سلام لأورتِغاس: عدم انسحاب إسرائيل يعيق ورشة الحكومة

مدة القراءة 7 د

كرّس إعلان حكومة الإصلاح والإنقاذ انتقال لبنان إلى “المرحلة الجديدة” بكلّ أبعادها المحلّية والخارجية. الاستحسان الشعبي العارم الذي لقيته تركيبتها، يضاعف الانتظارات منها، وسط كمّ هائل من الملفّات على كاهلها مع التعقيدات التي تواجه الإقليم فصبر رئيسها أنتج حكومة خلال مدّة قياسية هي 25 يوماً، وأوّل ما يفترض ترقّبه هو اختبار صدقيّة الوعد الأميركي بانسحاب إسرائيل من الجنوب.

 

 

 في لقائه مع نائبة الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغن أورتِغاس، شدّد رئيس الحكومة نوّاف سلام على أولويّة دور واشنطن في ضمان الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب.

علم “أساس” أنّ سلام أبلغ أورتِغاس أنّ كلّ يوم تأخير للانسحاب الإسرائيلي من القرى الحدودية الجنوبية يؤخّر لأكثر من شهر عمل الحكومة والبدء بإجراءات التعافي. تأخير الانسحاب يومين يعرقل جهود تصحيح الوضع شهرين، والتأخير ثلاثة أيّام يقابله تأخّر البدء بورشة نهوض البلد ثلاثة أشهر، وهكذا دواليك.

كان من الطبيعي أن يؤكّد سلام للموفدة الأميركية التزامه الإصلاحات التي ستتولّاها حكومته، والتي يشترطها المجتمع الدولي لتقديم المساعدة الماليّة. وكان سبقه إلى طرح أولويّة الانسحاب الإسرائيلي في المحادثات معها الرؤساء جوزف عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي.

كرّس إعلان حكومة الإصلاح والإنقاذ انتقال لبنان إلى “المرحلة الجديدة” بكلّ أبعادها المحلّية والخارجية

لكنّ أورتِغاس ردّت على كلّ من عون وسلام بالحثّ على قيام الحكومة الجديدة كي تنفّذ التزامات لبنان حيال اتّفاق وقف النار.. وكان جرى تمديد الاتّفاق، الذي تمّ توقيعه في 27 تشرين الثاني الماضي (مدّة وقف النار 60 يوماً)، حتى 18 شباط الجاري بطلب إسرائيلي وتغطية أميركية. الذريعة الإسرائيلية أنّ هذه الالتزامات لم تنفّذ قبل 27 كانون الأوّل، فتأجّل انسحاب الجيش الإسرائيلي. أبرز التزامات لبنان في الاتّفاق تفكيك بنية “الحزب” العسكرية بدءاً من جنوب نهر الليطاني من قبل الجيش اللبناني بمساعدة قوّات الأمم المتحدة، أي اتّخاذ الإجراءات التي نصّ عليها القرار الدولي الرقم 1701 لعام 2006، الذي كان “الحزب” وإسرائيل ينتهكان بنوده.

 ردّ سلام على طلب الموفدة الأميركية، كما سبق للرئيس عون أن فعل، بأنّ ولادة الحكومة قريبة. وصدرت مراسيمها بعد 5 ساعات من لقائها به، إذ كانت جهود تذليل الخلاف مع الثنائي الشيعي على تسمية الوزير الشيعي الخامس قطعت شوطاً بعد خلاف سلام مع برّي على ذلك. اقترح سلام الخبير الاقتصادي فادي مكّي، الذي كان أحد تلامذته في الجامعة، فوافق برّي عليه. شارك في هذه الجهود اتّصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع برّي داعياً إيّاه إلى تسهيل ولادتها. وفي لقائها مع برّي كرّرت أورتِغاس طلب تشكيل الحكومة بسرعة.

 

زوبعة موفدة ترامب

جاء نقاش سلام مع أورتغاس على انسحاب إسرائيل غداة الزوبعة التي أثارتها بشكرها إسرائيل، من على منبر القصر الرئاسي، “على هزيمة الحزب”. عدّلت لهجتها ومفرداتها في اليوم التالي، ونزعت خاتمها المرصّع بنجمة داوود. وفي لقاءاتها مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ثمّ رئيس البرلمان نبيه برّي، ومع سلام، بدت أنّها “شذّبت” تعابيرها وكانت مستمعة أكثر، وتجنّبت الإدلاء بأيّ تصريح. إلا أنّ هذا لم يمنع الاستنتاج أنّ لهجتها غير المسبوقة حثّت على تسريع ولادة الحكومة، فتركيبتها انطوت على تقليص نفوذ “الحزب” داخلها. وهذا بيت القصيد من تشدّد أورتِغاس.

بعدما صدر عن القصر الرئاسي توضيح بأنّه غير معنيّ بكلامها عن امتنانها لإسرائيل، وعن أنّ “الحزب” يجب ألا يتمثّل في الحكومة، تلقّت انتقادات ونصائح عدّة.

الأوساط الدبلوماسية والسياسية اللبنانية، سواء التي تتمتّع بعلاقة جيّدة مع الجانب الأميركي، أو الحيادية، التي واكبت زيارتها، نبّهت فريق السفارة في بيروت إلى الضرر الذي ألحقته مواقفها. فما اعتبرته هي هزيمة لـ”الحزب” كان قصوراً في مقاربتها لنتائج الحرب على اللبنانيين، مهما كانت الخلفيّة السياسية لموقفها.

