رأس نتنياهو وحكومته… تحت مقصلة ترامب

مدة القراءة 7 د

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيّز التنفيذ الأحد الفائت. لكنّ التحدّيات التي تواجه صمود هذا الاتّفاق والانتقال إلى مناقشة المرحلة الثانية، تشغل مساحة كبيرة من النقاشات بين المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وفي مقالات الضبّاط والباحثين والصحافيين الإسرائيليين.

زادت المخاوف في اليوم الأوّل لسريان الاتّفاق على وقع الوعود التي تلقّاها وزير المال المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، سواء باستمرار الحرب بعد نهاية المرحلة الأولى، أو بإطلاق العملية العسكرية على مخيّم جنين، وأيضاً على وقع التفاهمات الأميركية الإسرائيلية في ملحقات الاتّفاق السرّية. وربّما اختصر مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الصعوبات التي تواجه الاتّفاق بتصريحه أنّ التنفيذ أصعب من التوصّل إليه، وأنّه عازم على العودة إلى الشرق الأوسط للمشاركة في آليّة التفتيش.

ثمّة قناعة شبه مطلقة في إسرائيل بأنّه لولا عصا دونالد ترامب الطويلة لما مشى بنيامين نتنياهو بالاتّفاق، وأنّ المشكلة الأساسية بالنسبة لإسرائيل تكمن في أثمان المرحلة الثانية وفي اليوم التالي، الذي ماطل نتنياهو في البحث به، ويستمرّ في المناورات ذاتها حتى بعد توقيع الاتّفاق.

يبقى السؤال الأهمّ: كيف سيتعامل نتنياهو مع هذه الأثمان السياسية الكبيرة، وتصميم ترامب على إنهاء الحرب؟ ثمّة أثمان كبرى للسير قدماً في ما يريده ترامب وفريق عمله، ومنها رأس نتنياهو وحكومته. وبالتأكيد ستنتظر الفلسطينيين أثمانٌ كبيرة في الضفّة الغربية وغزة، وقد عبّر عنها المحيطون بترامب قبل تنصيبه، إذ إنّ مصلحة إسرائيل بالنسبة لهم تتقدّم على كلّ حساب. 

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيّز التنفيذ الأحد الفائت. لكنّ التحدّيات التي تواجه صمود هذا الاتّفاق والانتقال إلى مناقشة المرحلة الثانية

اتّفاق الأثمان السّياسيّة الكبيرة 

في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على الاتّفاق في الدوحة على وقف إطلاق النار في غزّة نشر تامير هايمن (رئيس المخابرات العسكرية السابق) مقالة في معهد دراسات الأمن القومي بعنوان “المخاطر الأمنيّة المنوطة بصفقة تحرير المخطوفين ووقف إطلاق النار”، أقرّ فيها بوجود “تخوّفات أمنيّة كبيرة بسبب ثمن اتّفاق وقف إطلاق النار”. وكتب أنّ “المشكلة الكبرى في هذا الاتّفاق هي أنّه مقسّم على مراحل، والأهمّ من بين هذه المراحل الاستمرارية بين المرحلتين الأولى والثانية”، وأنّ الأثمان الكبيرة التي ستدفعها إسرائيل، ومن ضمنها الأثمان السياسية، ستكون في المرحلة الثانية، حيث مقابل إفراج حماس عن “الأسرى الكبار” من الإسرائيليين، سيكون الثمن “وقف الحرب والانسحاب الكامل للجيش من القطاع”.

أضاف هايمن: “لأنّ الصفقة جزئيّة وعلى مراحل، يجب الاستعداد منذ الآن، سواء من منظور أمنيّ دائم، وأيضاً من المنظور الاستراتيجي، لليوم الذي سيتّضح فيه أنّ المخطّط انهار، ولن يتمّ تطبيقه كاملاً”.

حماس لا تزال تسيطر على القطاع

شرح هايمن في مقالته “التهديدات الأمنيّة للاتّفاق”، ولخّصها بثلاثة مخاوف أساسية:

  • الخطر المضاعف جرّاء تحرير سجناء خطِرين، يمثّل نجاحاً لحماس تستخدمه “لتعزيز مكانتها، ودفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليّات خطف في المستقبل”.
  • “عودة سكّان شمال القطاع إلى المناطق التي تمّ تطهيرها، وقربهم من بلدات غربي النقب على حدود قطاع غزة يمكن أن يجدّدا خطر اختراق الحدود إلى إسرائيل وإطلاق النار”.
  • “يحصل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ونهاية الحرب فيما لا تزال “حماس” تسيطر على القطاع عمليّاً بتجديد القدرات العسكرية للحركة في المدى البعيد، ويحفظان على المدى القريب الدافع إلى استمرار مقاومة إسرائيل”.

وختم الكاتب التحدّيات بالقول إنّ “حفاظ حماس على سلطتها الفعليّة هو أكبر مشكلة استراتيجية”، إذ يتناقض بنظره مع أهداف الحرب التي وضعتها حكومة إسرائيل.

ثمّة قناعة شبه مطلقة في إسرائيل بأنّه لولا عصا دونالد ترامب الطويلة لما مشى بنيامين نتنياهو بالاتّفاق

جزرة التّعهّدات 

يعلم الجميع أنّ ترامب لن ينسى لنتنياهو أنّه كان من بين الأوائل الذين هنّأوا بايدن بانتخابه رئيساً. ويفصح العارفون بباطن الأمور أنّ عدداً من فريق ترامب يعتبر أنّ نتنياهو هو المشكلة وليس الحلّ. لكنّ هذا لا يمنع التمييز بين موقفهم من الدعم المطلق لإسرائيل والموقف من نتنياهو. يدرك هذا الأخير الرهانات التي يعقدها ترامب على السلام في المنطقة وكراهيّته للحروب وعشقه للصفقات. لذلك انصاع لقبول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، واحتوى خروج إيتامار بن غفير من حكومته.

