إيران وترامب: العلاج بالصدمة..

مدة القراءة 6 د

الساعات الأولى من الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، زادت منسوب القلق والتوتّر في إيران. كلّ المؤشّرات توحي بأنّ أيّاماً صعبة في انتظار الجمهورية الإسلامية. فهل يرفع الملالي في طهران أصابعهم العشرة ويرضخون لشروط التفاوض، الذي يرتّب عليهم الانصياع للمشيئة الأميركية أو الدخول في مواجهة محسومة نتائجها مسبقاً لغير مصلحتهم؟ بين السيّئ والأسوأ، ماذا يختارون؟

 

حظوظ نجاح الدبلوماسية في تفكيك البرنامج النووي الإيراني “واحد من تريليون”، على ما يقول السناتور الجمهوري ليندسي غراهام. ما يحمله فريق ترامب من شروط جديدة يجعل من تحقيق أيّ اتّفاق أمراً صعب المنال. مطالب تبدو في الظاهر مقبولة وممكنة في الظروف الحرجة، التي تمرّ بها الجمهورية الإسلامية. لكنّها في الباطن ستجرّ إلى تنازلات سيرى فيها المتشدّدون والمحافظون مسّاً بسيادة الدولة وإلحاقاً بتبعيّة معيبة.

مطالب واشنطن

تريد الإدارة الأميركية الجديدة:

– تعهّدات إيرانية صارمة بتفكيك البرنامج النووي كاملاً وعدم السماح ببرنامج نووي مدني في منشآت تحت الأرض. لا تكفي الفتوى الدينية بعدم امتلاك قنبلة ضامناً، بل المطلوب إجراءات مستدامة تثبت التخلّي عن الحلم النووي.

– إعطاء الأولوية للشركات الأميركية في المجالات الحيوية في الطاقة والتعدين والاستيراد والتصدير، مقابل ضمانات بتخلّي واشنطن عن سعيها إلى إسقاط النظام.

– تعهّد طهران والتزامها بعدم المسّ أو مهاجمة المصالح الأميركية والقواعد العسكرية في أيّ مكان في العالم.

– الانضواء تحت العباءة السياسية الأميركية وعدم التغريد خارج السرب الأميركي والابتعاد عن التحالفات “المشبوهة” مع روسيا والصين، مقابل إطلاق عجلة الاقتصاد الإيراني وتعزيز موقع طهران في الاقتصاد العالمي.

حظوظ نجاح الدبلوماسية في تفكيك البرنامج النووي الإيراني “واحد من تريليون”، على ما يقول السناتور الجمهوري ليندسي غراهام

ترى واشنطن أنّ النظام الإيراني في “أضعف نقطة له في الذاكرة الحديثة، وربّما على الإطلاق”، ومع ذلك فإنّ الساكن الجديد في البيت الأبيض يريد اختبار الدبلوماسية وترك الباب مفتوحاً، قبل الانتقال إلى ممارسة الضغط الثقيل على طهران، وصولاً إذا اضطرّ إلى استخدام القوّة العسكرية لمنعها من امتلاك السلاح النووي إذا ما حاولت ذلك. الخبر الطازج، أنّه سيكلّف مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مسؤولية معالجة مخاوف واشنطن في شأن إيران.

بأيّ أسلوب سيخاطب ويتكوف طهران؟

ويتكوف، المستثمر العقاري، الذي لجأ إلى لغة الجزم والوعيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإلزامه بعقد صفقة تبادل الأسرى ووقف النار في غزة، هو نفسه سيتولّى الملفّ الإيراني لتحقيق طموح ترامب بـ”وقف الحروب” في العالم.

تخيّلوا أنّ هذا الرجل، الذي يوصف بأنّه صديق كبير لإسرائيل ونتنياهو، هدّد صديقه بأنّه “ستكون هناك عواقب وخيمة” إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتّفاق. فبأيّ أسلوب فظّ وبأيّ لغة فوقيّة سيخاطب محاوريه الإيرانيين المصنّفين بحسبه “أشراراً”؟ وأيّ مسوّدة اتّفاق قد تخرج من بين يديه؟

إيران

قبل تكليف ويتكوف، هدّد وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو والمرشّحة لمنصب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة إليز ستيفانيك بإعادة تفعيل آليّة “سناب باك” في مجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران التي وصفاها بأنّها “التهديد الأهمّ” للسلام العالمي. وطالبا الدول الأوروبية بالتعاون في هذا الصدد.

من شأن تفعيل هذه الآليّة الدفع بإيران، التي تعاني من حالة مزرية داخلياً وخارجياً، نحو حافة الانفجار الشامل بعد تفاقم أزماتها الداخلية وانهيار حلفائها الواحد تلو الآخر، ومواصلة الضغط على نفوذها الإقليمي لحشرها خلف حدودها. ومع ذلك لن تتعاون طواعية في تفكيك قدراتها النووية والتسليم بالإمرة الأميركية.