الأوساط الدبلوماسية والسياسية اللبنانية، التي واكبت زيارتها، نبّهت فريق السفارة في بيروت إلى الضرر الذي ألحقته مواقفها

استفزاز مكوّن طائفيّ

قيل لأورتِغاس إنّ ما نفّذته الآلة العسكرية الإسرائيلية في الجنوب وضاحية بيروت والبقاع وغيرها لم تضعف “الحزب” وحده. فمعظم ضحايا هذه الآلة هم من المدنيين قياساً إلى عدد المقاتلين. والعدد الهائل للأبنية والبنى التحتية التي دمّرتها إسرائيل لا يخصّ “الحزب” بل المواطنين العاديّين. تجاهلت تصريحاتها الكارثة المأساوية التي سبّبتها إسرائيل للّبنانيين العاديّين. وهي بذلك تعادي مكوّناً طائفياً بكامله. ويذهب مراقبون إلى حدّ اعتبار أنّ ما نطقت به الموفدة الأميركية كان خدمة لـ”الحزب” الذي سيستثمره في المزيد من الحشد الشعبي الكبير الذي يستعدّ له من أجل تشييع أمينه العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله في 23 شباط.

رأت الجهات التي واكبت زيارتها أنّها أقحمت بلادها في فخّ التفريق بين المكوّنات اللبنانية بحديثها عن عدم تمثيل “الحزب” في الحكومة. هذا مع علم الدبلوماسية الأميركية بأنّ عون وسلام وضعا معيار توزير الاختصاصيين غير الحزبيين. وهكذا استفزّت لهجتها شرائح شيعية غير موالية لـ”الحزب”، وأخرى من غير الطائفة الشيعية، لتدخّلها في التمثيل الحكومي. وهو ما دفع بعض خصوم “الحزب” مثل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة إلى اعتبار ما قالته غير مقبول.

تشدّد ترامب ودعم الخماسيّة

فسّر متّصلون بالجانب الأميركي مهمّة أورتِغاس بجملة نقاط:

  • زياراتها لدول المنطقة بدأتها بلبنان نظراً إلى الأهمّية التي تعلّقها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهي مقرّبة منه، على التغيير في البلد وتحييده عن توتّرات المنطقة. ومن أسباب إيلاء ترامب أهمّية لتعافي لبنان حضور جزء من الجالية اللبنانية الأميركية في فريقه، وفي حملته الانتخابية.
  • جاءت بقرار مسبق بدعم قيام حكومة مستقلّين عن الأحزاب برئاسة سلام. وهو أمر توافقت عليه دول اللجنة الخماسية المعنيّة بمتابعة الحلول لأزمة البلد، وخصوصاً فرنسا والسعودية. ولذلك كانت السفارة الأميركية في بيروت السبّاقة في الترحيب الدولي بالحكومة فور صدور مراسيمها الجمعة الماضي.
  • تعليمات ترامب تقضي بإظهار التشدّد حيال إيران وأذرعها في المنطقة، ولا سيما “الحزب” في لبنان. واللهجة التي تعتمدها إدارة ترامب مختلفة بالكامل عن نمط إدارة الرئيس السابق جو بايدن وموفده إلى لبنان آموس هوكستين. فبعض المسؤولين اللبنانيين اعتادوا دبلوماسية الأخير المحنّكة ووساطاته. أمّا أورتِغاس فقد سبقتها تسريبات، على مدى أسبوعين، من واشنطن بالموقف نفسه الذي أعلنته ضدّ “الحزب”، قبل انتقالها إلى لبنان.

إقرأ أيضاً: مورغان تدشّن العصر الأميركيّ في بيروت

  • جزء من الفريق الذي عيّنه بايدن في البيت الأبيض يعمل بشكل مستقلّ عن جهاز الوزارات في معظم المجالات الداخلية والخارجية. تعيين أعضاء “القوّة الدبلوماسية الضاربة” الترامبيّة بصفة مستشارين ومبعوثين لا يحتاج إلى أخذ موافقة الكونغرس كما هي الحال بالنسبة للمناصب الرئيسة في الوزارات. وهذا يعطيه حرّية طرح الأفكار الجهنّمية، كما فعل مع الدول كافّة، وآخرها تهجير سكّان غزّة لشرائها.
  • يدرس فريق ترامب مشروعاً لأمر تنفيذي رئاسي يفرض عقوبات على من “يعرقل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”، وفق رؤيته. وهذا التوجّه، الذي ما زال أصحابه في طور بلورته (قد لا يرى النور)، لا يقتصر على لبنان بل يشمل دولاً في الإقليم.

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

تركيا تحكُم الطّوق حول عنق إيران؟

انتهت الحرب الطويلة في سوريا بخاسر كبير هو إيران، وبرابحين اثنين هما تركيا أوّلاً وإسرائيل ثانياً. وإذا كان الصراع على النفوذ الإقليمي بلغ ذروته بين…

إنقاذ “الحركة”… أهمّ من إنقاذ غزّة!

منذ اليوم الأوّل لاندلاعها، في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، لا تزال حرب غزّة التي افتعلتها حركة “حماس”، وصبّت في مصلحة إسرائيل، تبحث عن…

تفادياً لذهاب لبنان ضحيّة أحداث المنطقة!

تكفي زيارة قصيرة للبنان هذه الأيّام، للتأكّد من صعوبة إحداث تغيير جذري في الوضع في المدى القصير. بل تكفي الزيارة للتساؤل: هل يوجد في السلطة…

الإصلاح والسّلاح ومصير لبنان

الاستقبال الاستثنائي الذي أُحيط به الرئيس جوزف عون في السعودية، والذي سيحاط به في فرنسا قريباً، ولاحقاً في العواصم الأخرى المؤثّرة على لُبنان، ليس أمراً…