قمّة الرّياض: فلسطين أمانتنا

مدة القراءة 7 د

“لقد اتّخذت دولنا خطوات مهمّة عبر تحرّكها المشترك على الصعيد الدولي لإدانة العدوان الإسرائيلي الآثم، وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية. ونجحنا في حثّ المزيد من الدول المحبة للسلام للاعتراف بدولة فلسطين”. بتلك الكلمات في افتتاح القمّة العربية الإسلامية غير العادية المنعقدة بالرّياض وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحدّ الفاصل ما بين الثوابت العربية الإسلامية من جهة، والتفاصيل السياسية اليومية من جهة أخرى.

 

قالتها السعودية على لسان ولي العهد واضحة: “فلسطين أمانتنا والمدخل لإحلال أيّ سلام”. هي المعادلة التي خرجت بها قمّة الرّياض الاستثنائية وأهميّة القمّة بتوقيتها ومندرجاتها وبما أرادته السعودية أن يكون برنامج عمل واضح الأهداف للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة.

اسم الأمير محمد بن سلمان هو الوحيد الذي ذكره الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، مشدّداً على التنسيق والتعاون معه في مجالات مختلفة. لتتصدّر السعودية بذلك المشهد الإقليمي. عبر تمكنّها من لعب أدوار استثنائية على الساحة الدولية.

السقف المرتفع

خرج وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتتاحية في القمّة بخطاب تأسيسي لمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. خطاب واضح يضع النقاط على الحروف. رفع ولي العهد السّقف السياسيّ أكثر مّما توقّع الجميع. أعلن أنّ السبيل الوحيد إلى وقف الحروب هو إلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها في فلسطين، وإيقافها عن الاعتداءات التي ترتكبها في لبنان، وخطّ مسار جديد لإنتاج الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. الرؤية السعودية العربية والشرق الأوسطية اختصرها بن سلمان بالخطّ العريض: “إنّ استمرار إسرائيل في جرائمها بحقّ الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى، والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كلّ الأراضي الفلسطينية من شأنها تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإحلال السلام في المنطقة”.

تبقى فلسطين هي البوصلة، ومنها يمكن تكوين نظرة للرؤية السعودية لكلّ دول المنطقة

“فلسطين أمانتنا”، تقول السعودية، وهي المدخل لحلّ كلّ أزمات المنطقة. تنطلق السعودية في رؤيتها هذه من قاعدة التكامل الإقليمي والدولي والتعاون في سبيل إحقاق حقّ الفلسطينيين كشعب يناضل منذ أكثر من سبعة عقود في سبيل إنشاء دولته، ولا يمكنه أن يستكين قبل تحقيق أهدافه. هذا ما تعلمه المملكة علم اليقين، وتنطلق من رؤية واضحة شاملة للمنطقة بما فيها فلسطين والدولة الفلسطينية، وانطلاقاً من موروث تاريخي ووجداني يتمسّك بالقضية ولا يمكنه التخلّي عنها، ومن أنّ كلّ مشاكل المنطقة وصراعاتها ونزاعاتها وفراغاتها وتسلّل إيران أو الإخوان المسلمين كانت عبر استغلال القضية الفلسطينية. ولذلك برفع السعودية لهذه الراية والتمسّك بحقّ الفلسطينيين في بناء دولتهم وتحقيق ذلك، يكمن إرساء الاستقرار ومنع أيّ جهة من استغلال الأزمات العربية لتوسيع نفوذها. خلاصة فلسطين أمانتنا تُستمدّ من دراسات معمّقة للواقع العربي وللتعلّق الوجداني لدى كلّ الشعوب العربية برمزيّة وقدسيّة القضية الفلسطينية التي لا يمكن التخلّي عنها.

فلسطين، كما غيرها من دول المشرق العربي، مدرجة على لائحة الاهتمام السعودي ضمن رؤية 2030، وذلك في سبيل تحقيق طموح بن سلمان بجعل منطقة الشرق الأوسط أوروبا الجديدة التي تحتاج إلى ثورات من الانفتاح والتنوير والإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي، وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية أو الدولة المركزية، بعد كلّ التشظّيات التي مرّت بها دول المنطقة. فالعودة إلى منطق الدولة هو رؤية استراتيجية سعودية تنسجم مع رؤى عالمية حول ضرورة محاربة الميليشيات أو الكيانات الموازية للكيانات الوطنية. لذا لا يمكن مواجهة الميليشيات إلا من خلال تعزيز منطق الدولة، ولا بدّ أن يتوّج بإنشاء دولة فلسطينية كي لا تبقى فلسطين قضيّة تستفيد منها دول أو جهات أو فرق في سبيل تغذية منطق الأيديولوجيات الدينية، أو تستغلّ إقليمياً لبناء مشاريع موازية لمشروع الدولة.

خرج وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتتاحية في القمّة بخطاب تأسيسي لمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط

الانفتاح على إيران

السياسة التي تنتهجها السعودية في العلاقة الجيّدة مع إيران، أو في التمسّك بإنشاء دولة فلسطينية، هي رؤية استراتيجية هدفها وقف سياسات التوسّع، أو الأيديولوجيات التوسّعية، سواء من قبل إسرائيل وسط طروحات يمينية لنظرية إسرائيل الكبرى أو توسيع مساحتها بقضم المزيد من المساحات الفلسطينية، أو من قبل إيران التي لديها طموح مستمرّ في توسيع نفوذها انطلاقاً من خلفيّات ومنطلقات أيديولوجية لنشر الثورة في دول مختلفة. وقد كانت فلسطين هي الذريعة بشكل تعارض مع الأمن القومي العربي، ومع الدول الوطنية، ومع القضية الفلسطينية ذاتها، إذ أصابها المشروع بضرر كبير.

