التّقاطع بين إسرائيل وإيران في سوريا الجديدة

مدة القراءة 6 د

تتزاحم عوامل التفجير في سوريا، منذ أسابيع، بموازاة الازدحام بين الدول الساعية إلى العبث بتركيبتها الجديدة.

ليست إسرائيل وحدها التي تعمل منذ 27 تشرين الثاني الماضي على توسيع احتلالها لمناطق جنوب البلاد لإقامة حزام أمنيّ، بدعم من الإدارة الترامبيّة. ومع أنّ الحجّة هي مواجهة احتمال قيام نظام عدائيّ لها بدعم من أنقرة، فإنّها تخالف القرار الترامبيّ بالاطمئنان إلى النفوذ التركي.

بدورها هيّأت إيران منذ أشهر لإطلاق “مقاومة” ضدّ النظام الجديد في الساحل وعلى الحدود مع لبنان، انتقاماً لهزيمتها بسقوط النظام الأسديّ.

 

المقاومة الإسلاميّة في سوريا

سبق الهجوم الذي نفّذته مجموعات من فلول النظام السوري المخلوع في بلدة جبلة واللاذقية وريف حمص، في الأيّام الماضية، عاملان جديدان:

1- بيان بثّته وكالة “مهر” الإيرانية الثلاثاء 4 آذار، ثمّ تناقلته وسائل إعلام إيرانية أخرى ومواقع عراقية موالية لطهران، أعلِن فيه تأسيس “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، وأُطلق عليها اسم “أُولي البأس”. وأكّد البيان أنّ “هذه المبادرة تأتي استجابة للتطوّرات المتسارعة التي تشهدها سوريا حالياً”، وتهدف إلى “جمع الصفوف في وجه المخاطر المحدقة بالبلاد”.

نسب البيان إلى “القائد العامّ للتنظيم” قوله: “نشأنا استجابة مشروعة لمخطّطات تفتيت سوريا وتهجير أبنائها التي تتعرّض لها منذ سنوات”.

البارز هو وصفُ البيان ما تمرّ به سوريا بأنّه “عملية ممنهجة وخطّة ترانسفير صهيوني- تركي- أميركي بدعم عربي لتقسيم سوريا بعد انتهاء حقبة النظام السوري الممانع والمقاوم الذي كان السند والعون لكلّ حركات المقاومة والتحرير في العالم”.

كان المرشد الإيراني أيضاً وصف إسقاط النظام الحليف بأنّه مؤامرة من إسرائيل وأميركا “بتعاون” من إحدى دول الجوار، قاصداً تركيا.

اشتباكات الساحل والهجمات على قوات الأمن العامّ الرسمية تمّت وفق عمل منظّمٍ بدقّة

فلول الفرقة الرّابعة لـ”تحرير سوريا”

2- البيان رقم 1 الصادر الخميس 6 آذار عن الضابط السابق في جيش النظام الأسدي العميد الركن غيّاث سليمان دلّا، الذي أعلن فيه “إنشاء وانطلاق المجلس العسكري لتحرير سوريا”. ويُعتبر العميد الرجل الثاني في الفرقة الرابعة التي كان يقودها شقيق الرئيس المخلوع ماهر الأسد. صدر البيان بالتزامن مع تصاعد الاشتباكات بين فلول النظام وقوات الأمن العامّ في الساحل التابعة للنظام الجديد في دمشق. وكان أحد الضبّاط السابقين في الحرس الجمهوري مقداد فتيحة أعلن انطلاق ما سمّاه “إنهاء وجود جبهة النصرة” في الساحل السوري.

سوريا

حدّد البيان رقم 1 مهمّات المجلس العسكري، ومنها:

– تحرير كامل التراب السوري من القوى المحتلّة والإرهابية.

– إسقاط النظام القائم وتفكيك أجهزته القمعية الطائفية.

– حماية أرواح وممتلكات المواطنين.

– إعادة بناء مؤسّسات الدولة على أسس وطنية وديمقراطية.

– تهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم (المقصودون هم الموالون للنظام المخلوع الذين نزحوا بعد دخول قوات هيئة تحرير الشام دمشق في 8 كانون الأوّل).

الاشتباكات المنظّمة مقابل تطمين تركيّ للعلويّين؟

اشتباكات الساحل والهجمات على قوات الأمن العامّ الرسمية تمّت وفق عمل منظّمٍ بدقّة. فالمجموعات التي تحرّكت في بلدة جبلة حيث اعتُقِل اللواء إبراهيم حويجة (المتّهم باغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار 1977)، بعضها كان تحت إمرة ضبّاط موالين للنظام البائد، ارتكبوا مجازر ضدّ المعارضة، أمثال اللواء سهيل الحسن (مقرّب من القوّات الروسية) ومحمد محرز جابر الفارّ إلى العراق.

