لبنان بين “هراوة” ترامب و”أرانب” نتنياهو

مدة القراءة 9 د

تنتظر المنطقة بكثير من الحذر اللقاء المرتقب بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرابع من شهر شباط المقبل. إذ لم يسبق أن بنيت رهانات على لقاءات مماثلة كتلك التي يعقدها الطرفان على هذا اللقاء، الذي يجري على وقع تحوّلات كبيرة وميزان قوى جديد، يفرض نفسه على مستقبل الشرق الأوسط في العقود المقبلة.

 

على الرغم من التباينات القائمة بين الطرفين، يجب ألّا نتوهّم أن يذهب ترامب إلى خيارات في كلّ الملفّات المرتقب بحثها في هذا اللقاء، بدءاً من الملفّ النووي الإيراني، مروراً بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية، ووصولاً إلى غزة ولبنان وسوريا، تتناقض مع مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يتبنّاه اليمين الإسرائيلي بشقّيه الليكودي والصهيوني الديني.

ترامب المقتنع بضرورة توسيع جغرافية إسرائيل يصرّ بعد الرفض العربي والفلسطيني على دعوته إلى نقل أهالي غزة إلى كلّ من مصر والأردن. أمّا بالنسبة إلى لبنان الذي سيكون ملفّه على طاولة اللقاء، فالأسئلة المطروحة كثيرة، ومنها: هل يتمسّك ترامب بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وهو الذي وافق على الاتّفاق بين إسرائيل ولبنان قبل دخوله البيت الأبيض، ووافق على تمديده لغاية 18 شباط؟ أم يقنعه نتنياهو باحتفاظ إسرائيل ببعض النقاط الاستراتيجية في الجنوب اللبناني؟

تنتظر المنطقة بكثير من الحذر اللقاء المرتقب بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرابع من شهر شباط المقبل

نتائج لقاء الرابع من شباط بين ترامب ونتنياهو ينتظرها لبنان بفارغ الصبر لمعرفة الخيط الأبيض من الأسود. فهل يستعمل ترامب “الهراوة” التي أجبرت نتنياهو على السير بصفقة التبادل في غزة، فينصاع هذا الأخير وينسحب من لبنان في 18 شباط، أم يقتنع ترامب بأرانب نتنياهو المتعدّدة، بدءاً من الحاجة إلى تفكيك البنى العسكرية لـ”الحزب” ومنع إعادة ترميم وضعه، وصولاً إلى معارضة مستوطني الشمال العودة إلى منازلهم دون إقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني؟

يقرأ الإسرائيليون في أكثر من كتاب مسألة الانسحاب من الجنوب اللبناني، ويحلّلون موقف “الحزب” وأوضاعه في مقاربات متعدّدة، لكنّ الواضح بعدما تراجع النفوذ الإيراني وضعف “الحزب”، أنّ لبنان معلّق إلى حدّ كبير هذه المرّة بين “هراوة” ترامب و”أرانب” نتنياهو.

فرصة ذهبيّة لـ”الحزب”

رأى عدد من المراقبين أنّ عدم استكمال إسرائيل انسحابها من بلدات وقرى في الجنوب اللبناني تنفيذاً لاتّفاق وقف الأعمال العدائية مع لبنان، هو بمنزلة “فرصة ذهبية” تقدّمها حكومة نتنياهو إلى “الحزب” كي يتمسّك بسلاحه ويتنصّل من الاتّفاق الذي وافق عليه وأقرّه وزراؤه في حكومة تصريف الأعمال. ورأى فيه آخرون محاولة لوضع العصيّ في دواليب عهد الرئيس جوزف عون الذي انتُخب رئيساً للجمهورية في إطار زخم دولي وعربي وداخلي غير مسبوق، وتصديراً للمشكلة التي تواجهها حكومة نتنياهو في إقناع سكّان الشمال بالعودة إلى منازلهم بعد توقيع الاتّفاق مع لبنان، إذ يرفض هؤلاء العودة ويعلنون عدم ثقتهم بالأجهزة الأمنيّة وبالتدابير المتّخذة لعودتهم.

يتّفق معظم الإسرائيليين على أنّ “الحزب” قد ضعف كثيراً، لكنّه يسعى حاليّاً إلى شراء الوقت تمهيداً لإعادة ترميم مكانته

أمّا في إسرائيل فالانقسام واضح في قراءة خطوة الحكومة وقرارها في عدم الانسحاب، إذ يرى البعض أنّ هذه الأخيرة قد وقعت في خطأ كبير في عدم فرضها في الاتّفاق الموقّع مع الحكومة اللبنانية لمنطقة عازلة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. ويحمّل البعض الآخر المسؤولية للدولة اللبنانية والجيش الذي لم يقُم وفق رأيهم “بتفكيك بنية “الحزب” العسكرية في الجنوب”. وبالتأكيد يرى هذا الفريق أنّ “الحزب” يقوم حالياً “بسياسة الاحتواء” وكسب الوقت لإعادة ترميم مكانته، ولهذا يجب على الجيش الإسرائيلي أن يقوم بنفسه بتفكيك بنية “الحزب”، حتى لو أدّى ذلك إلى تصعيد كبير.

