معضلة المرشد الأعلى

مدة القراءة 7 د

يواجه الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي الآن معضلة من صنعه، وهو، في رأي المحلّل السياسي الإيراني الأميركي في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي كريم سجادبور، محاصر في معركة عسكرية ومالية ونفسية عالية المخاطر ضدّ أميركا وإسرائيل، يواجه مع غروب سنواته سلسلة من التحدّيات الهائلة: أوّلها القرار المحوري بشأن السعي إلى الحصول على أسلحة نووية إلى جانب الإذلال الإقليمي وضعف وكلائه، والانتفاضات المحلّية وتقلّص سلطته، وتزايد الضغط على مناقشات الخلافة في طهران، وهو ما يثير تساؤلات حاسمة عن اتجاه إيران واستقرارها.

 

على مدى الأيام المئة الماضية، تكبّد المرشد الأعلى خسائر فادحة إقليمياً وداخلياً، يكتب سجادبور في صحيفة “نيويورك تايمز”:

– إقليمياً، وجّهت إسرائيل ضربات حاسمة ضدّ ما يسمّى محور المقاومة الإيراني، بما في ذلك اغتيال زعيمَي حماس إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في غزة والقضاء على حليف خامنئي الأكثر أهمّية، زعيم “الحزب” حسن نصرالله. بالإضافة إلى ذلك، في 16 تشرين الأول، أرسلت الولايات المتحدة قاذفات شبح من طراز بي -2، وهي طائرات بقيمة 2 مليار دولار قادرة على إطلاق قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، لتدمير مستودعات الأسلحة في اليمن المرتبطة بحلفاء إيران الحوثيين في إشارة واضحة إلى طهران بأنّ مواقعها النووية تحت الأرض في متناول اليد.

– داخليّاً، سبقت هذه الإحراجات انتكاسات محلية كبيرة. أكّد اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكري الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني 2020، ثمّ قتل إسرائيل للعالم النووي محسن فخري زاده في ذلك العام، على نقاط ضعف النظام. وعندما توفّي خليفة خامنئي المحتمل، الرئيس إبراهيم رئيسي، في حادث تحطّم مروحية في أيار، اشتبه العديد من الإيرانيين في وجود تخريب داخلي أو خارجي.

ربّما يواجه خامنئي تحدّياً مماثلاً، حيث يخشى أن يصبح ابنه مجتبى البالغ من العمر 55 عاماً، رجل الدين الشيعي والخليفة المحتمل، رئيساً صوريّا

وأدّت سنوات من سوء الإدارة والنهب والقمع، وكلّها من قاعدة ثيوقراطية، إلى تغذية انعدام الثقة الحكومي وانتشار المعارضة على نطاق واسع. استغرق الأمر ستّة أشهر وأكثر من 20 ألف معتقل لإخماد الانتفاضة الوطنية 2022-2023. وحتى في غياب التنفيذ الصارم من قبل إدارة بايدن، تظلّ إيران من بين الدول الخاضعة لأكبر عدد من العقوبات في العالم.

الخيار الحاسم

وفقاً لسجادبور الذي تركّز أبحاثه على إيران والسياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وكان سابقاً “المحلّل الرئيسي للشؤون الإيرانية” في مجموعة الأزمات الدولية، فإنّ خامنئي الذي يمضي اليوم خريف حياته في قمع شعب يريد عزله بعنف، وينخرط في صراع عسكري وماليّ معقّد مع إسرائيل والولايات المتحدة، يواجه الآن خياراً حاسماً:

استمرار السعي إلى امتلاك الأسلحة النووية. حتى الآن، حافظت إيران على استراتيجية الغموض النووي، والبقاء على حافة تطوير سلاح نووي من دون العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الشديدة المرتبطة بامتلاكه… وتقدّر وسائل الإعلام المحلّية في إيران التكلفة الإجمالية للبرنامج النووي للبلاد، بما في ذلك النفقات الغارقة وعائدات الطاقة المفقودة والاستثمار الأجنبي بسبب العقوبات، بمئات المليارات من الدولارات، بينما تساهم بنسبة 1% فقط من احتياجات الطاقة الإيرانية.

يعتقد سجادبور أنّ “الدور الأكثر أهمّية الذي لعبه البرنامج النووي الإيراني على مدى العقدين الماضيين هو تحويل الانتباه عن تنمية الصواريخ والطائرات بدون طيار والوكلاء الإقليميين الأقوياء”. وينقل عن أحد كبار المسؤولين قوله عن الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران: “نقضي كلّ وقتنا في محاولة منع الإيرانيين من الحصول على سلاح لن يستخدموه أبداً بينما نهمل الأسلحة التي يستخدمونها هم ووكلاؤهم ضدّنا كلّ يوم”.

حقل ألغام

مع التطوّرات الدراماتيكية الأخيرة في المنطقة قد يضطرّ خامنئي إلى إعادة النظر في خياراته النووية، بحسب سجادبور، لكنّ مساره لتطوير سلاح نووي كامل هو حقل ألغام مليء بالمحفّزات المحتملة للعمل العسكري السرّي أو العلني من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. لقد اخترقت وكالات المخابرات الإسرائيلية والأميركية بشدّة برنامج إيران النووي، وكذلك أجهزتها الأمنيّة والاستخبارية.

يعتقد سجادبور أنّ “خامنئي نفسه قد يكون هو الحاجز الأساسي أمام حصول إيران على الأسلحة النووية

على مدى السنوات الـ15 الماضية، وبالإضافة إلى الاغتيال المنهجي لعلماء إيران النوويين البارزين، تعرّضت مواقعها النووية السرّية لهجمات وتخريب إلكتروني متطوّر. وفي عام 2018، استولى الموساد على جزء كبير من الأرشيف النووي السرّي لإيران من مستودع في طهران. وذهب الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى حدّ الزعم في مقابلة أُجريت معه أخيراً أنّ الفريق الذي كلّفته الجمهورية الإسلامية بمكافحة تسلّل الموساد كان يقوده جاسوس للموساد.

