الشّمال يرتدي ثوب الممانعة: الحزب يستقطب صقور السُّنّة؟

مدة القراءة 6 د

قبل سنتين نشر “أساس” مقالاً يحذّر من أنّ مدينة طرابلس تسير خفيفةً نحو التآلف مع الحزب، “تحت تأثير أزمة الهويّة التائهة وغياب المشروع السياسي الحاضن”. وها هي اليوم تستعيد بامتداداتها الجيو – هويّاتية روح زمن الوصاية السورية بخطابها وأدبيّاتها، بعد قرابة عقدين من الطلاق “البائن”، وترتدي ثوب الممانعة، مكلّلاً بالكوفيّة الفلسطينية، بمباركة الحزب الذي يواصل مدّ نفوذه داخل العمق السنّي، واستقطاب صقور السنّة ومشايخهم، من الشيخ حسن مرعب “خطيب” مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة، مروراً بالشيخ بكر الرفاعي، مفتي بعلبك، وليس انتهاءً بـ”الحاج” خالد الضاهر، نائب عكار الأسبق، الذي كان رأس الحربة ضدّ الحزب والممانعة في طرابلس والشمال.

 

يبدو أنّ الأمين العامّ للحزب حينما قال “إمّا نرجع للعدّ، وإمّا كلّ واحد يعرف حجمه ويتكلّم عمّن يمثّل وبما يمثّل” لم يكن يلوّح للمسيحيين بقوّة تمثيل حزبه الشيعية فقط، بل والسنّية أيضاً. ذلك أنّ الحزب استغلّ تأييد السنّة التقليدي للقضية الفلسطينية لتغطية “حرب الإسناد”، واستثمر “آلام غزّة” من أجل توسيع قاعدة نفوذه السنّي، أو على الأقلّ البدء بمصالحة الشارع السنّي مع الشارع الشيعي، من بوّابة الحرب التي يخوضها في جنوب لبنان.

بات واضحاً أنّه خلال السنوات الأخيرة كان الحزب يقود بهدوء شديد مخطّط لصناعة تحوّل داخل الشارع السنّي، وظّف فيها مختلف أدواته الناعمة لمغازلة السنّة والتقرب منهم.

أدوات الحزب النّاعمة

عقب معركة “سيف القدس” عام 2021، بين المقاومة الفلسطينية، و”حماس” خصوصاً، وبين إسرائيل، اتّخذ الحزب من القضية الفلسطينية عنواناً لـ”الوحدة الإسلامية” مع السنّة.

مع غياب أيّ منافس جدّي، عمل الحزب على مراكمة رصيده السنّي، بداية عبر شخصيات سياسية واجتماعية غير بعيدة عنه

في الانتخابات النيابية عام 2022 امتنع عن ترشيح أيّ شخصية يمكنها أن تستفزّ الشارع السنّي في لبنان. بعد تلك المحطة صار وزيراه، علي حمية ومصطفى بيرم، وكذلك وزيره المقنّع محمد وسام المرتضى، الأقرب إليه منه إلى الرئيس نبيه بري، زوّاراً دائمين للشمال. وراحوا يعملون على مدّ جسور الانفتاح، وتطوير شبكة علاقات واسعة مع مختلف أطياف المجتمع، بالتوازي مع نشاط كبير لأذرعه الاجتماعية في مناطق ترزح تحت وطأة تأثير الأزمة الاقتصادية وانسحاب الزعماء السنّة ومؤسّساتهم الخيرية. فراح الحزب يتكفّل بإجراء عمليات جراحية صعبة وتوزيع أدوية ومساعدات عينية وغذائية على المناطق المحرومة في عكّار والشمال عموماً.

مع غياب أيّ منافس جدّي، عمل الحزب على مراكمة رصيده السنّي، بداية عبر شخصيات سياسية واجتماعية غير بعيدة عنه، ثمّ رجال دين من خارج الصفّ الأوّل، وجمعيات خيرية محلّية، إلى جانب الجماعة الإسلامية والفصائل الفلسطينية.

مع ذلك كان جزء من المزاج الشعبي السنّي لا يزال غير متقبّل لفكرة الانفتاح على الحزب. إلا أنّ عملية “طوفان الأقصى” أسقطت آخر الخطوط الحمر، وأخرجت ما كان في السرّ إلى العلن، من غزل ومحادثات بين صقور السنّة والحزب. وراح الكثير من رجال الدين البارزين من داخل دار الفتوى وخارجها، يمدّون الجسور نحو الحزب ويدافعون عنه ويمجّدون مقاتليه، وأبرزهم الشيخ حسن مرعب… وغيره.

تحوّلات الصّقور

أحدث النائب السابق خالد الضاهر مفاجأة بمواقفه الأخيرة التي أعلن فيها وقوفه إلى جانب الحزب، وإشادته بالتضحيات التي يقدّمها. ذلك أنّ الضاهر، المقاوم العتيق، وابن مدرسة الجماعة الإسلامية، الذي يصنّف من “صقور” السنّة، كان يعدّ من أبرز معارضي الحزب لسنوات خلت. وكان يصول ويجول في المنابر والتلفزيونات ضدّ “دويلة الحزب”، وينشط في التحرّك على الأرض لتشديد صلابة أبنائها ضدّ “المشروع الفارسي”.