الساعات الأولى من الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، زادت منسوب القلق والتوتّر في إيران

فرصة ثانية للتّفاوض

أعطى ترامب التوصّل إلى اتّفاق نووي ثانٍ فرصة، وقال إنّه قد يصل بالتفاوض إلى مدى لا يتخيّله أحد وصولاً إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، وحافظ على تعهّداته بإنهاء الحروب وعدم توريط أميركا في مواجهات عسكرية جديدة. وقد تمثّل عودته إلى البيت الأبيض فرصة نادرة لطهران لتجاوز معضلة العداء لأميركا.

لكنّ رغبته بالظهور بمظهر الرئيس القويّ القادر على اتّخاذ أصعب القرارات قد تدفعه في حال سدّت نافذة التفاوض الصغيرة، إلى العودة إلى ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” على طهران وصولاً إلى الخيار العسكري.

في المقابل، ليست إيران على قلب رجل واحد. ذلك أنّ فريق الحكومة الإصلاحي، ولا سيما نائب الرئيس جواد ظريف، يرى أنّ هناك فرصة تاريخية لحلّ عقدة الخلافات المزمنة مع واشنطن والدخول معها في علاقات طبيعية، ويقبل بالانخراط في مفاوضات تشمل كلّ نقاط الخلاف بين الدولتين، على عكس الفريق المحافظ الذي يصرّ على حصر التفاوض بالملفّ النووي فقط، ويريد أن تكون المحادثات تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي حيث الغالبيّة لأنصاره وليست في عهدة الحكومة وظريف خصوصاً. ويحذّر قادة الجيش والاستخبارات من “خدعة” المفاوضات مع “العدوّ الذي لا يريد المفاوضات وسيلةً للتعاون المتبادل، بل يريد المفاوضات لمصلحته فقط”.

التّوازنات داخل إيران مؤثّرة

صحيح أنّ الكلمة الفصل في إيران هي للمرشد الأعلى. لكنّ التوازنات الداخلية مؤثّرة. أرادت السلطة الإيرانية العليا تغليب الواجهة الإصلاحية ممثّلة بالرئيس مسعود بزشكيان ورفاقه على المحافظين، لبعث رسالة تهدئة إلى الخارج ولتخفيف حدّة الهجوم الإسرائيلي والغربي على إيران، ولطمأنة الداخل الذي بلغ استياؤه حدّ الانفجار نظراً لخنق الحرّيات والتدهور المعيشي.

إيران التي تواجه عواقب سنوات من الاستثمارات الرديئة التي أوصلتها إلى اللحظة الحرجة، تحتاج إلى علاج بالصدمة للخروج من المأزق

لم يكتفِ الإصلاحيون بدور “المُسكّن”، بل وجدوا في حالة الضعف الإيراني وتخبّط المحافظين الفرصة لقلب الطاولة والإمساك بخيوط اللعبة الداخلية ومخاطبة الخارج بلغتهم. لم يتوانَ قادتهم عن مدّ اليد وإظهار الودّ المكبوت للغرب وأميركا في أكثر اللحظات الإيرانية حراجة حتى في ذروة الهجوم الإسرائيلي المغطّى أميركياً على نظامهم وأرضهم.

إقرأ أيضاً: مشروع ترامب للشّرق الأوسط: ألغاز ملغومة..

إيران التي تواجه عواقب سنوات من الاستثمارات الرديئة التي أوصلتها إلى اللحظة الحرجة، تحتاج إلى علاج بالصدمة للخروج من المأزق، وقد تذهب بعيداً في البراغماتية توصّلاً إلى اتّفاق يخرجها من دائرة المواجهة. لكنّ الاستجابة للشروط الأميركية لن تكون كافية بالضرورة لإنقاذ النظام والجمهورية الإسلامية بعدما فقد ثقة شعبه.

مواضيع ذات صلة

قاسم ممثّلاً لخامنئي: ماليّة التّشييع الخميني

بعد نحو خمسة أشهر على اغتيال الأمين العامّ لـ”الحزب” حسن نصرالله وقبل أيّام من جنازته المؤجّلة، أعلن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، تعيين نعيم قاسم،…

مورغان تدشّن العصر الأميركيّ في بيروت

كانت مقصودةً ومتعمّدةً الحدّةُ التي اتّسم بها موقف الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس من على منبر قصر بعبدا، كما صورة يدها الموجّهة نحو الكاميرا وفي إصبعها…

لا عودة “للحزب” إلى أسلوب الثّمانينيّات..

يراهن البعض، وتحديداً قوى “الممانعة”، على أنّ المرحلة التي يمرّ فيها لبنان تشبه إلى حدّ ما مرحلة ما بعد اجتياح إسرائيل عام 1982. وذلك في…

إيران: حروب الدّاخل تعرقل الإنقاذ

يبدو أنّ الجهود السياسية والدبلوماسية، التي يقوم بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، تحوّلت إلى حقل ألغام تحاول القوى المتشدّدة زرعها أمام سلطته التنفيذية لتنفجر به…