الشرق الأوسط من دون أميركا: سيناريوهات كوارثيّة

2024-04-03

الشرق الأوسط من دون أميركا: سيناريوهات كوارثيّة

“إذا كان هناك جانب واحد من السياسة الخارجية يشترك فيه الرؤساء الأميركيون باراك أوباما، دونالد ترامب، وجو بايدن. فهو رغبة الولايات المتحدة في مغادرة الشرق الأوسط. غير أنّ المزيد من تقليص دور الولايات المتحدة في هذه المنطقة أمر محفوف بالمخاطر.. فهي بدونه قد تصبح أكثر فوضوية وعرضة للحروب، وتصبح الأنظمة المناهضة لأميركا فيه أقوى وأكثر رسوخاً”.

الخروج الأميركي من الشرق الأوسط أطال في تفنيده الباحث الأميركي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومدير برنامج الدراسات الأمنيّة في جامعة جورج تاون دانييل بايمان  في مجلة “فورين أفيرز” .

أين أخفقت أميركا في الشرق الأوسط؟

أشار بايمان في مستهل مقالته إلى مواقف إغفال الولايات المتحدة الأميركية للمشاكل الكثيرة في الشرق الأوسط وإخفاقات سياستها:

1- توقّف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي دعمتها واشنطن بعد بعض الإنجازات الأوّلية مثال اتفاقيات أوسلو.

2- ظهور الإرهاب وعدم الاستقرار بعد تغيير النظام في العراق إثر الإطاحة بصدّام حسين عام 2003 ومهاجمة الجماعات المسلّحة المدعومة من إيران القوات الأميركية في العراق.

3- عدم حرص دول الشرق الأوسط، على الأقلّ في خطابها، على بقاء الولايات المتحدة. وتزايد الضغوط في العراق من أجل انسحاب أميركي كامل.

4- تفكير الولايات المتحدة في سحب قوّاتها من سوريا، لاعتقادها أنّ تنظيم الدولة الإسلامية قد أُضعف بما فيه الكفاية وخشيةً من هجمات الجماعات الوكيلة لإيران.

5- تقليص الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط إلى أقلّ بكثير ممّا كان عليه في الماضي.

أشار بايمان في مستهل مقالته  إلى مواقف إغفال الولايات المتحدة الأميركية للمشاكل الكثيرة في الشرق الأوسط وإخفاقات سياستها

إنجازات الوجود الأميركيّ

في رأي بايمان “تغفل هذه النظرة المتشائمة إلى سجلّ الولايات المتحدة وآفاقها في المنطقة الإنجازات الأميركية المهمّة، وإن كانت أقلّ إثارة:

1- الوجود العسكري الأميركي القويّ يمنع سلسلة متنوّعة من إجراءات الخصوم والحلفاء التي قد تجعل المنطقة أقلّ استقراراً وتولّد المزيد من الصراعات الأهليّة، والانتشار النووي، والتدخّلات الخطيرة، وغيرها. ولذلك الحفاظ على وجود عسكري أميركي ولو محدوداً يعدّ أمراً حيويّاً للتخفيف من هذه المخاطر، حتى لو فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها الإقليمية الطموحة.

2- الوجود الأميركي ساعد في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها. ففي غزة ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل علناً وسرّاً لتقليل عدد الضحايا في سياق ردّ الفعل الدولي. ويبدو أنّ الضغط الأميركي قد غيّر مسار الاستراتيجية الإسرائيلية، حتى لو كان إلى حدّ قليل فقط ومتأخّراً جداً.

3- منعت جهود الولايات المتحدة نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. بعد أسابيع من 7 أكتوبر (تشرين الأول)، منعت إدارة بايدن إسرائيل من شنّ حرب استباقية ضدّ الحزب في لبنان، كان يمكن أن توسّع بشكل كبير نطاق وحجم الصراع الحالي، وأن تدفع لبنان، الذي يعاني بالفعل من فوضى اقتصادية، إلى الهاوية، وتحوّله إلى دولة مفلسة حقيقية.

4- تحرّكت إدارة بايدن لردع إيران، راعية الحزب، عن استغلال الصراع الحالي. وبعد 7 أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة حاملتَي طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وحذّرت طهران من تصعيد التوتّرات مع إسرائيل. كما هاجم بايدن أيضاً وكلاء إيران ردّاً على هجمات على القوات الأميركية في المنطقة. وساهمت هذه الضمانات والموقف العسكري المعزّز في ردع إيران كما في منع إسرائيل من ضربها.

رأى بايمان أنّ أهمّ عواقب الوجود الأميركي الدائم في الشرق الأوسط هي الأحداث الخطيرة التي لا تحدث لأنّ الولايات المتحدة لا تزال هناك

5- حقّق الردّ الأميركي على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بعض النجاحات. سمح وجود قوّة العمل التي تقودها الولايات المتحدة لبعض عمليات الشحن بالاستمرار. وهذا أمر بالغ الأهميّة لاقتصادات مصر والأردن، وإسرائيل أيضاً. والأهمّ من ذلك، أنّ إدارة بايدن دافعت عن مبدأ حرّية البحار. وأوضحت أنّ الولايات المتحدة ستردّ على أيّ محاولات لتعطيل التجارة وستحمي المصالح الاقتصادية لحلفائها عندما تتعرّض للتهديد.

6- تتمتّع إيران بنفوذ هائل في العراق، لكنّ هذا النفوذ سيكون أقوى بدون وجود قوات أميركية لمعادلته. وفي العراق وسوريا، تعمل القوات الأميركية مع حلفاء محلّيين لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وبدون توفير الولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية والتدريب والقوّة النارية لحلفائها. سيكون تنظيم الدولة الإسلامية أكثر قدرة بكثير على إعادة تجميع صفوفه وزيادة نفوذه المحلّي وقدرته على شنّ هجمات إرهابية دولية.

