نقاش مع زميلين كبيرين

2022-05-30

نقاش مع زميلين كبيرين

مدة القراءة 3 د.

تناول الزميلان البارزان، عماد الدين أديب “موقع أساس”، وممدوح المهيني “الشرق الأوسط”، النصيحة التي أعطاها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، إلى أوكرانيا، بالتنازل عن بعض أراضيها لروسيا من أجل وقف الحرب وحل المشكلة.
يعطي الزميلان صاحب النصيحة الأهمية لرجل بدأ حياته أستاذاً في هارفارد، ثم مستشاراً للأمن القومي، مضيفاً إليها وزارة الخارجية. وكان كيسنجر أسطورة سياسية من أساطير القرن الماضي، لقبه البعض مترنيخ (النمساوي). ورأى فيه البعض الآخر نسخة حديثة عن ميكيافيللي.
يعتبر الأستاذ أديب أن الأخذ بنصيحة كيسنجر هو الحل، استناداً إلى عدد من التجارب والنماذج، بينها رفض العرب فكرة التفاوض في القضية الفلسطينية. ويُعرب المهيني عن إعجاب بتاريخ كيسنجر الحافل، من دون أن يتبنى اقتراحه بشأن أوكرانيا.
الرجاء، أن تسمحا لي بنقطة نقاش، لا جدل. والخلاف في المنطلق. فأنا أعتقد أن كفاءات كيسنجر، أو سواه، لا تعني أنه على حق. نعم، هو صاحب رأي وشواهد ونماذج، لكن هذه لا تجعله صاحب حق. ويجب ألا يغيب عن بالنا أن الرجل أشرف على توسيع حرب الفيتنام إلى كمبوديا، وجعلها أكبر مصنع (ومعرض) للأطراف الاصطناعية في التاريخ. ولم يذهب بأميركا إلى مفاوضات باريس إلا بعدما أخذ الأميركيون يفرون من سايغون في مشاهد لا تُنسى. ولم تكن في أي حال سوى مفاوضات استسلام.

يعتبر الأستاذ أديب أن الأخذ بنصيحة كيسنجر هو الحل، استناداً إلى عدد من التجارب والنماذج، بينها رفض العرب فكرة التفاوض في القضية الفلسطينية

“سياسة الواقعية” التي طلع بها المفكر الألماني أوغست لودفيغ روشاد، منتصف القرن التاسع عشر، لم تصل كيسنجر إلا متأخرة كثيراً. ودعوته إلى التسليم بمنطق القوة وتسليم منح الأراضي المحتلة للمحتل لقاء التخلي عن بقية الأراضي، منطق واقعي فعلاً لكنه غير إنساني. حرر الفرنسيون بلادهم من الألمان، والأميركيون بلادهم من الإنجليز، والجزائريون بلادهم من الفرنسيين، والهنود من الإنجليز، والروس من النازيين، وفنلندا من الروس، والأمثلة كثيرة جداً.

من السهل على كيسنجر توزيع الأراضي وإصدار الصكوك من دافوس. لكن ربما أفضل له وللعالم، أن يقرأ تقارير الأمم المتحدة عن أن عدد المهجرين قسراً على هذه الأرض بلغ 100 مليون إنسان هائمين في الجوع وشتى أنواع المذلات.

إقرأ أيضاً: “أنت لا تعلم حجم ما لا تعلم” (كيسنجر)

ليس كيسنجر نموذجاً يحتذى. وسيرته طويلة، لكنها غير مشرفة. هذا الرجل شركة مساهمة تعمل في تجارة القوة. ومؤلفاته مجرد محاضر دوّنها معاونوه، وأضاف هو إليها بعض الفذلكات. تستحق الحياة، ويستحق هذا العالم، مفكرين يضعون الإنسان قبل أي شيء، وقادة مثل غاندي ومانديلا وديغول وأنجيلا ميركل وميخائيل غورباتشوف. طبعاً التفاوض أفضل من الحرب، لكن الحرية أفضل من الاحتلال، والحق أعظم من القوة.

 

*نقلاً عن الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً

سياسيّو لبنان: “الأطفال الذين يلعبون بالرمل”؟

يرسم بعض المهتمّين الأجانب بأزمات لبنان صورة غير متفائلة جرّاء استمرار ربط الحلول فيه بأوضاع المنطقة ولا سيما غزة. لا يقف الأمر عند ما يشهده…

النكبة تتكرّر بتدخّل أميركيّ أيضاً

لم يتغيّر معنى النكبة منذ 76 سنة، ففلسطين كلّ يوم في نكبة. ولم تختلف أسباب النكبة، التي شرحها المفكّر القومي قسطنطين زريق، في آب 1948،…

الهجوم على رفح: فصل جديد من حرب طويلة

الأسبوع الفائت توقّفت المفاوضات في القاهرة. غادرت الوفود المشاركة. ليس للتشاور مع قياداتها. إنّما بسبب الفشل في التوصّل إلى اتّفاق على هدنة أو وقف للنار…

تركيا: أصابع المافيا في المطبخ السّياسيّ؟

ماذا حصل في الأيام الأخيرة في تركيا؟ هل حقّاً شهدت البلاد انقلاباً؟ تحمل تصريحات القيادات السياسية والحزبية التركية في الحكم والمعارضة وتسريبات إعلامية عديدة أكثر…