مقابل عصا ترامب وخشونة موفده ستيف ويتكوف، يبدو أنّ نتنياهو حصل على جزرة من التعهّدات. كتب عميت سيغل في مقالته المنشورة على موقع قناة N12 العبرية بعنوان “تعهّدات بايدن وترامب لإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار”، أنّ “الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قدّم كتابيّاً تعهدّين مهمّين يتعلّقان بصفقة المخطوفين. ووافق الرئيس ترامب على هذين التعهّدين. التعهّد الأوّل أن لا يكون الانتقال تلقائياً في الصفقة من مرحلة إلى مرحلة، والثاني أنّ تجديد إسرائيل القتال في حال رأت أنّ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية لن تؤدّي إلى النتيجة المطلوبة، لا يعتبر خرقاً للاتّفاق.

عليه أضاف الكاتب أنّ “بإمكان إسرائيل القول إنّ حماس لم توافق على أمور معيّنة، ولهذا لن يتمّ الانسحاب من محور فيلادلفي”، الذي يجب أن يبدأ تدريجياً بين الأيّام الـ42 والـ50 من الصفقة.

يعلم الجميع أنّ ترامب لن ينسى لنتنياهو أنّه كان من بين الأوائل الذين هنّأوا بايدن بانتخابه رئيساً

اسرائيل تنتظر مفاجآت كبيرة مع ترامب 

في الواقع، لا يبدو أنّ التعهّدات التي أُعطيت لنتنياهو قابلة للصرف. وفي مقالة في “يديعوت أحرونوت” بعنوان “ترامب يحلم بجائزة نوبل للسلام ويأتي مع “هراوة طويلة” في مواجهة نتنياهو” لإيتامار أيخنر: “عندما نتحدّث عن إسرائيل، من المهمّ أن نفهم أنّه يوجد معسكران كبيران حول ترامب: هناك المعسكر الموالي لإسرائيل، والمعسكر الانفصالي الذي يتّهم إسرائيل بمحاولة جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران”.

كتب آيخنر أنّه “لا يستبعد دخول إسرائيل في مواجهات مع ترامب في ضوء ما سمعه من مسؤولين أميركيين من أنّ ترامب يعرف كيف يتكلّم مع نتنياهو، فهو حين يكلّمه يحمل في يده هراوة طويلة”، وأنّ ترامب لديه أولوية أن يدخل التاريخ من باب السلام في الشرق الأوسط للحصول على جائزة نوبل للسلام، وأنّه يعتبر أنّ حلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أسهل من حلّ الحرب في أوكرانيا.

كتب آيخنر أيضاً عن اهتمام ترامب بعقد صفقة التطبيع مع السعودية، التي سيكون ثمنها تقديم أفق سياسي للفلسطينيين، وعدم قدرة حكومة نتنياهو على مواجهة هذا الخيار، فـ”تنهار من الداخل”. وفي ما يتعلّق بإعادة إعمار غزة، كتب آيخنر: “قد تكون بانتظار إسرائيل مفاجأة ليست صغيرة، لأنّ ترامب سيكون مع نقل الصلاحيّات إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي لا يمكن أن تستوعبه الحكومة الحالية. في الخلاصة، إذا كان هناك خطر على سلامة الائتلاف، فإنّ التهديد ناجم بالتحديد عن ترامب نفسه”.

إقرأ أيضاً: إيران وترامب: العلاج بالصدمة..

في النهاية، قد يصيب مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط، في قوله الأسبوع الماضي لمجلّة فورين أفيرز إنّ “الحفاظ على الاتّفاق سيكون صعباً للغاية، وإنّ من المستبعد جدّاً أن نتجاوز المرحلة الأولى نحو سلام دائم. ولا تزال هناك خلافات خطيرة حول تفاصيل الخطوات التالية للاتّفاقية”.

في إسرائيل العديد من الأشخاص الذين يرغبون في استمرار هذه الحرب إلى أجل غير مسمّى. ربّما يريدون الحرب الدائمة غطاءً للأعمال العدوانية في أماكن أخرى، كما هو الحال في الضفّة الغربية.

* أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية

 

لمتابعة الكاتب على X:

مواضيع ذات صلة

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ: مَن يستوعب مَن؟

بالإعاقات على طريق مطار رفيق الحريري، والصرخات الطائفية في كلّ مكان، بدأ أسبوع الحكومة الجديدة الثاني. وما وجد رئيس الحكومة نوّاف سلام حلّاً إلّا في…

“الحزب” ولبنان: خطايا العجز عن التّحوّل

عاب الأمين العامّ لـ”الحزب”، الشيخ نعيم قاسم، على الحكومة اللبنانية عدم سماحها للطائرة الإيرانية الآتية من طهران بالهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت. كانت…

واشنطن وطهران تتبادلان الاختبارات في لبنان

لا يزال لبنان صندوق بريد بين أميركا وإيران. أظهرت واقعة منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، وردّة فعل “الحزب”، أنّه يبقى ساحة صراع…

النّاسخ والمنسوخ في تصريحات خلف الحبتور

عندما فتح المسلمون مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص فقالوا: “أيّها الأمير، لِنيلِنا هذا سُنّة لا يجري إلّا بها”. قال: “وما ذاك؟”. قالوا: “إذا كانت…