هل “7 أكتوبر” كانت تستحقّ كلّ هذا الثمن؟

2024-03-17

هل “7 أكتوبر” كانت تستحقّ كلّ هذا الثمن؟

مدة القراءة 8 د.

حان الآن، في هذه المرحلة التاريخية، التوقّف بموضوعية. وبعيداً عن أيّ انحياز أيديولوجي أو مصالح إقليمية ضيّقة. لمحاسبة شفّافة وعلنيّة لـ”الحركة”، أمام التاريخ والرأي العامّ. لسؤالها عن 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، وعمّا إذا كانت تستحقّ كلّ هذا الثمن.

لا يحقّ لأيّ مراقب للأحداث أن يتّهمني بأنّني أستخدم منطق “الليكود العربي”، الذي بدأ منذ اليوم الأوّل بالهجوم والتطاول على حماس. فهذا يتّضح ممّا كتبته أو قلته في وسائل الإعلام دفاعاً عن حقّ المقاومة.

بالنسبة إلى ما حدث يوم 7 أكتوبر، يتعيّن عليّ قبل المحاسبة أن أوضح 4 نقاط أساسية:

أوّلاً: إنّني أؤمن بأنّ إسرائيل عدوّ استيطاني احتلاليّ يريد إبادة الشعب الفلسطيني. وأنّ هدف أيّ فلسطيني هو تحرير الأراضي بكلّ الوسائل المتاحة. سواء بالمقاومة الشرعية أو عبر المفاوضات القائمة على القوانين العمليّة ذات الصلة.

ثانياً: إنّني منذ 7 أكتوبر حتى لحظة كتابة هذه السطور لم أنتقد ما قامت به كتائب القسّام. لأنّ من العار التطاول على من يقاوم المحتلّ أثناء تقديمه الشهداء والجرحى دفاعاً عن مبدأ التحرير.

ثالثاً: إنّ تحرير الأرض على مرّ التاريخ لا يعني أبداً الحماقة السياسية أو تكبّد أثمان بشرية ومادّية لا مبرّر لها لو كان من الممكن الاستغناء عنها.

رابعاً: إنّ أيّ حركة مقاومة شعبية على مرّ التاريخ يتعيّن عليها كخطوة أولى الفهم العميق للظرف التاريخي. والقراءة العميقة لموازين القوى الإقليمية والعالميّة. والحساب الدقيق لتكاليف أيّ فعل أو ردّ فعل على هذا الفعل.

“كشف حساب” مع “حماس”

بناء على هذه القواعد يمكن قراءة وفهم السطور التالية التي تتضمّن كشف حساب مع حماس.

في البدء هناك أرقام لا تكذب حول كلفة العملية حتى كتابة هذه السطور:

1- الشهداء: قرابة 32 ألفاً، 70% منهم أطفال ونساء وشيوخ.

2- الجرحى: 110 آلاف مصاب. ثلثهم حسب تقارير وزارة الصحّة الفلسطينية مصابون بجراحات معوّقة بشكل دائم.

ارتفعت حالة الطوارئ المدنية في لبنان وتقلّص الاقتصاد اللبناني خوفاً من اندفاع العمليات وخطر إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها باحتلال جنوب لبنان

3- الخسائر المادّية: حتى الآن فقدَ قطاع غزة (360 كلم2) حوالي 65% من كتلته العمرانية أي المساكن. ووصلت المستشفيات والمدارس والمتاحف والمباني الحكومية والثقافية والرياضية وأماكن العبادة إلى حالة التدمير الكامل أو الخروج عن العمل.

4- تكلفة إعادة الإعمار: حسب التقديرات الدولية سوف تكلّف إعادة بناء وترميم القطاع ما بين 70 و80 مليار دولار بأسعار اليوم.

5- الخسائر الإنسانية: تمّ تهجير سكان القطاع بين مرّتين و6 مرّات في غضون 160 يوماً. ووصل الحال إلى اكتظاظ 1.7 مليون نسمة في مساحة 51 كلم2 في رفح. وبلغ عدد المفقودين. سواء بالاختفاء أو عدم الاستدلال عليهم أو الدفن تحت أنقاض وركام البيوت المهدّمة. ما يتجاوز 12 ألف مدني.

