نتانياهو وتغيير وجه المنطقة… في ظل بلبلة ايرانيّة!

مدة القراءة 6 د

ليس واضحاً هل سيتمكن بنيامين نتانياهو من تغيير وجه المنطقة بفضل الفرصة التي وفرها له يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” وصاحب قرار شن هجوم “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023). الواضح، في المقابل، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، مدعوما من اليمين الإسرائيلي، استطاع إزالة غزّة من الوجود… في غياب القدرة على الإنتهاء من “حماس”. أكثر من ذلك، استغلّ “بيبي”، إلى أبعد حدود، الفرصة التي اتاحها له  الراحل الأمين العام للحزب  الذي أعلن يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، بالصوت والصورة، فتح جبهة جنوب لبنان “إسنادا لغزة“.

 

وجّهت إسرائيل ضربة قوية لـ”حزب الله” ولإيران في الوقت ذاته نظراً إلى أنّ الحزب رأس حربة للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. دفع لبنان كلّه ثمن القرار الإيراني بشنّ حرب على إسرائيل انطلاقاً من الجنوب. ثبت، يوم بدأت الحرب في جنوب لبنان، أنّ لبنان لا يمتلك قراره وأنّه “دولة حزب الله” مثلما كان العهد الرئاسي لميشال عون وجبران باسيل” بين 2016 و 2022 “عهد حزب الله”. كذلك، ثبت أنّ لبنان ذهب ضحية شعار “وحدة الساحات” الذي تبيّن أنّه هراء بهراء ولا شيء آخر غير ذلك.

تحوّلات عميقة في غزّة

لا يمكن تجاهل أنّ غزّة مقبلة على تحولات في العمق، خصوصاً في ضوء حجم الدمار الذي لحق بها. لم يعد الموضوع متعلقاً بمصالحة بين “فتح” و”حماس” ومن سيسيطر على معبر فيلادلفي بين القطاع ومصر. بات الموضوع موضوع مصير مليوني مهجّر في غزة. من يرسم مستقبل غزّة؟ من يعيد بناءها؟ هل من دور عربي ودولي، أميركي تحديداً، في تحديد مستقبل غزّة؟

لا يمكن تجاهل أنّ غزّة مقبلة على تحولات في العمق، خصوصاً في ضوء حجم الدمار الذي لحق بها. لم يعد الموضوع متعلقاً بمصالحة بين “فتح” و”حماس”

هذه بعض الأسئلة التي تفرض نفسها بعد كلّ الذي حلّ بغزّة وأهلها منذ هجوم “طوفان الأقصى” قبل سنة وبضعة أيّام. في الوقت ذاته، بات عدد النازحين من قرى وبلدات ومناطق لبنانيّة نحو مليون ونصف مليون مواطن، هؤلاء يمثلون ما يزيد على نصف أبناء الطائفة الشيعية التي أخذتها “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى حرب “إسناد غزّة”. هذا الأمر يطرح أسئلة لبنانية أيضاً. أسئلة من نوع من يستطيع القول لـ”حزب الله” أنّه خسر الحرب مع إسرائيل وأنّ ليس صحيحاً أن سلاحه يردع إسرائيل؟ من يستطيع القول للحزب أنّ إيران أرسلت وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى لبنان كي يصرّ على استمرار “المقاومة”، أي على إلحاق مزيد من الخراب للبنان.. وأنّ  عراقجي نفسه قام بعد ذلك بجولة تستهدف إقناع عواصم الدول الخليجية العربيّة أنّ من مصلحتها إقناع الولايات المتحدة بجعل إسرائيل تحصر ردّها على الهجوم الصاروخي الذي تعرّضت له من “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حدود معيّنة!

إيران تضحّي بشيعة لبنان

إيرانياً، مطلوب من لبنان، ومن اللبنانيين بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعيّة، التضحية بنفسهم وأن يكونوا في خدمة مشروع مبهم لا أفق سياسياً له. عند هذه النقطة، يلتقي التفكيران الإيراني واليميني الإسرائيلي. مثل إيران، لا يمتلك رئيس الحكومة الإسرائيليّة أي رؤية للمستقبل، لا بالنسبة إلى مرحلة ما بعد الإنتهاء من غزّة وتحويلها إلى أرض طاردة لأهلها ولا في ما يخصّ مرحلة ما بعد توجيه ضربة قاصمة لـ”حزب الله” الذي فقد قسماً كبيراً من قيادييه والذي ثبت أنّ فعاليّة سلاحه لا يمكن أن تقارن بفعاليّة السلاح الإسرائيلي الذي مصدره الولايات المتّحدة، في معظمه.

