّ “أساس” ملفّاً متنوّعاً…