7 أكتوبر

6- الخسائر العسكريّة: تقول أو تدّعي إحصاءات وزارة الحرب الإسرائيلية أنّها فقدت 1,200 مواطن يوم 7 أكتوبر بين قتيل ومصاب ومخطوف.

وتدّعي هذه الإحصاءات أنّ إسرائيل فقدت قرابة 3 آلاف ضابط وجنديّ في المعارك. وأنّ عدد الجرحى وصل إلى 7 آلاف جميعهم في حالة دقيقة.

وتدّعي إسرائيل أنّها أبادت في عمليّاتها 8 آلاف أو 17 كتيبة من كتائب حماس. وأنّها تطارد وتحاصر الآن الخمس كتائب الباقية في أنفاق خان يونس وجنوب رفح.

من ناحية أخرى تقول حماس إنّ إسرائيل تكذب في عدد خسائرها. وإنّها كبّدت الجيش الإسرائيلي من الخسائر البشرية والعتاد العسكري 5 أضعاف ما أعلنته إسرائيل.

تتحدّث التقارير المحايدة عن أنّ إسرائيل تكبّدت ما بين 50 إلى 100 مليون دولار يومياً طوال أيام القتال. وأنّ ثلث قوّة العمل المدنية تعطّلت بسبب التجنيد الإجباري في الحرب. وأنّ السياحة في إسرائيل فقدت 70% من أعدادها. وأنّه في مستوطنات قطاع غزة ومستوطنات الجبهة الشمالية تمّ تهجير أو نزوح ما بين 200 إلى 220 ألف إسرائيلي إلى أماكن بعيدة في العمق الإسرائيلي لحمايتهم من صواريخ وعمليات القسّام.

تقول أو تدّعي إحصاءات وزارة الحرب الإسرائيلية أنّها فقدت 1,200 مواطن يوم 7 أكتوبر بين قتيل ومصاب ومخطوف

أسوأ كارثة إنسانيّة وصحّيّة وغذائيّة

بالطبع غنيّ عن القول إنّ الحالة الصحّية المزرية صنّفتها الأمم المتحدة بأنّها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية من حيث الصحّة ونقص الغذاء في التاريخ المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية.

بالطبع لا داعي لتكرار وصف أوضاع أهلنا في فلسطين من حيث نقص الطاقة والمياه والكهرباء. وفقدان الاتصالات واختفاء الغذاء والكساء والأدوية وعلاجات السرطان وحضانات الأطفال ومرضى الغسل الكلويّ وتشريد دور الأيتام.

هنا وهنا فقط نسأل: هل غاب عن قيادة القسّام وهي تخطّط لعملية 7 أكتوبر توقّع ردّ الفعل الوحشيّ الانتقامي الذي سوف يقدم عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي؟

لا يمكن القول إنّ ردّ الفعل هذا كان مفاجئاً. لأنّه صورة طبق الأصل لردّ الفعل نفسه في 4 حوادث صراع سابقة. وإن كانت هذه الخامسة هي الأكثر وحشيّة من ناحية قوّة النيران وطول مدّة زمن القتال.

من هنا أيضاً نسأل إذا صحّت مقولة اتّفقت عليها كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة والحزب. وهي أنّ قيادة القسّام في غزة هي وحدها التي حدّدت زمان ومكان وحجم وشكل عمليّة يوم 7 أكتوبر.

5 أسئلة جوهريّة لحماس

بناء على هذه الحقيقة التي لم ينكرها العدوّ ولا الصديق لحماس. فإنّ مسؤولية أخلاقية ومادّية تقع على قيادة القسّام. وأيّ مردود سلبي أو إيجابي يحسب لها أو عليها.