 بدأت في إيران تطلّ برأسها فضيحة الإختراق الإسرائيلي لـ”الحرس الثوري” عن طريق مساعدي قائد “فيلق القدس” إسماعيل قآني

ضربت إسرائيل إيران أم لم تضربها، هناك ملاحظتان يجدر التوقف عندهما. الأولى أنّ الوضع الداخلي الإيراني ليس على ما يرام. شيء ما يحصل داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة”، خصوصاً حيث خلف الرئيس مسعود بزشكيان الرئيس إبراهيم رئيسي الذي كان محسوباً على “الحرس الثوري” والمتشددين عموماً. قُتل رئيسي في حادث تحطم هليكوبتر مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. ما زالت ظروف الحادث غامضة. يقول بزشكيان ووزير الخارجية الجديد (عباس عراقجي) الشيء وعكسه. يعتمد الأمر على مكان وجودهما. بزشكيان في نيويورك غير بزشكيان في طهران. وعراقجي في بيروت غير عراقجي في هذه العاصمة الخليجية أو تلك.

إيران

يشبه الوضع الداخلي الإيراني، إلى حد كبير، سنوات ما قبل انهيار الإتحاد السوفياتي في عهد ميخائيل غورباتشوف. حاول غورباتشوف، الذي دخل التاريخ من بابه الواسع بسبب شجاعته، اصلاح النظام من داخل وفشل في ذلك بعدما إكتشف أنّ مثل هذا الإصلاح مستحيل. أكثر من ذلك، بدأت في إيران تطلّ برأسها فضيحة الإختراق الإسرائيلي لـ”الحرس الثوري” عن طريق مساعدي قائد “فيلق القدس” إسماعيل قآني. يمكن لهذه الفضيحة أن تعني الكثير ويمكن أن تفسّر دقّة الضربات التي وجهتها إسرائيل إلى “حزب الله”… في سوريا ولبنان!

لبنان العاجز… وغياب أميركا

أمّا الملاحظة الثانية فتتمثّل في عجز لبنان عن التعاطي مع مرحلة ما بعد الضربة التي تلقاها “حزب الله”. ثمة شعور في لبنان بأنّ البلد فقد البوصلة، خصوصاً أنّ ليس لدى القوى السياسية الفاعلة، بمن في ذلك الرئيس نبيه برّي زعيم حركة “أمل” الشيعيّة ورئيس مجلس النواب، القدرة على الطلب من إيران أن تنأي بنفسها عن لبنان من جهة والتوقف عن بيع الأوهام لـ”حزب الله” من جهة أخرى.

لا شكّ أنّ اليمين الإسرائيلي سيستفيد من مرحلة تسود فيها البلبلة إيران ولبنان، لكنّ اللافت في الوقت ذاته أنّ الدولة العبريّة لا تمتلك أي مشروع سياسي

لا شكّ أنّ اليمين الإسرائيلي سيستفيد من مرحلة تسود فيها البلبلة إيران ولبنان، لكنّ اللافت في الوقت ذاته أنّ الدولة العبريّة لا تمتلك أي مشروع سياسي من أي نوع باستثناء خوض حروب ليس ضرورياً أن تتكلّل بالنجاح في المدى الطويل. يعنى ذلك بكلّ بساطة أنّ الوضع في المنطقة كلّها مقبل على مزيد من التدهور، خصوصاً في غياب الدور القيادي الأميركي في العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط والخليج…

إقرأ أيضاً: متى يستوعب الحزب أن لا عودة إلى تجربة 2006؟

يسهّل غياب الدور القيادي الأميركي على نتانياهو مهمته. لكن، هل يعرف رئيس الحكومة الإسرائيلية ما الذي يريده باستثناء متابعة حروبه واعتقاد أنّ أمامه فرصة لتحقيق هدف مستحيل هو تصفية القضيّة الفلسطينيّة؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@khairallahkhai5

مواضيع ذات صلة

وقف حرب لبنان: ركيزة الحاضنة العربيّة؟

لماذا يعطي بنيامين نتنياهو هدية لإدارة راحلة في وقت يسعى بما أوتي من تأثير إلى أن يخسر الديمقراطيون الانتخابات الرئاسية الثلاثاء المقبل؟ بعد الخيبة من…

… وتعود الكرة إلى ملعب “أبو مازن”

هذا ما سيحدث عاجلاً أم آجلاً: قد تتبلور حلول لجبهة الردّ والردّ على الردّ، وإن لم تكن نهائية وحاسمة، لكنّها وفق كلّ المؤشّرات ستظلّ محصورةً…

هل دقّت ساعة النّوويّ الإيرانيّ؟

الضربة الجوّية الإسرائيلية على إيران لم تكن “مزلزلة” كما توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تكن فتّاكة ومميتة كما هدّد وزير حربه يوآف غالانت….

هل تدركون ماذا يعني 1 تشرين الثاني الآن؟

 إنّه واحد تشرين الثاني 2024. اليوم الأوّل، من السنة الثالثة من الفراغ الرئاسي الرابع في ما بقي من دولة لبنان. وللمصادفة، هو عيد جميع القدّيسين،…