في قراءة لعدم استكمال إسرائيل لانسحابها من الجنوب وموقف “الحزب” من هذا التطوّر، كتب تسفي برئيل في مقالته في صحيفة هآرتس بعنوان: “إسرائيل ليست مستعدّة للانسحاب من لبنان”: “لقد سبق أن انسحبت إسرائيل من عدّة بلدات احتلّتها، لكنّ التأجيل الأخير يثير شكوكاً كثيرة في أنّ إسرائيل تنوي الاحتفاظ بعدّة مواقع لوقت طويل، وهذه المواقع يمكن أن تتحوّل إلى نقاط احتكاك وذريعة لردّ عنيف من طرف “الحزب”، سيواجَه بردّ إسرائيلي، ومن هناك الطريق قصيرة نحو انهيار وقف إطلاق النار”. لكنّ “الموقف المراقب” “الذي يقفه “الحزب” الآن يضع الحكومة اللبنانية في موضع اختبار، ليس فقط تجاه سكّان جنوب لبنان، بل أيضاً كدولة تجري “السخرية” منها عبر خرْق اتّفاق وقّعته من دون أن تردّ على ذلك بما يتناسب. وهذا الموقف يزيد من أهمّية “الحزب” لأنّه التنظيم الوحيد الذي يعرف كيف يواجه إسرائيل ويستطيع تهديدها”. وكتب برئيل أيضاً أنّ “هذا الموقف يجعل كلّ مطالبة بنزع سلاح “الحزب” هو تهديد لأمن لبنان، ولا سيما أنّ حكومته لا تزال غير قادرة، بحسب “الحزب”، أو مؤهّلة للنجاح في اختبار الدفاع عن حقوقها وسيادتها”.

عن وضع “الحزب” وموقفه من الاتّفاق، كتب كوبي مروم في مقالة نشرت على موقع قناة N12 العبرية بعنوان “الآن امتحان إسرائيل الأكبر بعد 7 أكتوبر”: “صحيح أنّ “الحزب” تلقّى ضربة مؤلمة، وأنّه ضعيف ويحاول إعادة بناء ذاته من دون قيادة ذات رؤية استراتيجية، وخسر حلقة سورية الضروريّة لإعادة الترميم…. و(أنا) أشكّ أن تكون لدى “الحزب” أيّ مصلحة في خرق الاتّفاق والعودة إلى القتال، وفي (تقديري)، لا يريد هذا بتاتاً، إنّما أعتقد أنّه يريد التزام الاتّفاق من أجل دفع الجيش إلى الانسحاب كلّياً، وبعدها ستبدأ إعادة البناء”.

لحزب” لا يرغب في المواجهة مع إسرائيل في هذه المرحلة ويمارس حتى الآن ما يسمّونه “سياسة الاحتواء”

“الحزب” يمارس سياسة الاحتواء

يتّفق معظم الإسرائيليين على أنّ “الحزب” قد ضعف كثيراً، لكنّه يسعى حاليّاً إلى شراء الوقت تمهيداً لإعادة ترميم مكانته. وفي قراءة لقرار تأجيل الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى 18 شباط، كتب أورنا مزراحي في معهد دراسات الأمن القومي مقالة بعنوان: “عودة سكّان الجنوب اللبناني إلى قراهم: خلاصات أوّلية”: هذه التطوّرات تشير إلى التالي:

  1. على الرغم من التهديدات التي وجّهها “الحزب” وأكّدها أمينه العامّ في خطابه الأخير، فإنّ “الحزب” لا يرغب في المواجهة مع إسرائيل في هذه المرحلة ويمارس حتى الآن ما يسمّونه “سياسة الاحتواء”.
  2. يسعى “الحزب” إلى ترميم مكانته، وعلى الرغم من وضعه الصعب “فهو يقدّم رغبة سكّان القرى من النازحين في العودة إلى منازلهم على أنّها “تحرّكات شعبية”، من أجل تجديد وجوده في الميدان، برعايتهم وتعزيز تأييدهم له من جديد، كمدافع حقيقي عنهم، ومن خلال كشف عدم قدرة الجيش اللبناني على الدفاع عنهم بمواجهة الجيش الإسرائيلي”.
  3. “الحاجة الماسّة إلى تعزيز قوّة الجيش اللبناني، غير القادر على القيام بالمهمّة المنوطة به في الاتّفاق… لا يمكن قبول العجز الذي يُظهره في تعامُله مع “الحزب”، والذي سيدفع بالجيش الإسرائيلي، في نهاية الأمر، إلى ممارسة حرّية العمل التي منحه إيّاها الاتّفاق إزاء الحالات التي لا يقوم فيها الجيش اللبناني بإزالة انتهاكات “الحزب”.
  4. يؤكّد مزراحي أخيراً أهمّية إنجاز انسحاب الجيش الإسرائيلي في 18 شباط للحؤول برأيه “دون وقوع احتكاكات لا لزوم لها بسكّان القرى في الجنوب اللبناني، ومن أجل المحافظة على التأييد الأميركي للموقف الإسرائيلي والسماح بعودة سكّان إسرائيل الذين نزحوا في الموعد الذي حدّدته الحكومة الإسرائيلية في (الأول من آذار).

