عن بلد لا بديل فيه لحسّان دياب

2020-07-22

عن بلد لا بديل فيه لحسّان دياب

مدة القراءة 5 د.


ليس أكثر دلالة على اختلال الأداء الديموقراطي في لبنان، من قول رئيس الحكومة حسان دياب إنّه لن يستقيل لأن لا بديل له. فهو بقوله هذا يؤكّد أمرين: الأوّل أنّ حكومته فشلت في أداء وظيفتها الأساسية في إدارة الأزمة والخروج منها، وهي باقية لأنّه لا بديل لها متوفّراً وإلا لكان يجب أن تسقط لا الآن، إنما من قبل. والثاني أنّه وبالرغم من عمق الأزمة وخطورتها، فإنّ الائتلاف الحاكم غير مستعدّ وغير قادر على استبدال الحكومة الحالية بأخرى يمكن أن تعيد خلط الأوراق وتتقدّم في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بعدما فشلت الحكومة الحاضرة في إحراز أيّ تقدّم خلال 17 جلسة تفاوض معه. لا بل إنّها، وبعد أن تمسّكت بخطتها طيلة هذه الجلسات، فهي مستعدة الآن لإعادة النظر فيها!

إقرأ أيضاً: حكومة دياب “ورقة” بيد طهران… تكتب عليها ما تشاء

إنّه فعلاً لتصريح عجيب غريب لا يفترض بأيّ شكل من الأشكال أن يصدر عن أيّ رئيس حكومة، فكيف عمّن يقدّم نفسه تغييرياً مؤتمناً على مطالب “ثورة 17 تشرين” ونقيضاً للطبقة السياسية التقليدية؟

هو تصريح يضرب الأسس الديموقراطية للنظام اللبناني، التي يفترض أن تجعل عملية تغيير الحكومة، من حيث المبدأ، عملية ديموقراطية سلسلة يوجبها فشل الحكومة القائمة في أداء المطلوب منها. وهذا في الأوقات العادية، فكيف إذاً في أوقات الاستثناء حين يفترض أن يكون المجلس النيابي مواكباً عن قرب لعمل الحكومة ومستعداً لسحب الثقة منها في حال عجزت لسبب أو لآخر عن تنفيذ سياساتها التي على أساسها منحها البرلمان ثقته.

ما يدعو للاستغراب أكثر أنّ “ثورة 17 تشرين” أغفلت عن وعي أو بدونه، هذا الانحراف الخطير في الأداء الدستوري والديموقراطي للسلطة السياسية

لقد أسهب وأطنب تحالف “حزب الله” – “التيار الوطني الحر” في الحديث عن أنّه وحال تأمين الشراكة والميثاقية، فإنّ النظام السياسي سينتظم، وإنّ العملية الديموقراطية لن يعتريها خلل بعد الآن. ولذلك، فإنّ تعطيل البرلمان وتشكيل الحكومات، كما انتخابات رئاسة الجمهورية، لا تشكّل ضرراً بذاتها ما دامت غايتها تحقيق الشراكة والميثاقية، اللتين تدعمان الاستقرار السياسي والأمني ليعمّ الازدهار. فإذا بهذه النظرية تمسخ النظام السياسي وتكبّله أكثر من ذي قبل لأنّها ترهنه للعبة موازين القوى الداخلية والخارجية، فتصبح غايته تأمين المصلحة السياسيّة للائتلاف الحاكم. خصوصاً أنّه جزء من محور إقليمي توسّعي يتوسّل توسعيته من خلال ضرب الحياة السياسية والآليات الدستورية والديموقراطية في بلدان نفوذه المباشر أو غير المباشر. وها هي الحكومة اللبنانية، وبالرغم من عجزها عن أداء وظائفها الداخلية، تبقى قائمة لأنّ بقاءها يؤمّن مصلحة الائتلاف الحاكم وفقاً لسياسته الإقليمية. ذلك كلّه على حساب المضمون الجمهوري والديموقراطي للنظام السياسي، الذي يقتضي استبدال الحكومة حال فشلها.

من ناحية أخرى، فإنّ السلطة الحالية تحاول اختصار النظام السياسي بمسألة “الصلاحيات”، وهو سبيلها للالتفاف على الدستور مستفيدة من اختلال في التوازن السياسي الداخلي، وقبل ذلك، من ضمور الوعي الدستوري والديموقراطي في الممارسة السياسية. وقد دلّت قضية التشكيلات القضائية أخيراً على الاختلال الفاضح في مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما يعطّل، أو يكاد، آليات المراقبة والمحاسبة داخل النظام السياسي.

الدعوة إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة يفترض أن تتجاوز اللعبة السياسية الداخلية، وتتحوّل إلى دينامية وطنية

ما يدعو للاستغراب أكثر أنّ “ثورة 17 تشرين” أغفلت عن وعي أو بدونه، هذا الانحراف الخطير في الأداء الدستوري والديموقراطي للسلطة السياسية، إذ قصرت اهتمامها على النواحي المطلبية ومسائل مكافحة الفساد. وهي نواحٍ مهمّة وضرورية، لكنها تبقى ناقصة ما دام الائتلاف الحاكم، العاجز عن حلّ الأزمة المالية والاقتصادية، يقبض على الآليات الديموقراطية للنظام السياسي، ما يتيح له تجاوز حدّ السلطة دون حسيب أو رقيب. وحتّى الاحتجاج في الشارع ضدّ التعرّض للحرّيات، خصوصاً حرية الرأي والتعبير، لا يحقّق غايته القصوى إن لم يوضع في إطار السعي السياسي لتصحيح الاختلال الديموقراطي في الممارسة السياسية ومواجهة العملية الممنهجة لضرب القيم والمكتسبات الجمهورية للبنان وتحويله وطناً أسيراً للتجاذبات الاقليمية والدولية.  

ولذلك، فإنّ الدعوة إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة يفترض أن تتجاوز اللعبة السياسية الداخلية، وتتحوّل إلى دينامية وطنية باعتبار أنّ الأزمة الراهنة أزمة وجودية يقتضي التعامل مع تبعاتها التفكير في موقع لبنان ودوره ووظيفته في المنطقة والعالم. إذ من دون هذا التحييد فإنّ النظام السياسي سيبقى أسير موازين القوة الداخلية والخارجية على نحوٍ يعطّل أيّ إمكانية لإحياء العملية السياسية والديموقراطية. خصوصاً إذا كان التوازن السياسي الداخلي مفقوداً بفعل تمسّك طرف لبناني بسلاحه خلافاً لبديهيات الدستور والعقد الاجتماعي اللذين يقومان على مبدأ المساواة بين المواطنين ويعملان على تحقّقه. فإذا بتسلّح طرف لبناني، والأهم بقدرته على التصرّف بهذا السلاح على هواه في الداخل والخارج، بات هو نقيض الدستور والعقد. 

في المحصّلة وعلى أعتاب مئوية “لبنان الكبير”، فإنّ لبنان الذي كان منذ لحظة تأسيسه في صيرورة حداثية منفتحاً على العالم ومتفاعلاً مع محيطه، يراد له اليوم أن يكون أسير حكومة فاشلة وحزب يعادي العالم… يراد له أن يكون بلداً لا بديل فيه لحسّان دياب.  

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…