لبنان وزلازل المنطقة وتردّداتها…

مدة القراءة 5 د

عدوّان للبنان، شطبتهما أحداث هذه السنة. وهي سنة كلّ الزلازل وكلّ الارتدادات التي تسبّبت بها هذه الزلازل. العدوّان هما النظام السوري، الذي سعى منذ ما يزيد على نصف قرن إلى الانتقام من لبنان واللبنانيين، والآخر المشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ يتراجع بقوّة… لكن بعدما خلّف على صعيد المنطقة، أضراراً قد يكون إصلاحها بالغ الصعوبة.

كانت سنة 2024 سنة الزلازل، في منطقة أُخليت من بشّار الأسد الذي كان يحكم سوريا. حكم بشّار سوريا في حدود معيّنة فرضتها “الجمهوريّة الإسلاميّة” أساساً، وروسيا ابتداء من آخر أيلول 2015. عاش لبنان منذ قيام النظام السوري الذي انهار في الثامن من كانون الأوّل الماضي، على وقع ما يرغب به حافظ الأسد ثمّ بشّار الأسد الذي ورث السلطة، من دون أن يرثها كلّياً، في عام 2000.

في 2024، أيضاً، أُخليت المنطقة من حسن نصرالله ومساعديه ومن الدور المهيمن على لبنان، الذي مارسه مباشرة وبوقاحة ودمويّة لاعب إقليمي اسمه “الحزب”. ما لا بدّ من التذكير به في كلّ وقت، أنّ “الحزب” ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، ولم يكن غير ذلك في يوم من الأيّام.

كانت سنة 2024 سنة الزلازل، في منطقة أُخليت من بشّار الأسد الذي كان يحكم سوريا

ما بدأ، على الصعيد الإقليمي، بالزلزال العراقي في عام 2003، حين سلّمت الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة إلى إيران، خلّف مجموعة من الزلازل التي بقيت صامتة… إلى أن قام “طوفان الأقصى” في غزة يوم السابع من أكتوبر 2023. نتجت عن ذلك مجموعة هذه الزلازل، التي افتعلتها إيران التي ذهبت بعيداً في استغلال “طوفان الأقصى”.

أين لبنان من التطورات؟

تعيش المنطقة، بما في ذلك لبنان، في ظلّ تلك الارتدادات الناجمة عن زلازل شاءت “الجمهوريّة الإسلاميّة” القول عبرها لكلّ من يعنيه الأمر، إنّها تمتلك مفاتيح الحرب والسلام في الشرق الأوسط والخليج. أرادت في واقع الحال أن تفرض على الولايات المتحدة عقد صفقة معها، صفقة تكرّس دورها الإقليمي المهيمن. جاءت سلسلة من الزلازل المتردّدة، بما في ذلك التغيير السوري، لتؤكّد فشل المشروع الإيراني، الذي كان لبنان جزءاً لا يتجزّأ منه من أساسه. أين لبنان من كلّ ذلك ومن كلّ هذه التطوّرات ذات الطابع التاريخي؟

منطقيّاً، يفترض بلبنان الاستفادة إلى حدّ كبير من تردّدات الزلازل، التي نجمت عن تصرّفات إيران في مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وقبله الهزيمة التي لحقت بـ”الحزب”. لا يمكن التغاضي، في أيّ وقت، أنّ حافظ الأسد، منذ ما قبل احتكاره السلطة في سوريا يوم 16 تشرين الثاني 1970، كان يعمل على تقويض لبنان. كان ذلك عندما شغل موقع وزير الدفاع السوري قبل حرب 1967 وبعدها. عمل الأسد الأب، الذي لا يزال دوره في تسليم الجولان إلى إسرائيل غامضاً، كلّ ما يستطيع من أجل إغراق لبنان بالمقاتلين الفلسطينيين تمهيداً ليوم تعطيه الإدارة الأميركية الضوء الأخضر للسيطرة العسكرية على لبنان. حدث ذلك أواخر عام 1975 وفي بداية 1976.

تعيش المنطقة، بما في ذلك لبنان، في ظلّ الارتدادات الناجمة عن زلازل شاءت “الجمهوريّة الإسلاميّة” القول عبرها لكلّ من يعنيه الأمر

تغيّر الدور الإيراني

أخيراً، تغيّرت سوريا. كذلك تغيّرت طبيعة الدور الإيراني في لبنان بعد كلّ ما حلّ بـ”الحزب” الذي فقد قدراته السابقة، بما في ذلك قدراته الماليّة التي سمحت له بتدمير النظام المصرفي اللبناني والحلول مكانه عبر نظام آخر، من بين عناوينه “القرض الحسن”. سيعيش لبنان في ظلّ سوريا جديدة ذات مستقبل مجهول، تعبّر عنها زيارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لدمشق. لكنّها سوريا التي تحكمها الأكثريّة السنّية، للمرّة الأولى منذ عام 1966.

