الكورونا يطيّر الحفر النفطي في لبنان ولا إرتفاع لأسعار النفط عالمياً

2020-04-05

الكورونا يطيّر الحفر النفطي في لبنان ولا إرتفاع لأسعار النفط عالمياً

 

إنتهى اتفاق “أوبك +” في الأول من شهر نسيان وأصبحت الدول المشاركة في هذا الاتفاق طليقة اليد لإنتاج النفط والغاز كما تريد. السعودية لم تعد مقيّدة بإنتاج 9.7 مليون برميل في اليوم وبدأت بزيادة الإنتاج حتى الوصول إلى 12.3 برميل في اليوم، كما أعلنت الأمر ذاته روسيا، الشريك الأكثر تأثيرًا في اتفاقية “أوبك+”، ولم تعد معنيّة بضبط الإنتاج.

خلال الأسبوع الماضي، لم تكن الأطراف المعنيّة الأساسية، أي السعودية وروسيا، مهتمة بأيّ مساعٍ أو محادثات للحدّ من انهيار الأسعار. أما هذا الأسبوع فقد شهد تطوّرًا مهمًّا إذ أعلن الرئيس الأميركي أنه تكلّم عبر الهاتف مع الرئيس الروسي وولي العهد السعودي وتمنّى عليهما العودة إلى طاولة المحادثات متأملاً أن يخفّض الفريقان الإنتاج حتّى 15 مليون برميل. كان “التويت” الأميركي مبهمًا ولم يفهم من الذي سيخفض الإنتاج لنصل إلى الرقم المذكور، لأنّه من المستحيل أن يقبل الفريقان تحمّل هذا الانخفاض في الإنتاج.

إقرأ أيضاً: الكورونا يخفّض أسعار النفط

ومؤخرًا بدأ الكلام عن ضرورة مشاركة كلّ المنتجين، بمن فيهم الولايات المتحدة وكندا، بتخفيض الإنتاج. المهم أنّ نتيجة هذا “التويت” كان دعوة المملكة السعودية إلى اجتماع طارئ عن بُعد يوم الاثنين لمجموعة “أوبك+”. وطلب الرئيس بوتين الاجتماع برؤساء الشركات الروسية المنتجة للنفط والغاز، ولم يعلن أيّ موقف روسي من الاجتماع حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

اليوم يبدو العامل المؤثر الأكبر في أسعار النفط هو الطلب وليس العرض. وعلى هذا، مهما حصل أو مهما كانت نتائج الاجتماع الأسبوع المقبل – إن حصل – فلن يعيد أسعار النفط إلى ما قبل 9 آذار 2020، عندما فشلت السعودية وروسيا في الوصول إلى اتفاق باستمرار خفض الإنتاج. كلّ ما سيحصل أنّ هذه “الحركات” ستساعد على عدم المضي في انهيار الأسعار إلى ما دون 20 دولاراً للبرميل، خصوصًا في شهر نيسان الجاري، مع تدفّق النفط من المنتجين.

طالما أنّ حرب فيروس كورونا على البشرية لم تهدأ، وكلّ يوم نسمع عن زيادة إجراءات الحجر والتباعد الاجتماعي، وإغلاق المدن والمطارات، فهذا يعني مزيداً من انخفاض الطلب على الطاقة، فلا نتوقع أيّ تحسن في أسعار النفط في المدى المنظور.

هذا ما يدفع الكثير من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في مشاريعها للحدّ من الخسائر الناتجة عن انهيار أسعار النفط، وقد يؤثر في قطاع النفط والغاز في لبنان.

أولى نتائج حرب كورونا على البشر وحرب البشر في قطاع النفط والغاز ظهرت في لبنان مع   إعلان وزارة الطاقة تأجيل جولة التراخيص الثانية إلى حزيران 2020. وكان من المتوقع أن تنتهي مهلة تقديم العروض من قبل الشركات المهتمّة بقطاع النفط والغاز على البلوكات 1 و2 و5 و8 و10 في نسيان هذا العام ليتمّ دراسة العروض وإعلان النتائج في تموز 2020.

لم يأتِ التأجيل بمثابة مفاجأة، بل على العكس كان هذا الأمر متوقعًا نظرًا إلى الوضع الداخلي والوضع العالمي. وقد يكون هذا القرار الأفضل للبنان اليوم، لأنّ أيّ جهة عارضة تأتي في هذا الظروف، لن تقدّم إلى لبنان أيّ عرض مغرٍ أو مفيد، لأنّ مخاطر الاستثمار اليوم في لبنان عالية جدًّا، ولن يكون هناك أيّ استفادة كبيرة مباشرة للبنان من منح تراخيص جديدة.

السؤال الأهم هو تقني حالياً وليس سياسياً: هل فيروس كورونا وحرب النفط سيؤدّيان إلى تأجيل العمل في هذا البلوك من قبل ائتلاف شركات “توتال” و”إيني” و”نوفاتيك”؟ إضافة إلى انخفاض أسعار النفط؟

وبالتالي فعلى لبنان العمل للخروج من المأزق الاقتصادي، والعمل على تصحيح العمل السياسي قبل أيّ شيء آخر، لأنّ بداية المخرج والحلّ تكون بالوضوح السياسي وانتظام العمل المؤسساتي. أما الخلل السياسي فكان دائمًا سببًا من أسباب التأجيل والتأخير في قطاع النفط والغاز والطاقة عمومًا. وللتذكير فقد كان يفترض أن تقفل جولة التراخيص الثانية في كانون الثاني من هذه السنة على أن تعلن النتائج في نيسان 2020، ولكن بسبب المأزق السياسي والاقتصادي في البلد تمّ التأجيل حتى نيسان واليوم وقعنا في التأجيل الثاني.