في رأي سجادبور: يجب على المرشد الأعلى لإيران أيضاً أن يأخذ في الاعتبار العواقب الداخلية لامتلاك الأسلحة النووية. فالكثير من قوّته ينبع من سلطته على اتّخاذ القرار النهائي بشأن تجاوز العتبة النووية. وبمجرّد عبورها، فإنّه يخاطر بنقل السلطة إلى الحرس الثوري الإسلامي، الذي من المؤكّد تقريباً أنّه سيشرف على الترسانة النووية وقوانين الإطلاق. وعلى الرغم من أنّ العديد من الزعماء المستبدّين أدركوا جاذبية الأسلحة النووية لتعزيز قوّتهم، إلا أنّهم غالباً ما تردّدوا في الحصول عليها بسبب مخاوفهم من تمكين جيوشهم وتقويض سيطرتهم.

نظام ديكتاتوري عسكري

مثل هذا التغيير في السلطة من شأنه، بحسب سجادبور، أن يؤدّي إلى تحوّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية من نظام حكم ديني إلى نظام دكتاتوري عسكري، وهو ما سيخلّف آثاراً على خامنئي تتجاوز عهده. ففي عام 1978، ورد أنّ شاه إيران، الذي كان مصاباً بالسرطان، تردّد في الاعتماد بشكل مفرط على جيشه لسحق تمرّد وطني، خوفاً من أن يجعل ذلك ابنه البالغ من العمر 18 عاماً، والذي كان يخطّط لتوريثه السلطة، دُميةً في يد الجيش وليس سيّده. وربّما يواجه خامنئي تحدّياً مماثلاً، حيث يخشى أن يصبح ابنه مجتبى البالغ من العمر 55 عاماً، رجل الدين الشيعي والخليفة المحتمل، رئيساً صوريّاً تسيطر عليه قوات الحرس الثوري الإسلامي المسلّحة نووياً بدلاً من قائدها الأعلى.

أدّت سنوات من سوء الإدارة والنهب والقمع، وكلّها من قاعدة ثيوقراطية، إلى تغذية انعدام الثقة الحكومي وانتشار المعارضة على نطاق واسع

يعتقد سجادبور، وهو أيضاً مستشار لبرنامج الكونغرس التابع لمعهد أسبن بشأن الشرق الأوسط، أنّ “خامنئي نفسه قد يكون هو الحاجز الأساسي أمام حصول إيران على الأسلحة النووية، نظراً لأنّه من خلال التردّد في الردّ على استفزازات خصومه، فإنّه يخاطر بمزيد من إضعاف سلطته، في حين أنّ الردّ القويّ يمكن أن يعرّض بقاءه للخطر”.

يضيف: “يتصارع مع ديناميكيّات القوّة الداخلية والضغوط الخارجية، بينما في إيران سيكون بعده القادة العسكريون أقلّ إحجاماً عن حيازة الأسلحة النووية، وقد شهدوا تجارب أوكرانيا والعراق وليبيا، البلدان التي تخلّت عن قدراتها النووية أو امتنعت عن تطويرها فأصبحت عُرضة للتدخّل الأجنبي، بينما على النقيض من ذلك تمكّنت كوريا الشمالية، التي احتفظت بترسانتها النووية، من ضمان بقاء نظامها المعزول. أخيراً، بدأت المقالات الافتتاحية في إعلام الحرس الثوري تدعو إلى تغيير العقيدة النووية”.

إقرأ أيضاً: روسيا والصّين وإيران في “صّندوق” البيت الأبيض

يخلص إلى القول: “يواجه خامنئي الآن معضلة من صنعه. فبعدما حكم منذ عام 1989 أصبح محاصراً في معركة عسكرية وماليّة ونفسية عالية المخاطر ضدّ أميركا وإسرائيل بينما تتضاءل قدراته العقلية وطاقته بلا شكّ. وهو من خلال التردّد في الردّ على استفزازات خصومه، يخاطر بمزيد من إضعاف سلطته، في حين أنّ الردّ القويّ يمكن أن يعرّض بقاءه للخطر. وفي حين تشتدّ المناقشات حول الخلافة في طهران وتثير تساؤلات بالغة الأهمّية عن اتّجاه إيران واستقرارها، يواجه خامنئي ليس فقط إرثه، لكن أيضاً المصير الوجودي للنظام الذي قاده لعقود”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان بعد “اللحظة السورية”: أنظروا إلى إيران تتغيّر

“أنت تحصد ما تزرع”، كتب المحلّل والكاتب السياسي الأميركي توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز في سياق “ملاحظات سريعة” له على سقوط نظام عائلة الأسد…

مسعد بولس عن لبنان وإسرائيل وغزّة وإيران

لم يكن مفاجئاً أن يختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب رجل الأعمال الأميركي اللبناني المحامي مسعد بولس مستشاراً أوّلَ له للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط….

هل تغيّر الحزب بعد عام من الحرب؟

بالنسبة لكولن كلارك، مدير الأبحاث في مركز صوفان، وهو مركز أبحاث واستشارات استخبارية وأمنيّة أميركية، “يمرّ “الحزب” بعد عام من الحرب مع إسرائيل بنوع مختلف…

“جيروزاليم بوست”: المهمّة 2… تفكيك نظام خامنئي

من الأسباب التي ادّعى رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّها دفعته الى القبول باتفاق مع لبنان لوقف إطلاق النار الآن، “التركيز على التهديد الإيراني”، و”القيام…