فلسطين

إذاً لفلسطين ودولتها منطلق جديد في السياسة الشرق الأوسطية سيكون العنوان الذي تريده الرياض للانتقال إلى سياسة التكامل الإقليمي والدولي وإحلال السلام في المنطقة. وهو ما يصحّ وصفه بأنّه برنامج عمل واضح للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، لا سيما أنّ المعلومات الواردة من واشنطن تفيد بأنّ ترامب سينصت باهتمام للرؤية السعودية في ما يتعلّق بالتسوية الإقليمية، وسيراهن على الرياض للعب أدوار أوسع في الشرق الأوسط وما يتجاوزه، خصوصاً أنّ السعودية كانت قد بدأت التحضير لمؤتمرات ولقاءات بين روسيا وأوكرانيا، ويمكن للرياض أن تلعب أدواراً على المستوى الدولي بين موسكو وواشنطن انطلاقاً من العلاقات الجيّدة مع الطرفين، وما دامت تتمتّع بقدرات واسعة للتعاطي مع ملفّات دولية وإقليمية، وتتحوّل إلى قوّة ذات دور وسيط في النزاعات الدولية أو الإقليمية.

قالتها السعودية على لسان ولي العهد واضحة: “فلسطين أمانتنا والمدخل لإحلال أيّ سلام”

كان موقف بن سلمان الذي يدين العدوان الإسرائيلي على إيران في غاية الأهميّة ويحمل مؤشّرات كثيرة إلى ما تسعى إليه الرياض للعب دور في تكريس الاستقرار الإقليمي، ونزع فتيل التوتّر أو المواجهة بين طهران وتل أبيب عبر واشنطن، خصوصاً أنّ الرياض كانت قد انتهجت منهج التقارب مع إيران في سبيل تكريس استقرار إقليمي يتيح لدول المنطقة وشعوبها أن تستفيد منه بدلاً من الغرق المستمرّ في الصراعات الأيديولوجية أو المثقلة بتاريخ معبّأ بالتشنّجات والصراعات. هنا يمكن للرياض أن تلعب دوراً أكبر مع الإدارة الأميركية الحالية انطلاقاً من حسن علاقتها بإيران وعلاقتها الجيّدة مع ترامب، وبما ينسجم مع منطق وقف الصراع المبنيّ على التوسّع الإقليمي أو الانفلاش في دول المنطقة.

تبقى فلسطين هي البوصلة، ومنها يمكن تكوين نظرة للرؤية السعودية لكلّ دول المنطقة من خلال نقاط عديدة:

– أوّلاً، إعلان الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية.

– ثانياً، وقف سياسة الاستيطان الإسرائيلية.

– ثالثاً، تعزيز دور السلطة الفلسطينية المعترف بها رسمياً وشرعياً مع شمولها لكلّ قوى ومكوّنات الشعب الفلسطيني إسهاماً في إنهاء حالات التشظّي والانقسام وانضواء الفلسطينيين تحت كنف دولة.

– رابعاً، يسهم ذلك في تكريس منطق الدولة الذي يتمّ تعميمه من فلسطين إلى الدول الأخرى.

– خامساً، وقف سياسة الاستيطان في فلسطين ومنع إسرائيل من التوسّع يفرضان وقفاً لمسار التوسّع الإيراني من خلال تقويض دول المشرق العربي.

– سادساً، تقديم رؤية شاملة لدول المنطقة، وخصوصاً سوريا ولبنان والعراق، من خلال إعادة الاعتبار لمنطق الدولة والمؤسّسات بدلاً من بقاء هذه الدول جزراً متناثرة لمشاريع وميليشيات متضاربة.

إقرأ أيضاً: السّعوديّة: لدولة فلسطينيّة… لا تحتاج موافقة إسرائيلية

– سابعاً، فتح الطريق أمام إصلاحات سياسية، اقتصادية، وماليّة جذرية في هذه الدول، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الموقف العربي الثابت من الأزمة اللبنانية المستمرّة منذ سنوات ويمكن اختصارها ببضع نقاط يصحّ تثبيتها في الدول المذكورة آنفاً، كتعزيز سلطة الدولة الوطنية، حصر قرار الحرب والسلم في يدها، حصر السلاح في الجيش الوطني، والانسجام مع المنظومتين العربية والدولية.

مواضيع ذات صلة

عزّ الشرق أوّله دمشق..

ساحة الامويين علم الثورة عليها انكسرت عصا سليمان التي يتّكئ عليها، فظهر أنّه ميتٌ من زمان. سقط نظام بشار الأسد، وبسقوطه اكتمل سقوط المحور الإيراني….

إنّا من العرب… وإنّا إليهم راجعون

لجرحنا الغائر في سوريا صوتٌ كصرير الأسنان، وهو جرح قديم ورهيب ومستدام، يسبق الفجيعة بشطب رفيق الحريري ويعقبها. حتى بات ربيع بيروت ينتظر أوان الورد…

كيف ستتلقّف المعارضة نقمة العلويّين على الأسد؟

أخيراً، غادرنا صاحب الضحكة البلهاء، والقرارات الخرقاء والخطابات الجوفاء والأفكار الهوجاء، التي حوّلت قلب العروبة النابض إلى صحراء… انسحب بعدما جعل سوريا، الدولة المحوريّة، بحراً…

اللّحظة السّوريّة”: ما المطلوب خلال ساعات؟

فيما بدت عواصم العالم حذرة في مقاربة الحدث السوري الكبير، سحب بنيامين نتنياهو كرسيّاً، جلس إلى طاولة التسوية السورية، فارضاً إسرائيل شريكاً حاضراً في مستقبل…