عقوبات واشنطن: لا طعم ولا لون

مدة القراءة 5 د

العقوبات الأميركية البريطانية المشتركة على نائب قائد فيلق القدس الإيراني محمد رضا فلاح زاده، وعضو ميليشيا الحوثي اليمنية إبراهيم الناشري، وما سبقها من عقوبات إستهدفت قادة حوثيين مطلع العام، بالاضافة إلى قرار واشنطن إعادة تصنيف ميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية، تكشف عن ارتباك سياسة واشنطن في الشرق الأوسط أكثر مما تقول عن عزم والتزام الولايات المتحدة.

تعطي هذه العقوبات الأميركية البريطانية الانطباع بأنها بمثابة إجراءات رمزية أو إجراءات لحفظ ماء الوجه. بدلاً من أن تكون أفعالاً مؤثرة قادرة على تغيير السلوكيات الاستراتيجية لإيران بشكل كبير أو الحدّ من تأثيرها الإقليمي.

لا ثقة بجدية الولايات المتحدة

فهي تفتقر لأي استراتيجية شاملة تتناول بشكل مباشر الأسباب الجذرية لمشكلة إيران في الشرق الأوسط ولا تتعرّض بشكل فعال للشبكة الواسعة لأنشطة إيران الإقليمية، مكتفيةً بمعاقبة أفراد ومسؤولين.

ولأنها كذلك، تثير هذه العقوبات قلق حلفاء الولايات المتحدة أكثر مما تطمئنهم بسبب شكوكهم بشأن فعاليتها وضبابية الاستراتيجية الأمريكية الأوسع. ما يشير إلى رغبة هذه الدول، في أن تتبع واشنطن نهجاً أكثر صرامة وتنسيقاً لمواجهة تأثير إيران وأفعال وكلائها.

فالإشارات المختلطة التي بعثت إدارة الرئيس جو بايدن من خلال تخفيف العقوبات في البداية، ثم فرض عقوبات جديدة، وإزالة الحوثي عن لوائح المنظمات الارهابية ثم إعادته… تولد انطباعات سلبية بشأن جديّة السياسة الأمريكية.

فشل سياسة ترامب أيضاً

ولئن كان تاريخ تجربة العقوبات يشير إلى أنها نادراً ما تكون فعالة في تغيير الخيارات الاستراتيجية لإيران أو تقليل دعمها للميليشيات في الشرق الأوسط، فإنها في حالة إدارة بايدن تبدو بلا فائدة جدية تذكر. بل إنّ سياسة بايدن بدّدت الآثار الهائلة التي ترتبت على إيران جراء سياسات العقوبات القصوى التي مارستها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

تستمر الثقة بين واشنطن وحلفائها في التآكل. لتفتح الباب أمام تصعيد التوترات والصراعات وتحفيز إيران علي إنتهاج سياسات أكثر عدوانية في المنطقة

فقد أدّت حملة ترامب “الضغط الأقصى”، إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني بشكل كبير. كما يتضح من الانخفاض الصارخ في إجمالي احتياطياتها الرسمية من 122.5 مليار دولار في عام 2018 إلى 4 مليارات دولار فقط بحلول عام 2020، وفقاً لصندوق النقد الدولي. يشير هذا الانكماش الاقتصادي إلى التأثير الملموس الذي خلفته الحملة. وإن فشلت في إرغام إيران على إعادة التفاوض بشأن مشروعها النووي وسلوكياتها الإقليمية بشكل شامل.

في المقابل إختارت إدارة بايدن تخفيف العقوبات والعمل من أجل العودة إلى الاتفاق النووي 2015. وذلك عبر تكثيف العمل الديبلوماسي وسياسات حسن النوايا. وليس سراً أنّ مثل هذه الخيارات أضعفت النفوذ الأمريكي، وعزّزت النفوذ الإيراني. نتيجة تخفيف القبضة الاقتصادية الخانقة من دون الحصول على تنازلات كبيرة. في حين لو سُمح لـسياسة “الضغط الأقصى” بالنضج في ظل استمرار التنفيذ الصارم، فالأرجح أن كان يؤدي ذلك نتيجة مختلفة. ما كان سيجبر إيران على إجراء مفاوضات أكثر جوهرية.

واشنطن

بايدن لم ينجح أيضاً

المثير فعلاً، إنّ المدافعين عن سياسة بايدن في الشرق الأوسط، يجادلون بأنها أكثر فعالية مما تبدو. ويستشهدون بأنّ الأداء الأميركي منع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من التصعيد بشكل أكبر. ويشدّدون على توازن الموقف الاميركي حيال أطراف الصراع. ويشيدون بما يصفونه “الإدارة الناجحة للتعقيدات الجيوسياسية”. ويحتفل هؤلاء بأنّ إدارة بايدن تجنّبت حتى الآن صراعاً أوسع مع إيران. وأنها خفّضت الهجمات التي تشنّها الميليشيات الايرانية لا سيما في العراق وسوريا.

طبعاً يتعارض هذا الأداء الأميركي، مع ما يفضله حلفاء الولايات المتحدة:

– من نظام عقوبات متعدّد الجوانب، يستهدف القطاعات الاقتصادية الرئيسية.

– ويقترن بإنشاء آليات تنفيذ قوية.

– ويعتمد التلويح بالقوة العسكرية الحاسمة إذا لزم الأمر  كما كان الحال إبّان فترة العقوبات القصوى التي فرضتها إدارة ترامب.

لا شهية لدى أي من حلفاء واشنطن أن يعطيها شيكاً على بياض. أو أن يتلقف عقوباتها على إيران وميليشياتها بأكثر مما هي بالفعل

في غياب كل ما سبق، تستمر الثقة بين واشنطن وحلفائها في التآكل. لتفتح الباب أمام تصعيد التوترات والصراعات وتحفيز إيران على إنتهاج سياسات أكثر عدوانية في المنطقة. إنّ نقص الثقة هذا، الناجم عن التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، والمصالح المتباينة بشأن القضايا الحاسمة مثل التهديد النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يؤدّي حكماً إلى بيئة أمنية متقلّبة.

في هذا السياق تبرز إسرائيل كأبرز الدول التي يعتريها الشك، بخصوص التزام الولايات المتحدة ووضوحها الاستراتيجي. وهو ما يفسر ذهابها بعيداً في إجراءات أحادية تؤدّي إلى تعقيد الديناميكيات الإقليمية.

إقرأ أيضاً: هل ثمّة شيء اسمه “وكلاء إيران”؟

والحال، لا شهية لدى أي من حلفاء واشنطن أن يعطيها شيكاً على بياض، أو أن يتلقف عقوباتها على إيران وميليشياتها بأكثر مما هي بالفعل. خطوات لحفظ ماء الوجه، وتعبير صارخ عن تناقض أولويات واشنطن وعدم وضوح رؤيتها الاستراتيجية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@NadimKoteich

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…