قُتِل سليم عيّاش وبقي رفيق الحريري

مدة القراءة 4 د

وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا (الآية 93 – سورة النساء).

 

  • كالهنود الحمر رقصوا مهلّلين حول جثثنا. أطلقوا الصيحات ووزّعوا الحلوى احتفالاً باغتيالنا برصاصة أو عبوة أو حتى اختطاف. لم يكن عندهم يوماً لحرمة الموت قيمة وكأنّ قتلنا على أرصفة الطرقات ووسط الساحات فرض عين جاءت به الشرائع السماوية في كلّ الأديان.

قُتل سليم عياش، ومن واجبنا ألّا نعدّه ضمن قتلى الاعتداءات الإسرائيلية على غزة أو لبنان. من واجب وزارة الصحة أن لا تدخله في إحصائها اليومي الموزّع على الإعلام عن الشهداء والضحايا عند خطوط المواجهة في الجنوب والضاحية والبقاع وعكار حيث كانت المجزرة بالأمس في عين يعقوب.

لا يحقّ لأحد أن يورد اسم قاتل في لوائح الشرف التي تضمّ شهداء بمواجهة إسرائيل. فيما ضحيّته كان بحجم وطن وأحلام شعب، ضحيّته كان يدعى رفيق الحريري صانع الأحلام. لم يرتكب سليم عياش جريمته في غياهب الليل، ولا خلال مواجهة عسكرية ولا في أرض محتلّة من الأعداء. ارتكب جريمته ومعه عصابة الأشرار عن سابق إصرار وتصميم في وضح النهار، بل عند انتصافه تحديداً، وليس في أيّ مكان. ارتكب جريمته عند واجهة بيروت البحرية، حيث الفنادق والناس في تلك الأمكنة لا تنام. وضع طنّاً من المتفجّرات وقال لمن معه: اليوم سنغتال لبنان. لم يسأل عمّن كان غير رفيق الحريري في الموكب. لم يسأل عن المشاة وممارسي الرياضة في ذاك المكان. كان همّه الأوّل والأخير أن يقضي على ما بقي من أحلام في دواخلنا، على بسمات أطفالنا وزغاريد نسائنا. كان همّه أن يعيدنا سنوات سنوات إلى الوراء عندما كانت بيروت، تحديداً ذاك المكان، ساحة للغربان.

أجمل ما في مقتل قاتل الرئيس الحريري أنّه قُتل في القصير في تلك القرية السورية، في أرض مغتصبة من أهلها

قُتِل القاتل

قُتل آخر القتلة المعلنين لرفيق الحريري بانتظار غير المعلنين. حقّ لنا جميعاً أن نقف عند هذا العنوان ليس ثأراً ولا تشفّياً ولا شماتة ولا غلوّاً في التعصّب، فكلّ هذه الصفات ليست من مفردات جمهور رفيق الحريري الذي بكاه قبل 19 عاماً وما يزال يستحضره ويستذكره عند كلّ محنة تلمّ بوطننا لبنان.

أجمل ما في مقتل قاتل الرئيس الحريري أنّه قُتل في القصير في تلك القرية السورية، في أرض مغتصبة من أهلها، حيث تمّ ارتكاب أبشع الجرائم وأوسخ الأعمال. قُتل قاتل رفيق الحريري قريباً من مسجد عمر بن الخطاب في القصير الذي قُصف ودُمّر، ثمّ رُفعت عليه رايات الفتنة وجهالات ثارات الزمان.

رفيق الحريري

قُتل سليم عياش بعيداً عن قريته حاروف التي رُفعت عند بابها في أحد الأيام لافتةٌ تبارك جريمته، بل تصنّفه بطل آخر الزمان. قُتل بعيداً عنها، لن تنقل جثّته إليها، لن يعبر المعابر الشرعية المقفلة في هذه الأيام. لن يجرؤ أحد على العبور بجثّته في المعابر غير الشرعية. فقصّة العبور من تلك المنافذ السيّئة الذكر، باتت حكايا آخر الزمان. فيما رفيق الحريري استشهد على أرض المدينة التي أحبّ، ودُفن قرب المسجد الذي بناه وأحبّ، وتحوّل قبره مزاراً يشبه مزارات الأولياء والقدّيسين في كلّ زمان، الذين يمرّ المحبّون بأسوار أضرحتهم ويتركون عندها، كما قال نزار قباني في قصيدته، “شال الحريري منتّفاً”، لعلّه يتبارك من صاحب المكان.

قُتل سليم عياش وبقي رفيق الحريري في بيروت. نستذكره عند كلّ طريق ومنشأة ومدرسة رسمية ومدينة رياضية وأنفاق تؤسّس لذاك الإرث الجميل

وبقي رفيق..

قُتل سليم عياش وبقي رفيق الحريري في بيروت. نستذكره عند كلّ طريق ومنشأة ومدرسة رسمية ومدينة رياضية وأنفاق تؤسّس لذاك الإرث الجميل، ولسان حال كلّ اللبنانيين يقول: “ما رأينا حجراً بعد رفيق. أيا ليت روحنا على ذاك الزمان”.

إقرأ أيضاً: رفيق الحريري: سقط المشروع وعاشت الفكرة؟

لا ضير أنّ الإسرائيلي هو الذي قتل سليم عياش، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف الذي قاله النبيّ محمّد ابن عم الإمام عليّ ووالد فاطمة الزهراء وجدّ الحسن والحسين فاصلاً بين الحقّ والباطل في مسألة كهذه: “الظالم سوط الله في الأرض ينتقم به ثمّ ينتقم منه”، كما رواه الطبراني والدليمي وغيرهما، وقال عنه المحدّثون إنّه حديث صحيح حسن الكلام. ها هو كلام نبيّنا محمّد يتحقّق، فالظالم الإسرائيلي المجرم قتل ظالماً آخر، وبيننا وبين الظالم الإسرائيلي الكثير من الأيّام.

مواضيع ذات صلة

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

سوريا شبعت من “الرموز” وصور “القائد الخالد” وكليشيهات التقديس والأسطرة لمدبّري الشؤون السياسية والأمور العامّة، ثمّة فائض يُترع المعدة السورية على مدى عقود، منذ انقلابات…

نتنياهو في القفص

بعد ثماني سنوات من التهرب، وافتعال الانشغال، مَثُلَ أخيراً أمام هيئة المحكمة بتهمة خيانة الأمانة، وإساءة الائتمان، والاحتيال والفساد، أمّا التهمة الأكثر ثبوتاً عليه، ولم…

نكسة “الحزب”: سوريا أكبر من الجنوب اللبناني

إذا كانت نتيجة الحرب مع إسرائيل تنطوي على سجال، فإنّ نكسة “الحزب” في سوريا لا تحتمل النقاش. وأخطر ما في الأمر أنّ التغييرات الكبرى ما…

أيّ لبنان بعد سقوط الأسد؟

ما كان لسوريا أن تحرّر نفسها من النظام السابق من دون أن تدفع ثمناً غالياً. وقد دفعته حتى “آخر بارة” كما يقولون. ولكن ماذا بعد…