يدعو المتابعون بدقّة لأوضاع سوريا الأمنيّة إلى مراقبة تقاطع المصالح، ولو من موقع العداء، بين تل أبيب وطهران

مع أنّ النظام الجديد استند إلى مبدأ “التسويات” التي نظّمها للموالين للنظام السابق عبر تسليمهم بطاقات التجوّل مقابل تسليم أسلحتهم، فإنّ الحوادث الأمنيّة في مناطق الساحل لم تتوقّف. دخلت عوامل خارجية لتطمين الأقلّية العلويّة، وتردّد أنّ وفداً من مشايخ العلويّين زاروا أقرانهم في تركيا. وهؤلاء نافذون في أنقرة واستطاعوا ضمان الحماية لعلويّي الساحل من خلال الاتّصالات التركية مع سلطة الرئيس أحمد الشرع. إلّا أنّ رموز الفلول لم يستكينوا، وهم أصحاب خبرة بتنظيم الانقسامات. وعملت طهران على تمكينهم من تنظيم أنفسهم، مقابل ضيق إمكانات الحكم الجديد.

“صدمة” جنبلاط بوجه مشروع نتنياهو

يدعو المتابعون بدقّة لأوضاع سوريا الأمنيّة إلى مراقبة تقاطع المصالح، ولو من موقع العداء، بين تل أبيب وطهران. الأولى تعمل لتفتيت بلاد الشام والاستثمار في اجتذاب الأقلّيات واللعب على وتر تحالفها، والثانية تسعى إلى هزّ استقرار الحكم الجديد الذي أخرجها من المعادلة بإقفاله طريقها إلى لبنان، وهي خبيرة بتوظيف الشعور الأقلّويّ.

ترتسم الصورة المعقّدة في انتظار تبلور سياق الأحداث كالآتي:

– استطاع الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إحداث صدمة سياسية إيجابية بهدف قطع الطريق على تسبّب إسرائيل بفتنة بين دروز سوريا وبينهم وبين محيطهم السنّي. فكلمته المسموعة بينهم كرّست وجوب انضواء الدروز تحت لواء الدولة السورية الجديدة، بدل سعي بنيامين نتنياهو إلى استخدام مناطقهم شريطاً عازلاً. لكنّ إسرائيل تواصل استمالة بعضهم عبر الأموال التي خصّصتها (مليار دولار) لإنماء بعض مناطقهم، وهو ما يعني أنّ المخاطر مستمرّة.

تتزاحم عوامل التفجير في سوريا، منذ أسابيع، بموازاة الازدحام بين الدول الساعية إلى العبث بتركيبتها الجديدة

حجّة إيران إعادة النّازحين

– إنّ الإشراف الإيراني على استنهاض فلول النظام السابق سيتواصل في قابل الأيام على الرغم من قدرة قوّات النظام الجديد على حسم تمرّد بعض المجموعات. وثمّة معطيات بأنّ لإسرائيل اتّصالاتها مع مجموعات كردية منضوية في قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وأنّها تشجّعها على التواصل مع رموز في الساحل بهدف تقويض سلطة سوريا الجديدة.

إقرأ أيضاً: القمّة العربيّة: تّشدّد مع ترامب دون مواجهته

يضاف إلى ذلك أنّ ثمّة احتياطاً تهيّىء طهران للاستثمار فيه، وهو عشرات آلاف السوريين الذين نزحوا لأسباب طائفية إلى منطقة بعلبك – الهرمل اللبنانية، بعد سقوط النظام، وبينهم لبنانيون شيعة من قرى سورية يسكنونها منذ عقود ونزحوا عنها بعد اشتباكات مع قوات الأمن السورية قبل 4 أسابيع. ولهذا حديث آخر يتعلّق بلبنان وسلاح المقاومة شمال الليطاني.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

تفادياً لذهاب لبنان ضحيّة أحداث المنطقة!

تكفي زيارة قصيرة للبنان هذه الأيّام، للتأكّد من صعوبة إحداث تغيير جذري في الوضع في المدى القصير. بل تكفي الزيارة للتساؤل: هل يوجد في السلطة…

الإصلاح والسّلاح ومصير لبنان

الاستقبال الاستثنائي الذي أُحيط به الرئيس جوزف عون في السعودية، والذي سيحاط به في فرنسا قريباً، ولاحقاً في العواصم الأخرى المؤثّرة على لُبنان، ليس أمراً…

“أكرم إسطنبول” “الخروج من الجنّة”!

إذا لم يذهب الطرفان المتصارعان في تركيا نحو التهدئة وتجنّب المزيد من التصعيد والتوتير، فارتدادات ما يجري لن تبقى محصورة في النقاشات السياسية والقضائية والإعلامية،…

نصر الخرطوم وسيناريوهات التّقسيم في السّودان

تكشف أنباء الميادين في السودان خلال الأشهر الأخيرة عن انقلاب في موازين القوى العسكرية لمصلحة الجيش السوداني بقيادة عبدالفتّاح البرهان. لكنّ الأيام والساعات الأخيرة أفرجت…