أخطأنا يوم استُهدف كمال جنبلاط ولم نجتمع. وأخطأنا يوم ضُرب المسيحيون واغتيل بشير الجميّل ولم نلتقِ. وأخطأنا يوم اغتيل رينيه معوّض ولم نتكتّل. وأخطأنا يوم سقط رفيق الحريري واضطهد ناسه ولم نتّحد.
فلا نكرّر الخطأ اليوم. ولا يكرّره أحدٌ باسم أيّ لبناني، ولا باسم أيّ شيعي.
بعد ساعات على انفجار كنيسة سيّدة النجاة في زوق مكايل، يوم الأحد في 27 شباط 1994، كان الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين في بكركي.
في الخارج كان الكلام أقلَّ ازدواجية بكثيرٍ ممّا هو اليوم.
وكان الاتّهام والاستهداف أكثر سفوراً وفجوراً. انتحى الإمام بسيّد الصرح جانباً، ثمّ دخلا معاً مكتبه الخاص.
هناك قيل أنّ كلمات قليلة من صاحب السماحة كانت كافية لطمأنة صاحب الغبطة إلى المستقبل، على الرغم من اللحظة الحمراء.
قيل أنّ الإمام أسرّ بما معناه: أنتم مستهدفون كمسيحيين. لأنّ في ذلك استهدافاً لجماعةٍ مؤسّسة للكيان. وبالتالي لكلّ وجودنا. ولذلك أنا اليوم معكم في مواجهة هذا الاستهداف…
بعد 11 عاماً تكرّر الأمر نفسه ذات 14 شباط 2005. يوم سقط رفيق الحريري.
قبلهما عرف الدروز تلك اللحظة، ذات آذار من عام 1977، يوم غُدر كمال جنبلاط جهراً.
ما الداعي لاستذكار تلك السّوابق؟
هي قوافل النازحين من جنوب الجنوب ومن جنوب بيروت. يصيرُ أهلها فجأة في مأمنٍ إذا ما خرجوا من أرض شيعية.
حتى الأمان موفورٌ في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، واللاجئين إليها من اللبنانيين. لكنّ الأمن نفسه ممنوع على الشيعة. وحدها المناطق الشيعية تحت الخطر. وحدها مستهدفة.
وسط سيل الحسابات الدولية والداخلية، الوطنية والدكنجيّة، المبدئية والمصلحية، يجب أن يخرج من يقول: نحن متضامنون مع الشيعة. ونقطة على السطر.
كما كان يُفترض أن يحصل مع المسيحيين سنة 1990 و1994. ومع السنّة سنة 2005 وما بعدها.
ومع كلّ لبناني حين يكون مستهدفاً من غير لبناني.
هي قوافل النازحين من جنوب الجنوب ومن جنوب بيروت. يصيرُ أهلها فجأة في مأمنٍ إذا ما خرجوا من أرض شيعية
وهو ما غاب جزئيّاً حيناً. وحلّت محلّه أحياناً فوائض القوّة والجهل والجنون والشماتة والكيدية والأحقاد.
متضامنون الآن مع الشيعة، لأنّنا أوّلاً بشر. هويّتنا أنّنا إنسانيون. وهذا أوّل واجب التضامن.
التّضامن الميثاقيّ
ومتضامنون ثانياً لأنّنا لبنانيون كيانيّون ميثاقيون. هذا الوطن الرائع الذي يستحقّ أن نتصالح فيه على الحياة، لا على القبور وحسب وبعد فوات الأوان.
ومتضامون مع الشيعة ثالثاً لأنّنا تعلّمنا بلحمنا ودمنا أنّ بلدنا وعيشنا معاً فيه لا يحتملان “صمت” جماعة واحدة حيال الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982. فكيف يحتملُ صمتاً أكبر اليوم؟!
ولا يحتملان ضرب “الجار السوري” للمسيحيين بعد عام 1990، ولا للسنّة قبلها وبعدها. فكيف يبلع ضرب العدوّ الصهيوني للشيعة الآن؟
ثمّ هو التضامن رابعاً، لا مع الشهداء وحسب، بل مع طائفة الشهداء أصلاً وقبلاً. هذه الجماعة المتلبننة منذ ألف عام وأكثر، والباقية كذلك على الرغم من كلّ شيء وأيٍّ كان، المنثورة قراها على حدود الكيان، والتي قاتلت كلّ الغرباء. ولم تتغرّب ولن تفعل أبداً مهما حصل.
شيعة شمس الدّين وفضل الله والسّيّد
التضامن مطلوب من كلّ الجماعات اللبنانية ومن كلّ اللبنانيين، مع جماعة الإمام موسى الصدر. أوّل من كتب مسلّمة “نهائية الكيان اللبناني”، في “وثيقة الـ 77″، لتصير محور “الثوابت الإسلامية” في أيلول 1983، وليحملها نبيه بري بعدئذ إلى مؤتمر جنيف، فتصير ثابتة، حتى بلغت “الطائف” والدستور.
التضامن مطلوب مع جماعة الإمام شمس الدين، أوّل مرجع روحي “أوصى” مؤمنيه بتعدّدية لبنان وتوافقه وشراكة سلطته وتوازن مؤسّساته.
ومع جماعة السيد محمد حسين فضل الله، أوّل من أطلق في الفكر الديني اللبناني، حرّية العقل النقدي، حتى التعرّض لكلّ اتّهام.
والتضامن مطلوب مع طائفة السيّد الشهيد، الذي أكّد في 3 كانون الأول 2013، إجماع شورى “الحزب” على نهائية الكيان اللبناني. وأكّد قبلها أنّ مقاومته إنّما هي نتاج حرّية لبنان، ابنة تعدّديّته الأبدية.
حتى الأمان موفورٌ في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، واللاجئين إليها من اللبنانيين. لكنّ الأمن نفسه ممنوع على الشيعة
التضامن الآن ليس من أجل شخص، ولا من أجل حزب وقطعاً ليس من أجل محور. بل لحماية جماعة لبنانية مؤسِّسة أصيلة. ولحماية لبنان، كلّ لبنان، بشعبه وجيشه وكلّ من يقاوم عدوّاً على أرضه.
بلى، أخطأنا يوم استُهدف كمال جنبلاط ولم نجتمع. وأخطأنا يوم ضُرب المسيحيون واغتيل بشير الجميّل ولم نلتقِ. وأخطأنا يوم اغتيل رينيه معوّض ولم نتكتّل. وأخطأنا يوم سقط رفيق الحريري واضطهد ناسه ولم نتّحد.
فلا نكرّر الخطأ اليوم. ولا يكرّره أحدٌ باسم أيّ لبناني، ولا باسم أيّ شيعي.
إقرأ أيضاً: قوّة ردع الحزب لم تردع إسرائيل: هل سنشهد غزواً بريّاً؟
المجد والخلود لشهداء لبنان. والحكمة والعقل مع نبيه بري، لحماية أهله وناسه وبلده.
الآن واجبنا أن نقول للشيعة: نحن معكم من أجل لبنان.