.. وكوارث عدم وجوده

رأى بايمان أنّ أهمّ عواقب الوجود الأميركي الدائم في الشرق الأوسط هي الأحداث الخطيرة التي لا تحدث لأنّ الولايات المتحدة لا تزال هناك:

1- قد تهاجم إيران، على سبيل المثال، الشحن في مضيق هرمز، حيث يمرّ حوالي 20% من استهلاك النفط العالمي، كوسيلة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة. وقد تتسبّب مثل هذه الهجمات في ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل كبير، وهو ما قد يدفع العالم إلى الركود. والضربات التي شنّتها إدارة بايدن على الحوثيين تجعل التحذيرات الأميركية بشأن مضيق هرمز أكثر مصداقية.

2- في غياب القوات الأميركية، ستكون طهران أكثر حرّية في إثارة عدم الاستقرار الإقليمي أو مهاجمة الدول الخصمة. وقد تقوم بتطوير أسلحة نووية، ومواصلة توسيع نفوذها في الدول المجاورة مثل العراق، لتحويلها إلى دولة تابعة.

سيكون للانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط أيضاً تداعيات على أجزاء أخرى من العالم

3- قد يردّ الحلفاء على تخلّي الولايات المتحدة عن المنطقة بطرق خطيرة ومدمّرة للذات. ومن دون ضمانات أمنيّة أميركية موثوقة، يمكن لإسرائيل، ليس فقط مهاجمة الحزب، بل أيضاً البرنامج النووي الإيراني، وهو ما قد يدفع إيران والجماعات المسلّحة التي تقودها إلى الردّ بكامل قوّتها. وقد يرغب حلفاء آخرون تحت المظلّة الأمنيّة الأميركية، بما في ذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة، في تولّي الأمن بأيديهم، بما في ذلك من خلال محاولة بناء سلاح نووي، أو شرائه.

4- قد تصبح سياسة إسرائيل الخارجية أسيرة لسياساتها الداخلية المنقسمة. فمن دون هذه الضغوط الخارجية، قد يرضخ القادة الإسرائيليون لتأثير اليمين المتطرّف الصاعد ويتحرّكون لضمّ الضفة الغربية. أو استعادة المستوطنات في غزة. أو اتّخاذ خطوات تحريضية أخرى من شأنها أن تفاقم التوتّرات الإقليمية.

5- سيكون للانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط أيضاً تداعيات على أجزاء أخرى من العالم، مثل آسيا وأوروبا. طمأن الدعم الأميركي لأوكرانيا العديد من الذين يخشون الغزو الصيني لتايوان. وعلى النقيض من ذلك، إذا لم تدعم الولايات المتحدة حليفاً في الشرق الأوسط في حالة العدوان الإيراني أو المتشدّد، فإنّها سترسل رسالة إلى حلفاء آخرين قدامى في العالم مفادها أنّ الولايات المتحدة لن تدافع عنهم إذا تعرّضوا للهجوم.

قد يؤدّي انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة إلى خلق فراغ في السلطة قد تستغلّه الصين أو روسيا أو غيرهما

6- قد يؤدّي انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة إلى خلق فراغ في السلطة قد تستغلّه الصين أو روسيا أو غيرهما. وستسعى السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى إلى ردع إيران، واحتواء الجماعات الإرهابية، ودرء التهديدات الأخرى. وإذا لم تتمكّن الولايات المتحدة من تقديم المساعدة والضمانات الأمنيّة بشكل موثوق، فإنّ هذه الدول ستبحث في أماكن أخرى. إنّ مغادرة الشرق الأوسط تفتح الطريق أمام هذه القوى المتنافسة لزيادة نفوذها، وهو ما يشكّل انتكاسة كبيرة في سياق المنافسة بين القوى العظمى.

إقرأ أيضاً: رصيف بايدن “حصان طروادة” الإسرائيليّ

ختم بايمان محذّراً من أنّ ” تقليص دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط قد يجعلها أكثر فوضوية وعرضة للحروب. وتصبح الأنظمة المناهضة لأميركا أقوى وأكثر رسوخاً. وبالتالي فإنّ الوجود الأميركي المحدود، على الرغم كلّ مشاكله، أفضل من عدم وجوده على الإطلاق”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان: نتنياهو.. زعيم صغير في عصر عظيم؟

الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان مقالة يصف فيها اللحظة الحاليّة بأنّها حاسمة، إذ ستكشف ما “إذا كان نتنياهو الذي قدّم باستمرار مصالحه الشخصية على…

درعا تنتفض والأسد ينهار؟

بعد سنوات من النهاية المفترضة للحرب الأهلية في البلاد، بدأت سيطرة الأسد تتفكّك مرّة أخرى، إذ طفح الكيل بشعب جنوب سوريا، ويبدو أنّ الأزمة تتطوّر…

عندما ابتسمت ميلاني ترامب

“في ميلووكي في الليلة الأخيرة من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، اختارت ميلاني ترامب السيّدة الأولى السابقة عدم التحدّث. ارتدت بدلة حمراء زاهية من ديور، مصمّمة…

فريدمان: بايدن وترامب “روليت روسية بمسدّس محشوّ بالكامل”

في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ “المرشّحَين حاليّاً للرئاسة الأميركية جو بايدن ودونالد ترامب غير مؤهّلَين لهذا المنصب: فالأوّل رجل طيّب يعاني…