أحدث النائب السابق خالد الضاهر مفاجأة بمواقفه الأخيرة التي أعلن فيها وقوفه إلى جانب الحزب، وإشادته بالتضحيات التي يقدّمها

تشير المعلومات المتداولة إلى حصول تواصل بين الضاهر والحزب غداة هذا التحوّل الكبير، وأنّ الأخير قد يرسل وفداً لزيارته في الأيام القليلة المقبلة. علاوة على ذلك، فإنّ الضاهر في إطلالته الإعلامية الأخيرة اتّهم الدول العربية بالتخاذل وقمع شعوبها، وبأنّها “مجرمة تشارك في قتل أهل غزة إلى جانب إسرائيل”.

الحزب

تأكيداً لذلك، شهدت طرابلس، بالتوازي مع ما قاله الضاهر، إعادة تموضع لنوّابها أفرزت تجمعيّن نيابيين:

– الأول يضم 3 نواب:  طه ناجي، كريم كبارة، حيدر ناصر. ويعد أقرب إلى الحزب، خصوصاً في زمن الحرب.

– الثاني يضم 3 نواب: أشرف ريفي، إيهاب مطر، إيلي خوري. ويمثل آخر ما تبقى من 14 آذار. وبينهما النائب المشترك جميل عبود، الذي اجتمع مع الإثنين، لكنه يعد أقرب إلى الأول تماهياً مع المناخ الطرابلسي السائد.

في حين يتمايز النائب فيصل كرامي في مواقفه خارج التجمعين.

والحال نفسه بالنسبة لنواب عكار الـ7: وليد البعريني، محمد سليمان، محمد يحيه، سجيع عطية، أسعد درغام، جيمي جبور، أحمد رستم. وكذلك بالنسبة لنواب الضنية والمنية الـ3: عبد العزيز الصمد، جهاد الصمد، أحمد الخير.

ليس بين هؤلاء النواب العشرة سوى واحد فقط يصنف من المعارضين للحزب، لكن غالبيتهم يحرصون على عدم اتخاذ مواقف علنية مؤيدة للحزب وبشكل صادم على طريقة الضاهر، حفظاً لماء الوجه مع السعودية.

انتقال صقور السنّة تباعاً إلى الضفّة الثانية من النهر ليس فقط بسبب القضية الفلسطينية، بل هو بمنزلة محاولة للحفاظ على الوجود الفردي في المستقبل

هشاشة الدّور السّنّيّ

ليس كلّ ذلك سوى نتيجة طبيعية لانعدام أيّ مشروع سياسي سنّي، وهشاشة الحضور وضعف القدرات، وغياب أيّ نقاش جدّي في دور السنّة في المعادلة السياسية الجديدة.

انتقال صقور السنّة تباعاً إلى الضفّة الثانية من النهر ليس فقط بسبب القضية الفلسطينية، بل هو بمنزلة محاولة للحفاظ على الوجود الفردي في المستقبل، حتى لو اقتضى الأمر التخلّي عن “قضية” المواجهة مع الحزب، وطيّ صفحة الثورة السورية وقضية عرب خلدة وتفجيرَي التقوى والسلام واغتيال الرئيس رفيق الحريري وغزو بيروت في 7 أيار.

إقرأ أيضاً: التكفيريون الجدد: ماذا تفعل “الحركة” وحلفاؤها في طرابلس؟

يشير المسار الحالي إلى أنّ الحزب سيكون عرّاب تشكيل اللوائح والتحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً أنّ ثمّة معلومات عن شخصيات جديدة مقرّبة من الحزب تتحضّر لخوض غمارها. وكذلك الحال بالنسبة للانتخابات البلدية.

في آذار 2011 كانت الحناجر تهتف في معرض رشيد كرامي: “الشعب يريد إسقاط السلاح”، وكانت التظاهرات تخرج تكراراً ضدّ “دويلة” الحزب. أمّا اليوم فلم يعد مستبعداً وضع شاشة عملاقة في ساحة النور بطرابلس للاحتفاء بخطاب النصر على إسرائيل لو حصل.

مواضيع ذات صلة

برّي وافق على عرض هوكستين.. ماذا عن نتنياهو؟

قبيل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، حكم كُثرٌ على الزيارة بالفشل الحتميّ. كان يكفي التعمّق قليلاً بالرسائل المشفّرة التي تضمّنتها تصريحات…

في جلسة اللّجان: الرّئيس بعد الحرب!

شهرٌ كاملٌ مرّ على العدوان الإسرائيلي الجوّي ضدّ لبنان. لم يتمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، لم تعلن حالة الطوارئ، لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية…

إسرائيل تجنّد العملاء عبر السّوشيل ميديا

“لأصدقائنا في لبنان: اتركا علينا ونحنا منهتم بمستقبلك ومستقبل عيلتك…”، هذا ليس إعلاناً لشركة تأمين، أو لجمعية غير حكومية تحاول توفير تأشيرات سفر لبعض العائلات…

هوكستين في رحلته الأخيرة: لقد قلت لكم.. ولم تصدّقوا

روايتان في بيروت. واحدة “من الداخل”، تقول إنّ الشروط الإسرائيلية التي جاء بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين باتت أصعب من الـ1701 بلاس. وأخرى تقول…