فريدمان: ماسك يلعب دور المالكي.. وترامب دور بوش

مدة القراءة 7 د

استراتيجية “الصدمة والترويع” لفريق دونالد ترامب، من خلال الاستيلاء السريع الهائل على الحكومة الأميركية عبر جبهات متعدّدة للحدّ من البيروقراطية وقلب الأولويّات السياسية الداخلية والخارجية الراسخة، تعيد للكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان ذكرى سيّئة حين سمع بهذا المصطلح للمرّة الأولى.

 

 

كانت هذه هي الاستراتيجية التي استخدمتها إدارة جورج بوش الابن في غزوها للعراق عام 2003. يذكر فريدمان أنّه ذهب حينها بعد أسابيع من بدء الحرب إلى العراق لمعرفة كيف تسير استراتيجية “الصدمة والترويع” بصفته شخصاً دعم الحرب لنشر الديمقراطية في المنطقة وليس للعثور على أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة.

يعترف فريدمان أنّها “كانت تلك واحدة من أسوأ لحظات حياتي المهنية. كنت ساذجاً جدّاً وتصوّرت أنّ أيّ إدارة أميركية تشنّ حملة “الصدمة والترويع” للسيطرة على بلد على الجانب الآخر من العالم، تعرف ما تفعله، وتضمّ خبراء يعرفون ما يفعلونه. ولكنّني كنت مخطئاً تماماً.

“كسرت أميركا النظام القديم، حين أسقطت نظام صدّام حسين، لكنّها لم تؤسّس نظاماً جديداً، وهو ما أتاح انتشار اللصوص، والبلطجية، والفوضى، والعطش، والجوع، وانعدام الأمن في أماكن فراغ كثيرة جدّاً… لم يكن بوش وأعضاء إدارته يعرفون شيئاً عن النظام المعقّد بشكل لا يصدّق في العراق الذي صدموه وروّعوه للتوّ.

“دعم بوش المتشدّدين الشيعة، بما في ذلك نوري المالكي الذي شكّل بعدما أصبح رئيساً للوزراء “لجنة اجتثاث البعث”، التي سرّحت مئات الآلاف من العرب السنّة وأعطت الأولوية للشيعة في الوظائف… وهو ما أدّى إلى تمرّد سنّي وظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استلزم إعادة غزو العراق والذي ما زلنا نقاتله حتى يومنا هذا”.

كسرت أميركا النظام القديم، حين أسقطت نظام صدّام حسين، لكنّها لم تؤسّس نظاماً جديداً، وهو ما أتاح انتشار اللصوص، والبلطجية، والفوضى

الحكومة تتعرّض للتّطهير

بالنسبة لفريدمان “يلعب دونالد ترامب اليوم دور بوش، ويلعب إيلون ماسك دور المالكي، لكنّ هذه المرّة حكومتنا الخاصّة هي التي تتعرّض للتطهير على يد أيديولوجيّين يمينيّين يريدون إزالة أيديولوجية التنوّع والمساواة والشمولية، وحماية البيئة، وبرامج الطاقة النظيفة، والمساعدات الخارجية. هذه ليست سوى قصّتهم للتغطية. فماسك وأصدقاؤه في وادي السيليكون يريدون تنفيذ حلم استراتيجيّ الحزب الجمهوري غروفر نوركويست، الذي كان هدفه، كما كان يحبّ أن يقول، “تقليص الحكومة” إلى الحجم الذي يمكن أن يغرقها في حوض الاستحمام”.

لا يعترض فريدمان على تقليص الحكومة، لكنّه يؤيّد تحسينها بشكل أكبر من خلال عملية تأخذ في الاعتبار:

– الاتّجاهات الاقتصادية والتكنولوجية والتعليمية والصحّية الرئيسية في عالمنا.

– كيفية تعزيز قدرتنا على الازدهار.

– أين يجب أن نخفض، وأين يجب أن نستثمر لزيادة ضرائبنا إلى أقصى حدّ من أجل النجاح في هذا العالم.

“دعم بوش المتشدّدين الشيعة، بما في ذلك نوري المالكي الذي شكّل بعدما أصبح رئيساً للوزراء “لجنة اجتثاث البعث”

فرحتهم في الخفض لا البناء

في رأيه أن “لا وجود لمثل هذه العملية مع ترامب وفريقه. كلّ ما يتحدّثون عنه هو مقدار ما يخفضونه، ولا يتحدّثون أبداً عن كيفية أن تكون أفعالهم جزءاً من خطّة شاملة من شأنها أن تعزّز وتخدم المجتمع الأميركي بشكل أفضل. فرحتهم تأتي من الخفض، لا البناء، تماماً كما كانت فرحة ترامب في “المتدرّب” من الفصل لا التوظيف. بينما ماسك يريد أن يُعرف بمنشاره الكهربائي، ويستمتع وزملاؤه بإخراج الموظّفين الحكوميين من العمل وتحطيم بعض جواهر أبحاثنا، مثل المعاهد الوطنية للصحّة، إضافة إلى التخلّص من علماء المناخ والتنبّؤ بالطقس في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوّي، من بين العديد من الآخرين”.

يكتب في مقاله الأسبوعي في “نيويورك تايمز”: “إذا كان هناك من يعتقد أنّ استقرار العراق والشرق الأوسط قد تزعزع بسرعة بسبب سياسة الصدمة والترويع من دون خطّة حكيمة لمتابعة ذلك، فلنتخيّل أن تفعل هذه السياسة الشيء نفسه مع حكومة الولايات المتحدة، التي ترتبط في كلّ مكان في عالم مسطّح مترابط التأثير.