سيعيش لبنان أيضاً في ظلّ تفاهمات أميركيّة – تركيّة – إسرائيليّة سترسم مستقبل المنطقة. في النهاية، ما كانت تركيا لتتحرّك في اتّجاه إزاحة بشّار الأسد لولا رفع إسرائيل الغطاء عنه أخيراً.

سيعتمد الكثير على ما إذا كان في لبنان من يستطيع إعادة لملمة ما بقي من مؤسّسات الدولة اللبنانية. لا حاجة إلى تأكيد أنّ نقطة البداية هي في انتخاب رئيس للجمهوريّة. ليس أيّ رئيس للجمهوريّة في طبيعة الحال. الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى رئيس يدرك حجم الانقلاب الذي وقع في المنطقة، خصوصاً في ضوء التغيير السوري.

ليس سرّاً أنّ الطبقة السياسية، بمعظمها، لا تعرف شيئاً عمّا يدور في المنطقة. هناك سياسيون موارنة، من الذين لا معنى لهم ومن ذوي الثقافة السياسيّة المتواضعة جدّاً، يطرحون أنفسهم لرئاسة الجمهورية… أو يجدون من يطرح أسماءهم للوصول إلى قصر بعبدا!

تغيّرت سوريا كذلك تغيّرت طبيعة الدور الإيراني في لبنان بعد كلّ ما حلّ بـ”الحزب” الذي فقد قدراته السابقة

الحاجة إلى رئيس يعرف المنطقة

لا تكمن مشكلة لبنان، في الوقت الحاضر، في الغياب السنّيّ والتفتّت المسيحي وحال الضياع الشيعيّ فحسب، بل تكمن أيضاً في غياب طبقة سياسيّة في مستوى الحدث الإقليمي. من هنا الحاجة إلى رئيس للجمهوريّة يعرف المنطقة وما يدور في كلّ دولة فيها والتوازنات الإقليمية الجديدة… كما يعرف واشنطن وكيف يقيم علاقات من نوع مختلف مع الولايات المتحدة والإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب.

ليس صحيحاً أنّه لم يبقَ شيء من لبنان. لا يزال لبنان يقاوم على الرغم من كلّ ما قام به النظام العلويّ في سوريا ثمّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران من أجل إزالته من الوجود. يكشف حجم ما تعرّض له لبنان نتيجة تلك المؤامرة الإيرانيّة – السوريّة التي استهدفت في عام 2005 رفيق الحريري، صاحب المحاولة الجدّية الوحيدة لإعادة الحياة إلى البلد في السنوات الخمسين الأخيرة.

إقرأ أيضاً: تحدّيات سوريا ما بعد الأسد

لا يعود صمود لبنان إلى قدرة مجتمعه على المقاومة فقط. يعود صموده إلى حيويّة هذا المجتمع وإلى أنّ أبناءه، من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، عرفوا أهمّية العلم من جهة وأهمّية العمق العربي للبنان من جهة أخرى. هذا العمق العربي، الخليجي تحديداً، الذي عمل النظامان العلويّ السوري والإيراني على إنهائه!

مواضيع ذات صلة

سوريا: من هم المغضوب عليهم؟ ومن هم الضّالّون؟

اتّخذت السلطات الجديدة في سوريا قراراً حكيماً بإعادة النظر في برامج التربية والتعليم التي فرضها النظام السابق. تتمثّل الحكمة في هذا القرار في التحرّر من…

لبنان ضحيّة المحاور المتحاربة… ماذا عن الحياد؟

ما يزال لبنان يتنقّل بين الأحلاف والمحاور الدولية. هذا التنقّل وضعه على خطّ الزلازل أكثر من مرّة. الأحلاف السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية، مقتلة لبنان. أيضاً…

تشكيل الحكومة: نحو طريقة جديدة ومختلفة

غالباً ما يصعب الحفاظ على التفاؤل في لبنان، حيث تغرق البلاد في الأزمات وتعاني من عدد لا حصر له من الفرص الضائعة المتكرّرة لدرجة أنّها…

صرت أكره مفردة النصر

أبدأ مقالتي بكلمات لشاعر مجهول وكانت نُسبت لمحمود درويش قيلت قبل سنوات وكأنها تصف ما يحدث في يومنا هذا. تنتهي الحرب ويتصافح القادة..  وتبقى تلك…