جائزة نوبل للحروب

2021-11-26

جائزة نوبل للحروب

مدة القراءة 3 د.

قالت محطة “فانا” التلفزيونيّة المحسوبة على الدولة في إثيوبيا إنّ رئيس الوزراء أبي أحمد ارتدى بزّته العسكريّة ويقود المعارك على خطّ الجبهة الأمامي لمقاتلة قوات تيغراي بمنطقة عفر شمال شرق البلاد.

ويأتي قرار أبي أحمد هذا لأنّ هذه المواجهات تُعتبر المعركة النهائية لإنقاذ إثيوبيا من الأعداء الداخليين والخارجيين. يقول موقع “سي.إن.إن” عن أبي أحمد إنّه “زعيم جاء إلى السلطة تحت راية “ميديمير”، التي تعني “نأتي معاً” بالأمهرية، ويشرف الآن على بلد على وشك الانهيار”. وهنا القصّة كلّها، وهذا ما سيذكره التاريخ.

أبي أحمد، الذي نال جائزة نوبل للسلام لجهوده في حلّ النزاع الحدودي مع إريتريا، يحاول اليوم إنقاذ نظامه من الانهيار، وحماية عاصمته، بعدما شغل إفريقيا والمنطقة بأزمة سدّ النهضة مع مصر والسودان، ورفض كلّ جهود الوساطات.

قصة أبي أحمد هذه تقول لنا إنّ جائزة نوبل للسلام هذه قد لا تعني شيئاً، وإنّ فهم المجتمع الدولي لمنطقتنا لا يختلف عن فهم ناشط يساري للغرب، أو ناشطي الشعارات، مثل جلّ مَن كانوا في منطقتنا إبّان ما عُرِف زوراً بالربيع العربي.

فاز باراك أوباما بجائزة نوبل بعدما قال فقط “السلام عليكم” في القاهرة، وخرج من البيت الأبيض مخلّفاً فوضى في منطقة الشرق الأوسط، وسعى إلى أن تتقاسم إيران النفوذ على دول منطقتنا، هكذا بكل بساطة، متجاهلاً التاريخ والجغرافيا والواقع.

خرج أوباما من الحكم من دون تحقيق أيّ عمليّة سلام تُذكَر. نال الجائزة فقط ببريق الكلام والوعود. كان أوباما أحد أكبر الناشطين في ما عُرِف زوراً بالربيع العربي، وتعامل بسذاجة عالية وصلت حدّ حلمه بأن يرى الشابّ، وقتذاك، وائل غنيم رئيساً لمصر.

أوباما الحائز نوبل للسلام كان، بحسب ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، يعتقد أنّ أزمة سوريا هي واحدة من الأزمات الشيطانية التي يواجهها كلّ رئيس، ولم يكن متحمّساً في الاجتماعات الخاصّة بسوريا، وغير صبور لدرجة أنّه كان ينشغل بجوّاله و”الاسترخاء ومضغ العلك”.

أبي أحمد، الذي نال جائزة نوبل للسلام لجهوده في حلّ النزاع الحدودي مع إريتريا، يحاول اليوم إنقاذ نظامه من الانهياروحماية عاصمته

هكذا كان يتصرّف الحائز نوبل للسلام إزاء أزمة إنسانيّة وكارثة جيوسياسية في المنطقة، وفعل الأمر نفسه إزاء الثورة الخضراء في إيران، بل إنّه تجاهل التنكيل بالمواطنين الإيرانيين، وكان يحاول تهنئة المرشد الأعلى الإيراني بعيد النيروز!

وفازت توكّل كرمان بجائزة نوبل، وأهمّ منجزاتها الدفاع عن “الإخوان المسلمين” المخرّبين في منطقة الشرق الأوسط، وعندما لفظتها المنطقة انتهت ضمن خبراء شركة فيسبوك، فهل هذا صدفة؟ بالطبع لا، لأنّ مسطرة التقييم هنا هي مسطرة يسارية ساذجة.

ولو استمرّ باراك أوباما بالحكم، فمَن يدري: ربّما نال حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق، جائزة نوبل للسلام، ولربّما فاز بها أيضاً حسن نصر الله، أو حتى قاسم سليماني إرهابيّ فيلق القدس؟!

إقرأ أيضاً: إثيوبيا: قنبلة مائية تحاصر العالم العربي

وعليه، فإنّ كلّ ما سبق، وعطفاً على ما يفعله أبي أحمد في إثيوبيا، يقول لنا إنّ قراءة الغرب ومؤسّساته لمنطقتنا وواقعها والخطر الداهم فيها ما هي إلا قراءة ساذجة لا تختلف كثيراً عن قراءة نشطاء اليسار.

وبالنسبة إلى السذاجة السياسية، يكفي فقط تأمّل التصريحات الأميركية الآن عن الملف النووي الإيراني، أو كيف تعتبر فرنسا أنّ حزب الله، الذي يختطف لبنان بالسلاح، هو مكوّن لبنانيّ!

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…