هنا نسأل 5 أسئلة جوهرية:

أوّلاً: لماذا لم تخطّط قيادة حماس، وهي تتولّى الإدارة المدنية الكاملة لقطاع غزة منذ 16 عاماً، بناء ملجأ واحد لسكّان القطاع. بينما قامت ببناء أنفاق لها بطول لا يقلّ عن 500 كلم تحت قطاع غزة؟

ثانياً: لماذا لم تقُم قيادة حماس وهي تعدّ لعمليّتها هذه بتخزين أدوية وغذاء ومحروقات للسكان. خاصة أنّها كانت تتلقّى 30 مليون دولار شهرياً من قطر. بالإضافة إلى المساعدات الإيرانية. وهي تتلقّى أجور ورواتب موظّفي القطاع من السلطة في رام الله؟

هل غاب عن قيادة القسّام وهي تخطّط لعملية 7 أكتوبر توقّع ردّ الفعل الوحشيّ الانتقامي الذي سوف يقدم عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي؟

ثالثاً: لماذا لم تعطِ قيادة القسّام التعليمات لقوّاتها يوم 7 أكتوبر باقتصار الأهداف البشرية على العسكريين فحسب، والابتعاد عن أسر الأطفال والنساء؟

– ففي هذه الحالة كان التوصيف القانوني والأخلاقي للعملية سوف يختلف. إذ سيكون عملاً عسكرياً مقاوماً ضدّ أهداف عسكرية لقوات الاحتلال. الأمر الذي كان سيسقط ذريعة مقولة “حقّ إسرائيل في الدفاع الشرعي والكامل عن نفسها إزاء العمليات الإرهابية”.

رابعاً: إذا كانت العملية، كما اتّفق الجميع، قراراً منفرداً من قيادة القسام، فإنّ هذا العمل، سواء أردنا أو لم نرِد، له فاتورة دفعتها وتدفعها المنطقة والعالم.

مثلاً انخفص عدد المعاملات البحرية في البحر الأحمر بنسبة 70% بسبب صواريخ الحوثي. وارتفعت أسعار التأمين والبضائع والطاقة المنقولة. وانخفض دخل قناة السويس اليوميّ بنسبة 50%. وهو ما أثّر سلباً على موارد العملة الصعبة لمصر.

7 أكتوبر

تمّ تهجير 100 ألف لبناني من الحزام السكّاني في جنوب لبنان.

تأثّرت أيضاً حركة السياحة في المنطقة. وهو مورد أساسي للدخل لكلّ من مصر ولبنان والعراق.

بلغت مبدئياً قيمة تبرّعات دول المنطقة ومعوناتها المتعدّدة لغزّة ما يتجاوز 2 مليار دولار. تُضاف إليها تكاليف النقل البرّي والبحريّ والإسقاط الجوّي.

لا يحقّ لأيّ مراقب للأحداث أن يتّهمني بأنّني أستخدم منطق “الليكود العربي”، الذي بدأ منذ اليوم الأوّل بالهجوم والتطاول على حماس

خامساً: نأتي إلى الخطر الأكبر، وهو تهديد الأمن القومي لثلاث دول رئيسية في المنطقة على الأقلّ:

– ارتفعت حالة تعبئة القوات المصرية إلى أعلى درجة منذ حرب أكتوبر في سيناء. وذلك قبالة معبر رفح. بسبب خطر قيام إسرائيل بتفريغ وسط وجنوب رفح من السكّان.

– ارتفعت حالة الطوارئ المدنية في لبنان وتقلّص الاقتصاد اللبناني خوفاً من اندفاع العمليات وخطر إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها باحتلال جنوب لبنان.

– تأثّر وضع الاستقرار المدني في الأردن، الذي ينحدر ثلثا سكّانه من أصول فلسطينية. وذلك نتيجة تهديد الرئيس اليمينيّ الإسرائيلي بتهجير السكان من الضفة نحو الأردن.

أخيراً لا يغيب عن الجميع قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتسليح المستوطنين بأكثر من 20 ألف مدفع رشّاش واعتقال أكثر من 3 آلاف مواطن في الضفة والقدس

وفرض قيود مخيفة على المصلّين في المسجد الأقصى.

إقرأ أيضاً: مستقبل غزة: إدارة إسرائيليّة كاملة

سؤال الأسئلة الذي أطرحه، قسماً بالله، بتجرّد شديد، هو: هل عملية 7 أكتوبر كانت بحساب الأرباح والخسائر تساوي كلّ هذه الفاتورة؟

اسألوا عقولكم وضمائركم.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Adeeb_Emad

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…