وهذا ليس بجديد، فكلّنا نذكر كيف تأجّلت جولة التراخيص الأولى أكثر من مرّة من 2013 حتى 2017، ولم توقّع العقود إلاّ في 2018، وهذا تأخير كبير. وكلنا نذكر أنّ السبب الأساسي للتأجيل الأول في 2013 كان سياسيًا، ومن بعد ذلك برزت أسباب الأخرى للتأجيل منها انهيار الأسعار عالميًا في 2014 و2015. وحينها أعادت الكثير من الشركات العالمية التي كانت مهتمة بالقطاع في لبنان، ترتيب أولوياتها في الاستثمار. ولم يكن لبنان من بين هذه الأولويات لأكثر من اعتبار والأهم منها، كثرة المخاطر السياسية والمؤسساتية والتشريعية والأمنية. وكأنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم.

الحفر في البلوك 9

ومع الاعتراف بوجود مشكلة سياسية كبيرة حول البلوك 9، هي مشكلة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وبوجود رعاية أميركية لمحاولة تقريب وجهات النظر لترسيم الحدود النفطية، فإنّ السؤال الأهم هو تقني حالياً وليس سياسياً: هل فيروس كورونا وحرب النفط سيؤدّيان إلى تأجيل العمل في هذا البلوك من قبل ائتلاف شركات “توتال” و”إيني” و”نوفاتيك”؟ إضافة إلى انخفاض أسعار النفط؟

الأكيد أنّ توتال كانت قد أعلنت أنّها ملتزمة بحفر بئر استكشافي في البلوك 9 جنوب لبنان هذه السنة، ولم يتمّ تحديد الوقت. كنّا سمعنا عن شهر أيّار، ومن ثَمّ قيل إنّ الحفر سيكون في أواخر السنة. العمل جارٍ على دراسة الأثر البيئي للبلوك 9. والمعلوم أنّه ستعمّم الدراسة بعد الانتهاء منها، وتنطلق ورشة اللقاءات في المناطق المعنيّة مع المواطنين لإطلاعهم على الأثر البيئي للتنقيب، وكيفية معالجته، والاستماع لرأي القاطنين في محيط أعمال الحفر والتنقيب.

لم يحدَّد وقت بعد للاستطلاعات، لكنّها قد تحصل في منتصف هذه السنة: فهل ستحصل هذه اللقاءات في موعدها؟ هل نكون قد انتهينا من الإجراءات الخاصة بفيروس كورونا ليتمكّن الناس من التجمّع والتلاقي؟

هذا واحد من العوامل التي قد تؤخّر الحفر في البلوك 9. أمّا العامل الأهم، فهو قرار الشركات في إعادة ترتيب اولوياتها بمشاريعها. وهل سيمضي الائتلاف بقرار الحفر في بلوك 9 آخر هذه السنة أو يؤجل العمل إلى السنة المقبلة؟

مهما كان القرار، وأهم ما فيه هو الجانب السياسي وتوافق لبناني-اسرائيلي برعاية أميركية لم يحدث حتى الآن وقد لا يحدث لفترة طويلة جداً، ما يجب معرفته أنّ مرحلة الاستكشاف الأولى تنتهي في منتصف 2021، والشركات، بحسب العقد، ملزمة بحفر بئر خلال هذه المدّة، أيّاً كان الوضع السياسي المرتبط بترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.

 

مواضيع ذات صلة

خرق إلكترونيّات الحزب وتداعياته على الاقتصاد

بعيداً عن تفاصيل موجتَي تفجير أجهزة الـPagers وتلك اللاسلكية (Icom) في الأيام الثلاث الفائتة، ثمّة سؤال يتبادر إلى الأذهان، ومفاده: هل أدخل “الحزب” هذه المعدّات…

تقاطع شطب الودائع: الحكومة وباسيل و”كلّنا إرادة”

تتقاطع جهات متعدّدة، من داخل الحكم وخارجه، على إعطاء زخم لنقاش متجدّد يرمي أساساً إلى تثبيت شطب الودائع، والانتقال به من الأمر الواقع إلى التأطير…

موازنة 2025: حلول مؤقّتة… مخاطرها كبيرة لاحقاً

في الآتي استعراض للتحدّيات التي تشهدها موازنة عام 2025، واقتراحات حول السبل الفضلى لتحويلها إلى فرصة تساهم في إعادة بناء اقتصاد لبنان، بدلاً من الاستمرار…

موازنة 2025: “شيزوفرينيا حكوميّة” تُورّطها مع صندوق النّقد

في كلّ دول العالم تقريباً، تسعى الحكومات إلى تقليص النفقات بينما يحاول البرلمان زيادتها من أجل “إرضاء الناخبين”… إلّا في لبنان: تعكف الحكومة على زيادة…