يعتدّ الإسرائيليون بموافقة الأميركيين وتفهّمهم لطلب تأجيل الانسحاب إلى 18 شباط، لكنّ الاستحقاقات الكبرى وراء الباب كما يقال

نتنياهو وخامنئي… هدفٌ مشترك

بالتأكيد، يعتدّ الإسرائيليون بموافقة الأميركيين وتفهّمهم لطلب تأجيل الانسحاب إلى 18 شباط، لكنّ الاستحقاقات الكبرى وراء الباب كما يقال. وتفادياً لمحاولات نتنياهو (العاجز حتى الآن عن إقناع رؤساء المجالس المحلّية في الشمال بأنّ عودة سكّان مستوطنات الشمال أصبحت آمنة) تصدير هذه المشكلة إلى لبنان من خلال تأجيل الانسحاب، فإنّ تشكيل الحكومة اللبنانية صار ملحّاً أكثر من أيّ وقت مضى لمواجهة التحدّيات المقبلة وتعزيز أوضاع الجيش اللبناني كي يبسط سيطرة الدولة على الجنوب.

بانتظار ما ستؤول إليه نتائج اجتماع ترامب ونتنياهو في الرابع من شباط، سيكون من شأن كلّ تأخير في خطوة تشكيل حكومة أن يمنح نتنياهو مزيداً من المناورات بشأن تطبيق الاتّفاق الذي ينتظر المرحلة الثانية المتعلّقة بتسوية نقاط الخلاف على خطّ ترسيم الحدود، ومن شأنه أن يعزّز تراكم الأوراق بيد “الحزب” لإعادة ترميم قدراته والتمسّك بمعادلة “جنوب الليطاني” “وشماله” للانعتاق من تنفيذ الاتّفاق وفق ما يرغب فيه الراعي الإيراني، الذي ينتظر بدوره ما ستؤول إليه نتائج لقاء الرابع من شباط في ما يتعلّق بملفّه النووي.

إقرأ أيضاً: سلام ترامب: المنحاز لإسرائيل

جاء الفصل بين غزّة ولبنان متأخّراً وكلّفنا ثمناً غالياً، وتعزّز فصل لبنان عن قضايا المنطقة بعد هروب بشار الأسد وانهيار نظامه وتراجع النفوذ الإيراني، وتعزّز بعد انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية الذي أعلن في خطاب القسم نهاية المرحلة السابقة وبداية عهد جديد في بلاد الأرز. نتنياهو وحكومته يسعيان من جديد لقراءة لبنان في كتاب ومشهد واحد من غزة إلى سوريا، وخامنئي بدوره على الرغم من كلّ التطوّرات لا يرغب في قراءة هذا البلد إلّا من زاوية “محور المقاومة”، إذ لا اعتبار عنده لسيادة لبنان ولا لتطلّعات شعبه. وسيشير الرابع من شباط إلى الثامن عشر منه.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@WalidSafi16

* أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة. 

مواضيع ذات صلة

عصر “مقاومة ترامب”!

ماذا سيفعل دونالد ترامب بالعالم، وبالمنطقة، وبنا؟ سؤال “المليار دولار” الضاغط على عقول حكّام وأنظمة العالم منذ أن أُعلن فوز الرجل بمنصب الرئاسة. هذا السؤال…

ماكرون يستعجل لحجز موقع في دمشق

يسعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى تحقيق نجاحات في السياسة الخارجية تعوّضه النكسات المتلاحقة في البيت الداخلي. فاز الرجل بالرئاسة لولايتين. استفاد دائماً من حشد…

خطّة ترامب الغزّيّة: لعبة قمار أم روليت روسيّة؟

لا يعرف دونالد ترامب فلسطين. لا يدرك أنّ دعوته للفلسطينيّين إلى الرحيل الطوعي عن قطاع غزّة والضفّة الغربية ستزيدهم عناداً وتمسّكاً بأرضهم. حرب الإبادة الجماعية…

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

في النهاية، سيشكّل نوّاف سلام حكومة يبدو لبنان في حاجة إليها أكثر من أي وقت. مثل هذه الحكومة ضرورة ملحّة أقلّه في ضوء ما يحدث…