سكاكين … في مواجهة الاستحمار والتدجين

2022-01-16

سكاكين … في مواجهة الاستحمار والتدجين

مدة القراءة 4 د.

ثلاثة، لا أكثر، يستند إليهم هذا المقال. أوّلهم عطوفة وزير الثقافة، الذي أهدى مجموعة كتب لرجل ينام في العراء تحت جسر الفيات. ثانيهم البيان الرهيب لحزب الله وحركة أمل، الذي أعلنا عبره إخراج الحكومة من سباتها، انطلاقاً من الحرص على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي. أمّا ثالث الثلاثة فيتعلّق بحركشة الزميل العزيز زياد عيتاني بالسكّين الذي أردت له أن يرتاح قليلاً في مخدعه، لكنّه على سجيّة أجداده الأقحاح، لا يردّ متحركشاً أو مستجيراً أو باحثاً عمّا يروي الظمأ أو يُثلج القلوب.

الوزير الأنيق، الذي اكتشفناه مرّتين، مرّة في مجلس الوزراء، حيث واقعته الشهيرة التي أسّست لتعليق عمل الحكومة. ثمّ أعدنا اكتشافه في أدب الردود. حيث بدا في ردّه على الزميل بشارة شربل، وكأنّه من قماشة أولئك الذين يمتلكون نواصي النصوص الآسرة ويمتهنون تطويع اللغة وجماليّاتها ومفارقاتها وسحرها في سبيل الرصف اللمّاح للشيء ونقيضه، حاله في ذلك حال الدهاة الذين يبرعون بدس السمّ في ثنايا العسل.

جاءت إطلالته الثالثة ممهورةً باسمه المركّب: محمد وسام مرتضى. وقد أراد لهذا التوقيع أن يذيّل مجموعة من الكتب المهداة لرجل يبيعها وينام إلى جانبها في العراء. لكن ما يبعث على الدهشة والاستفزاز، أنّ هديّته تلك جرّت خلفها بياناً الفظاعة، أشار فيه إلى كُتب ستُغني مكتبته، ليس باعتباره محتاجاً طاعناً في عجاف سنيه وفي شظف عيشه وفي إهمال دولته، بل لكونه أستاذاً يأبى إلّا أن يُمارس الثقافة بأبهى تجلّياتها!

كيف لعقل وازن ومحترم أن يعامل الناس بهذا النوع من الخفّة والتهكّم الذي يلامس حدود الاستحمار؟ وكيف لمواطن لبناني حطّ رحاله فوق كلّ قصة نجاح في أربع جهات الأرض أن يعتاد هذا النوع من الإهانات الموصوفة؟

بيان الثنائي خرج من الرحم نفسه. من التدجين نفسه. وقد أتى بعد أشهر على تعطيل اجتماعات الحكومة لأسباب خارجية ما عادت تخفى على أحد. وهي الأسباب نفسها التي دفعت بشكل أو بآخر إلى العودة. لكنّ البيان المشترك كان كمن يُزكّي نفسه على عموم اللبنانيين، حيث اعتبر بالحرف أنّ العودة إلى اجتماعات الحكومة ليست إلا استجابة عاطفية وإنسانية “لحاجات المواطنين الشرفاء وتلبية لنداء القطاعات الاقتصادية والمهنية والنقابية، ومنعاً لاتّهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصاً على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي”، ولأجل هذا، يعني كرمى لعيوننا نحن المواطنين الشرفاء، “نعلن الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء المخصّصة لإقرار الموازنة العامّة للدولة ومناقشة خطّة التعافي الاقتصادي وكلّ ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للّبنانيين”!.

محمد وسام مرتضى يريد لرجل بائس يائس أن يمارس الثقافة بأبهى حُللها، وهو الباحث عن رغيف ودفء وعناية يستحقّها شيخ عجوز يسبح في شتاء عمره. والثنائي يُمنّي نفسه وعموم المواطنين بالحرص على الناس المتعبة بعدما استدرك متأخّراً أنّنا في خضمّ الانهيار الكبير، فيما ينتظر منّا، وكعادة المصفّقين لكلّ انعطافة أو سلوك، أن نبارك الاستفاقات المتأخّرة، ودائماً وفق التعويذة السياسية التي دمّرت حياتنا الوطنية، على اعتبار أنّ وصولك ولو المتأخّر، خيرٌ بما لا يُقاس من عدمه.

كيف لعقل وازن ومحترم أن يعامل الناس بهذا النوع من الخفّة والتهكّم الذي يلامس حدود الاستحمار؟ وكيف لمواطن لبناني حطّ رحاله فوق كلّ قصة نجاح في أربع جهات الأرض أن يعتاد هذا النوع من الإهانات الموصوفة؟

إقرأ أيضاً: يا قاسم دع العشب “السنّي” ينبت كما يشاء

إن لم يكن لنا طاقة ولا قدرة على كسر هذا الواقع وهذا الاستفزاز وهذا الانفصام، فلنبادر أقلّه إلى تعريته، وإلى شحذ أقلامنا وأصواتنا ومواقفنا كما تُشحَذ السكاكين، ليس استجابة لحركشات العزيز زياد وحسب، بل احتراماً لعقولنا التي يُراد لها أن تستحيل أقداماً تحترف الرفس والقمع، وقبضات تمتهن التلبية والتهليل، وأصواتاً تعيد إنتاج المهانة وتعميم الهوان في صناديق الاقتراع.

ها أنا أسترجع سكّينتي. ماذا عنكم؟

إقرأ أيضاً

!God Bless America

لم يتركوا تهمة أو صورة سيئة إلّا وألصقوها بهم. بعضهم ركّز على مشاركة المثليين والمتحولين في الحراك. وراح يذكرهم بموقف “الشريعة” منهم. بعض آخر صوّرهم…

باريس – الرياض – واشنطن: استعادة ترشيح أزعور

 جهاد أزعور. غاب الرجل واسمه عن اليوميّات اللبنانية طوال الأشهر الفائتة. لكنّه في المقابل بقي حاضراً على مستوى دوره الأساسي في صندوق النقد الدولي وما…

التهويد في ظلّ الحرب

على الرغم من أنّ إسرائيل أقرّت قانوناً باعتبار اليهودية دين الدولة، فإنّ فيها (أو لا تزال فيها) مجموعات كبيرة من غير اليهود يُفرض عليها أداء…

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…