هكذا خسر الحريري نفسه

مدة القراءة 4 د


في العام 2014، وقبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، شهدت باريس لقاءات عديدة بين الرئيس سعد الحريري، وبين رئيس تكتل التغيير والإصلاح حينها ميشال عون وصهره جبران باسيل. الهدف هو البحث عن إمكانية الوصول إلى تفاهم رئاسي. تعرقل هذا المشروع في حينها بسبب موقف المملكة العربية السعودية، وتحديداً وزير الخارجية سعود الفيصل. كان الفيصل بعيد النظر ويعلم أنّ انتخاب عون لرئاسة الجمهورية سيكون عنواناً لتخريب لبنان، والتخريب له معناه البعيد والعميق ولا ينطلق من حسابات سياسية آنية أو مصلحية.

في تلك الفترة بدأ الرئيس سعد الحريري يخسر نفسه، وبدأ لبنان والطائف يخسرانه. حينها مهّد الحريري لاحتمال التوافق مع ميشال عون، بخلاصة ادّعى أنّه توصل إليها، وهي منقسمة إلى نقطتين:

 الأولى أنّ إتفاق الطائف قد ظلم المسيحيين وتسبّب باضطهادهم، ولا بدّ من إصلاح الخلل الذي نجم عنه.

 والثانية أنّ المسيحيين قد ظُلموا عندما تمّ استبعاد ميشال عون من التحالف الرباعي ومن إيصاله إلى رئاسة الجمهورية. وحمّل الحريري مسؤولية ذلك يومها إلى وليد جنبلاط، معتبراً أنّه أخطأ في الموافقة على ما طرحه جنبلاط.

عندما سمع أحد المخضرمين كلام الحريري هذا، أصيب بصعقة سياسية، فحاول مع بعض رفاق الرئيس الشهيد رفيق الحريري اللقاء بسعد، لشرح وجهة نظرهم حول الطائف والبلد. لكنّ الرجل كانت حساباته قد أصبحت في مكان آخر.

كان رئيس تيار المستقبل مجرد مُستخدَم في هذه اللعبة الجهنمية، دون أن يعنيه سوى موقع رئاسة الحكومة

يومها أيقن كلّ من اجتمع بالحريري أنّ الرجل تغيّر كثيراً. إستخدم أحدهم عبارة أنّ “الرجل أصبح مبرمجاً بطريقة غريبة وغير قادر على التفكير خارج هذا السياق”. البرمجة التي تملّكت الحريري وتمكّنت منه، دفعته إلى خيارات سياسية قاتلة، وهي تجلّت في خاتمتها بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية مقابل عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة.

من يطّلع على خبايا العمل الدولي لإقناع الحريري بهذه التسوية، يعلم أنّ المسألة أبعد بكثير من مجرد تفاصيل لبنانية، وهي تتماهى مع تحوّلات كبرى تقبل عليها منطقة الشرق الأوسط.

عون، في تحالفه مع حزب الله اجتمعا على عنوان أساسي وواحد، وهو إنهاء إتفاق الطائف ومواجهته، وإسقاط النموذج الإقتصادي والمصرفي اللبناني.

كان رئيس تيار المستقبل مجرد مُستخدَم في هذه اللعبة الجهنمية، دون أن يعنيه سوى موقع رئاسة الحكومة. لم يكن بسيطاً حضور رموز الوصاية السورية إلى جانب ميشال عون وحزب الله. فقد عادت أسماء أساسية إلى لعب أدوار مركزية على الساحة اللبنانية:

 سليم جريصاتي ثابت الدور في قصر بعبدا، وهو صاحب الإقتراحات الدستورية والفتاوى التي لا تهدف إلاّ لتخريب الطائف.

 كريم بقرادوني المستشار الملهم سياسياً.

 وجميل السيد أحد أبرز الرموز في الترتيبات التقنية والألاعيب الأمنية في السياسة ومألاتها.

 تحوّل الحريري في هذه المعادلة إلى مجرد كومابرس متفرّج، دفع ثمن تسويته شعبياً، سياسياً، وسيكون تأثيره كبيراً على بنية النظام اللبناني برمّته.

في العودة إلى الخطّ البياني الإستراتيجي للتحوّلات السياسية في لبنان، كان من المستحيل إخراج الجيش السوري بدون دماء رفيق الحريري، ومن المستحيل تخريب لبنان وتقسيمه طوائفياً وفدرالياً عبر شعارات اللامركزية الموسعة إلا بوجود شخص من طينة ميشال عون، على رأس السلطة. وما يعيشه لبنان هو تداعيات هذين الحدثين الكبيرين. وقد استحوذ حزب الله من خلالهما على سطوة سياسية لا مثيل لها في لبنان ربطاً بتطورات المنطقة، واستعاد رموز الوصاية السورية أدوارهم البارزة في رسم معالم الوضع السياسي. كل هذا وصولاً إلى تكليف بعيد عن الأعراف والتوازنات لرئيس حكومة يعمل جميل السيد وجريصاتي على تشكيل حكومته، فيما يغيب السنّة عن تأدية دورهم التاريخي والمحوري في تكوين السلطة والحفاظ على ما تبقّى من مؤسسات في الدولة.

في الخلاصة لا يمكن الركون إلى الخسارة، وإذا ما ارتضى الحريري الخسارة لنفسه، لا يمكن للسنّة أن يخسروا دورهم التاريخي في بناء الدولة والحفاظ عليها بعيداً من الغرق في الحسابات المذهبية والطائفية والشخصية.

مواضيع ذات صلة

فلسطين أم خيبر؟! لبنان أم كربلاء؟!

نهجان يقرآن أزمة لبنان. نهجٌ يرى أنّنا في مواجهة عمرها 1,400 عام. ونهجٌ آخر لبناني يرى أنّ الأزمة هي في كيفية إبقاء قضية فلسطين بوجه…

أين بيروت التي “تحترق ولا ترفع رايةً بيضاء”؟

بدت بيروت يوم الخميس الفائت، بعد تحليق طائرة استطلاع وخمسة إنذارات كاذبة تنذر بقصف إسرائيلي، مدينةً لا تشبه تلك التي كانت هنا وفيها وُلدنا ونشأنا…

بلينكن وهوكستين… مبعوثا الوقت الضائع

الحرب تزداد اشتعالاً في غزة، ولا مؤشرات على توقفها، وكذلك الحرب على الجبهة الشمالية، تشتد كل يوم وتتصاعد وتتضاعف أهدافها. تحت ضغط القتال على الجبهتين…

أمور خطيرة ليست للرّؤية ولا للكتابة؟

 هل هناك عصر إسرائيلي مقبل؟ لا يبدو ذلك صحيحاً على الرغم من تأكيدات نتنياهو. فالقضية الفلسطينية هي همٌّ عالمي وليست همّاً عربيّاً وحسب. أمّا الميليشيات…