على هامش التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، تدور معركة بمفعول رجعي عنوانها: “دور القاضي غسان عويدات في إدارة التحقيقات”. على الرغم من أنّ الملف أُحيل بالكامل إلى المحقّق العدلي، ولم يعد لمدّعي عام التمييز أيّ علاقه به باستثناء ما يمكن أن يُصدره إلى الأجهزة الأمنية من استنابات قضائية مرتبطة بالقضية.
إقرأ أيضاً: ماذا وجدت البعثة الروسية في المرفأ؟
وقد بات من الصعب فصل الطابع العوني عن الحملة على عويدات، التي وصلت الى حدّ إتهامه بالتسبّب بتفجير مرفأ بيروت، ربطاً بقرار الرئيس سعد الحريري في أيلول العام 2019 بحصر كافة المراسلات ذات الطابع الجزائي بمدّعي عام التمييز فقط. كما بدا لافتاً طلب أحد مستشاري رئيس الجمهورية فوزي مشلب “تجميد حسابات مدّعي عام التمييز مثله مثل الآخرين، ووضعه في الإقامة الجبرية كونه المتّهم الأول والمقصّر الأكبر”.
الضغط السياسي الداخلي والدولي يحيل القضية إلى المجلس العدلي ويبقى عويدات مدعياً عاماً أمام المجلس، مما زاد في حدّة موقف العونيون منه
يتحدّث عونيون عن “مسؤولية عويدات المباشرة في حزيران الماضي بإعطاء إشارة قضائية بتعيين حارس للعنبر رقم 12 وسدّ الفجوة فيه، وطلب ختم التحقيق من دون تقدير لخطورة محتويات العنبر وفق تقرير أمن الدولة الذي اطّلع عليه. ومسؤوليته أيضاً أنّه مشارك دائم في اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، ولم يطلعه على القضية لاتّخاذ قرار مشترك.
استلم التحقيقات شخصياً، وحيّد الوزراء المعنيين الذين تربطهم به علاقة وثيقة ولم يستجوبهم، كما حيّد عدداً من القضاة المعنيين بالملف”.
بدا ذلك تكملة لمعركة سابقة رافقت بدء التحقيقات قبل اتّخاذ مجلس الوزراء القرار بإحالة القضية إلى المجلس العدلي، قبيل استقالة الحكومة بدقائق. إذ ثمّة من ضغط، وفق مطلعين، في القصر الجمهوري، لنقل الملف بالكامل من القضاء العادي إلى عهدة القضاء العسكري في توجّس واضح من “إدارة عويدات” للتحقيقات، وسابقاً لدوره في التشكيلات القضائية التي رفضها رئيس الجمهورية. وقبل كلّ ذلك، صراعه المفتوح مع مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون.
فإذا بالضغط السياسي الداخلي والدولي يحيل القضية إلى المجلس العدلي ويبقى عويدات مدعياً عاماً أمام المجلس، مما زاد في حدّة موقف العونيون منه.
في المقابل، يقول قريبون من عويدات إنّ “الحملة السياسية التي تُشنّ على مدّعي عام التمييز تأتي في سياق سياسي بحت له خلفياته، ومن ثَمّ بعد توقيفه مدير عام الجمارك والادّعاء عليه”.
وبلغة شديدة الوضوح، يقول هؤلاء: “هل يحصل ذلك لأنّ القاضي عويدات مُستفرد؟ فعملياً هو في الميدان لوحده. ميشال عون وسعد الحريري ضدّه. والعونيون فتحوا معركة بوجهه لأسباب سياسية”.
تقول أوساط عويدات إنّ المقصّرين كثر، من اللواء صليبا ونزولاً وصولاً إلى مسؤولين أمنيين وإداريين. حتى مدير عام الجمارك كان يمكن ألا يكتفي بالمراسلات
يقول القريبون من عويدات: “جهاز أمن الدولة وضع يده على الملف في 29-11-2019، لكن في 28-5-2020 فتحوا محضراً بالقضية، أي بعد خمسة أشهر. وفور مخابرة أمن الدولة، أعطى القاضي عويدات إشارة قضائية في 3-6-2020 قضت بوضع حارس على العنبر رقم 12، وتعيين رئيس مستودع، وصيانة الأبواب، وسدّ الفجوة الكبيرة في أحد جدرانه. أتى ذلك ربطاً بما وصل إلى القاضي عويدات من معطيات تفيد بأنّ العنبر يتعرّض للسرقة، وهو ما كان سبق أن أكّده ضابط الأمن في أمن الدولة الرائد جوزف الندّاف لعويدات. والأهم أنّ أيّ تقرير لم يصل إلى مكتب مدّعي عام التمييز، يفيد ويوضح حجم كميات نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 وزنتها وخطورتها”، مؤكّدين أنّ “مدّعي عام التمييز لا يضرب بالرمل. مع ذلك تنفيذ الإشارة القضائية التي أصدرها عويدات والتي قضت بمخابرة هيئة إدارة المرفأ لتنفيذ الاجراءات اللازمة في العنبر رقم 12، تأخّر حتى 30-7، أي بعد شهرين”.
وعلى الرغم من أنّ عويدات لم يشمل مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا ضمن لائحة المدّعى عليهم ومع أنّه تركه رهن التحقيق بعد الاستماع اليه، تقول أوساط عويدات إنّ “المقصّرين كثر، من اللواء صليبا ونزولاً وصولاً إلى مسؤولين أمنيين وإداريين. حتى مدير عام الجمارك كان يمكن ألا يكتفي بالمراسلات إذا كان على بيّنة من خطورة هذه المواد، حيث إنّ المادة 205 من قانون الجمارك تعطيه صلاحية التصرّف، والتخلّص من كميات نيترات الأمونيوم بعكس ما قاله في إفادته”.
يذكر أنّ أربع مذكرات توقيف وجاهية حتى الآن أصدرهما المحقّق العدلي فادي صوان بحق كلّ من مدير عام الجمارك بدري ضاهر، ومدير الاستثمار في مرفأ بيروت حسن قريطم، ورئيس دائرة المانيفست نعمة براكس والموظف في المرفأ جوني جرجس، فيما التحقيقات مستمرة مع الموقوفين والمشتبه بهم من دون أن يعرف حتى الآن إذا ما كان وزراء الأشغال والمال والعدل المتعاقبون في عداد المستجوَبين في القضية ولو كشهود.