يتواصل الخلاف الذي نشب بين لبنان والدول الخليجية، على خلفيّة تصريحات أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي. ويمكن وصف ما آلت إليه الأمور بـ”المأساويّة”، بحسب الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر، الذي لفت إلى أنّ التوتّرات الأخيرة تُهدِّد آخر تدفّق نقديّ كبير إلى لبنان، الذي يتداعى اقتصاده، مع رزوح ثلاثة أرباع السكان في الفقر.

وما زادَ من حدّة الأزمة هو قرار المملكة العربية السعودية وأقرب حلفائها الخليجيين، أي الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، باستبعاد السفراء اللبنانيين واستدعاء بعثاتهم الدبلوماسية من لبنان، احتجاجاً على التصريحات. وأبرز ما حدث الأسبوع الماضي هو وقف المملكة استقبال الواردات من لبنان، وتتضمّن الذهب والمعادن الثمينة والخضراوات والفاكهة وبعض المستحضرات.

يتواصل الخلاف الذي نشب بين لبنان والدول الخليجية، على خلفيّة تصريحات أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي. ويمكن وصف ما آلت إليه الأمور بـ”المأساويّة”، بحسب الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر

وطلبت البحرين من رعاياها مغادرة لبنان “فوراً نظراً إلى توتّر الأوضاع” فيه، وذلك يوم الثلاثاء، بعد أيّام من سحب سفيرها على خلفيّة الأزمة المتعلّقة بتصريحات وزير الإعلام.

ونبّه غاردنر من شبح القيود المحتملة على الرحلات الجويّة والتأشيرات، ومنع التحويلات النقدية إلى لبنان من الخليج، فهذه الخطوات تشكّل تهديداً أكبر. ونقل عن خبراء في مجال الاقتصاد تقديرهم أنّ اللبنانيّين الذين يعملون في الخليج يُرسلون ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنوياً إلى وطنهم، وهذا الرقم كان بالطبع قبل الانهيار الذي مُنِي به النظام المصرفي في لبنان، والذي دفعَ بالمغتربين إلى أن يرسلوا خارج إطار المصارف أموالاً إلى عائلاتهم من أجل دعمها في هذه الظروف الصعبة.

وفي معرض تعليقه على “العاصفة الحالية”، أوضح غاردنر أنّه عندما تتطلّع الدول الخليجيّة إلى لبنان، تجد “خفير الحرس الثوري الإيراني على البحر المتوسط”، فيما يسيطر “حزب الله” على الدولة اللبنانية الهشّة. وذكّر بأنّ رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري كان قد ساهم في وصول ميشال عون، وهو حليف “حزب الله”، إلى سدّة الرئاسة في العام 2016. وكانت المملكة، التي تخشى وصول الأموال إلى أيادٍ أخرى في ظلّ الاستيلاء الإيراني على لبنان، قد علّقت هبة عسكريّة ملياريّة كانت مقرّرة إلى لبنان. أمّا بحلول العام 2018، عندما أُجريت الانتخابات التشريعية، فقد فاز تحالف الفريق الذي يضمّ “العونيين” و”حزب الله” بأغلبيّة المقاعد في البرلمان. وبعد انتخاب عون رئيساً، وفي أوّل ردّ من طهران، صرّح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي في الشؤون الدولية، معتبراً أنّ “انتخاب عون لرئاسة الجمهورية في لبنان هو انتصار لنصر الله والمقاومة وأصدقاء إيران”.

نبّه غاردنر من شبح القيود المحتملة على الرحلات الجويّة والتأشيرات، ومنع التحويلات النقدية إلى لبنان من الخليج، فهذه الخطوات تشكّل تهديداً أكبر

إذاً لقد تغيّر الوضع كثيراً في الأوقات الراهنة، وفكرة أنّ الخيول البيضاء ستظهر دائماً من الصحراء العربية لإنقاذ السياسيين في لبنان ليست سوى “أسطورة”، بعدما كانت دول الخليج تهمّ لإنقاذ لبنان في الماضي، وقد تجلّى ذلك في أكثر من مرحلة، أبرزها عندما موّل الخليج الكثير من عمليّات إعادة الإعمار بعد الحرب الأهليّة التي استمرّت في لبنان من العام 1975 حتى 1990. ويقول وزراء سابقون إنّه “بعد الحرب التي استمرّت 33 يوماً بين “حزب الله” وإسرائيل في تموز عام 2006، تمّ جمع 5.7 مليارات دولار خلال خمسة أسابيع ضمن خطّة طارئة لإعادة إعمار لبنان، وكانت معظم المساهمات من الدول الخليجيّة”.

وبالنظر إلى ما يجري في اليمن وإلى ما تتطلّع إليه المملكة، أتى توقيت التصريحات اللبنانيّة سيّئاً أيضاً. ولا بدّ من أخذ السياق الجيوسياسي بعين الاعتبار، إذ إنّه لا يقلّ أهميّة عن التطوّرات. وقد بدا واضحاً كيف مكّنت حملة “الضغط الأقصى”، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتشدّدين في طهران من تحقيق انتصارات في المنطقة. أمّا الفريق الجديد في البيت الأبيض الذي يعاون جو بايدن فليست لديه إجابة على هذه المسألة.

إقرأ أيضاً: وول ستريت جورنال: السعوديّة تُقاطع ولبنان يغرق

واختتم الكاتب مقاله، مذكّراً بالحصار الذي فرضته الدول الخليجية على قطر منذ العام 2017 حتى العام 2021، موضحاً أنّ قطر هي دولة غنيّة بالغاز، وقد نجت من الحصار الذي قادته المملكة لأنّها غنيّة ولديها أصدقاء، لكنّ لبنان ليس مثل قطر، بل هو بلد مفلس ويفتقر إلى الأصدقاء.