“كيف؟ ماذا لو لم يكن المسؤول الكبير في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يبالغ عندما قال إنّ سحق ترامب للوكالة وسحب المساعدات الخارجية قد يؤدّيان إلى ما يصل إلى 18 مليون حالة إضافية من الملاريا سنوياً، وإصابة 200 ألف طفل سنويّاً بالشلل بسبب شلل الأطفال، ومئات الملايين من الإصابات، وأكثر من 28 ألف حالة جديدة من الأمراض المعدية كلّ عام؟ ألن يكون من ردّ فعل عنيف هنا؟ وهل نسي العالم كوفيد-19؟

“هل أجرت إدارة ترامب أيّ اختبار للتأثير المدمّر على فورد وجنرال موتورز الذي ستخلّفه زيادة 25 في المئة على الرسوم الجمركية التي فرضها على المكسيك وكندا؟! وما هو التأثير الطويل الأجل على الروح المعنوية والتجنيد في الجيش الأميركي لرؤية الضابط الأقدم ورئيس العمليات البحرية يُطردان ليس بسبب أيّ إخفاقات معلنة، لكن على ما يبدو لأنّ الأوّل كان أسود وأعرب عن دعمه لحركة Black Lives Matter والثانية كانت امرأة؟ لقد ألمح وزير الدفاع بيت هيغسيث إلى أنّهما لم يترقّيا أصلاً بسبب الجدارة الحقيقية كمقاتلين حربيّين جادّين.

دفعت أميركا أكثر من أيّ دولة أخرى لبناء ركائز النظام العالمي الليبرالي على مدى الثمانين عاماً الماضية

“لا على أساس الجدارة؟ كان رئيس هيئة الأركان المشتركة المُقال، الجنرال تشارلز كيو براون الابن، الذي تخرّج من مدرسة الأسلحة الجوّية قد سجّل أكثر من 3,100 ساعة طيران بطائرات إف-16، بما في ذلك 130 ساعة قتالية. ويحمل درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية ودرجة الماجستير في علوم الطيران. بينما بالمقابل، هيغسيث، وهو مذيع سابق من الدرجة الثانية في قناة فوكس نيوز، يجسّد تعيين رجال بيض متوسّطي الذكاء في عهد ترامب.

الولاء لترامب قبل الدّستور

“من المؤكّد أنّ ماسك، في أعماله الحقيقية، لن يوظّف بيت هيغسيث، أو كاش باتيل، أو تولسي غابارد، أو روبرت ف. كينيدي الابن ليكونوا بائعين في صالة عرض تيسلا. ولكنّ ترامب وظّفهم على وجه التحديد لأنّهم أيديولوجيون من الدرجة الثانية يوافقون على وضع ولائهم لترامب قبل الدستور أو الحقيقة.

إقرأ أيضاً:

“ترامب محقّ في أنّه يجب إنهاء الحرب في أوكرانيا الآن. ولكنّ الطريقة التي يمكنك بها إقرار سلام أكثر ديمومة في أوكرانيا وبقيّة أنحاء أوروبا هي من خلال صدم وترويع فلاديمير بوتين، الذي بدأ تلك الحرب، ليقبل أنّه سيتعيّن عليه العيش بجوار أوكرانيا المسلّحة بالغرب والراسية في الاتّحاد الأوروبي، وليس من خلال زيادة شهيّة بوتين من خلال التشهير العلني بضحيّته وابتزازها.

“لقد دفعت أميركا أكثر من أيّ دولة أخرى لبناء ركائز النظام العالمي الليبرالي على مدى الثمانين عاماً الماضية. ولكن من خلال القيام بذلك، جعلنا الكعكة العالمية أكبر وأكثر استقراراً للجميع. ولأنّنا كنّا أكبر وأقوى اقتصاد، كانت حصّتنا تزداد أكثر فأكثر من أيّ اقتصاد آخر. وإذا تمّ صدم وترويع هذا النظام دون أيّ خطّة، بخلاف الانتقام اليميني ورؤية ترامب التي تعود إلى القرن التاسع عشر للجغرافيا السياسية والتجارة، فلنراقب ما سيحدث لحصّتنا وحصص الآخرين”.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

209 مليارات دولار… خسائر أصدقاء ترامب الخمسة

بعد سبعة أسابيع من تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شهد 5 من المليارديرات الذين حضروا الحفل تراجعاً ملحوظاً لثرواتهم، إذ خسروا ما مجموعه 209 مليارات…

أخطر نص أميركي: بقاء لبنان رهن نهج عين دارة 1711

لا يشارك الخبير في السياسة الخارجية الأميركية ديفيد وورمسر الذي كان المساعد الخاص مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد…

“ملكة الجليد” تواجه ترامب… بابتسامة

الأسلوب الهادئ نفسه الذي اتّسمت به رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم خلال حملتها الانتخابية، واعتُبر حينها ضعفاً سياسيّاً، وجعل خصمها يطلق عليها لقب “ملكة الجليد”، هو…

فريدمان: ترامب عرّاب المافيا؟

هل يقود أميركا شخص خدعه فلاديمير بوتين، شخص مستعدّ لابتلاع وجهة نظر الرئيس الروسي المشوّهة عمّن بدأ الحرب في أوكرانيا وكيف يجب أن تنتهي؟ أم…