الانتخابات الفلسطينية: سيناريوات فوز “فتح”.. أو “حماس”

مدة القراءة 5 د

في 15 كانون الثاني 2021 أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً يقرّر إجراء الانتخابات التشريعية في 22/5 أيّار 2021، والانتخابات الرئاسية في 31 تموز 2021، على أن تتبع ذلك إعادة تكوين المجلس الوطني الفلسطيني. وكان تقدير الموقف يقول إنّ المنطقة العربية تتّجه نحو الاستقرار النسبي بعد أن تنتهي جولات الانتخابات الأميركية والإسرائيلية والإيرانية، علاوة على الاستفتاء الرئاسي السوري، وبعد وعود الرئيس بايدن بإعادة افتتاح مكتب “م.ت.ف.” في واشنطن، والتمسّك بحلّ الدولتين، إضافة إلى عودة المساعدات الأميركية الموقوفة إلى السلطة الفلسطينية وإلى الأونروا. وكان من الواضح أنّ ثمّة تحوّلات تشير إلى أنّ ليبيا تتّجه نحو التهدئة، الأمر الذي يمهّد لتفاهم مصري – تركي سينعكس على سياسات حركة “حماس”، وإلى أنّ إدارة بايدن ستعود إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما سينعكس على حلفاء إيران في فلسطين، وتحديداً حماس وحركة الجهاد الإسلامي. لذلك قرّ الرأي على إجراء الانتخابات، لأنّ من شأن ذلك إطلاق ديناميّة تُنهي الجمود الذي ساد طوال حقبة الرئيس ترامب، وتعيد تكوين نخب سياسية جديدة، وتنقل أجيالاً شابّة إلى المنتدى الأول  لصنع القرارات، أي المجلس التشريعي.

 

تفاهم واختلاف

اتُّفِق في البداية على عدم ترشيح أيّ عضو من أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية لحركة فتح، والوزراء السابقين وقادة الأجهزة الأمنية. لكن هذه المعايير تبدّلت في اللحظات الأخيرة، فرُشِّح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لـ”فتح”، هم محمود العالول وجبريل الرجوب ودلال سلامة وروحي فتوح وأحمد حِلِّس، علاوة على وزير سابق هو وليد عساف. وفي خضم هذه الأجواء اندلعت الخلافات بين الرئيس محمود عباس وبين عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة. وكان ناصر القدوة يأخذ على الرئيس محمود عباس تركيزه القرارات في مكتبه لا في المؤسسات الحركية، وكان يطالب بتعديل البرنامج السياسي لـ”فتح” كي يتلاءم مع المتغيّرات. ثم اندلع خلاف آخر، في توقيت مطابق، مع الأسير مروان البرغوثي، الذي ظل يشدّد على ضرورة التزام قائمة فتحاوية موحّدة تضمّ الجميع، بمن فيهم محمد دحلان المفصول من الحركة، على أن يكون له حقّ الاعتراض على أسماء المرشّحين، وهدّد بأنّه إذا لم يستجب أبو مازن لشروطه فسيتّجه إلى تأليف قائمة مستقلة وسيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية.

اتُّفِق في البداية على عدم ترشيح أيّ عضو من أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية لحركة فتح، والوزراء السابقين وقادة الأجهزة الأمنية. لكن هذه المعايير تبدّلت في اللحظات الأخيرة

الأكيد أن لا شيء سياسياً جديداً لدى مروان البرغوثي وناصر القدوة. فالاثنان موافقان على حلّ الدولتين، وعلى التفاوض المباشر مع إسرائيل، ولا يوجد لديهما أيّ برنامج يختلف عن برنامج حركة فتح. لكنّ “فتح” تخوّفت من أن يحدث معها ما حدث في انتخابات عام 2006 جراء تشرذم المرشحين وتناثر الأصوات، فبادرت إلى اعتبار كلّ من يترشّح من خارج القائمة الرسمية غير فتحاوي، وهو ما جرى الاستناد إليه في فصل ناصر القدوة، وربما يطول مروان البرغوثي لاحقاً. وفي موازاة هذا التشدّد ظهر ميل لدى بعض المستشارين إلى تأجيل الانتخابات بذريعة الكورونا وعدم موافقة إسرائيل على مشاركة المقدسيّين فيها. ويعتبر مثل هذا الرأي خطيراً حقّاً، فتأجيل الانتخابات، إذا حصل، يعني فقدان الثقة بالقدرة على تجديد النظام السياسي الفلسطيني، وسيعتقد معظم الناس أنّ القيادة لم تكن تريد الانتخابات منذ البداية، وأنّها كانت تناور في هذه المسألة، وما الكورونا والقدس إلا ذريعة. وفي أيّ حال، فالفلسطينيون قادرون على ابتداع مخارج ملائمة، إذا أصرّت إسرائيل على منع أهل القدس من المشاركة في الانتخابات، كالتصويت بالبريد مثلاً. أمّا إذا نفّذت إسرائيل وعيدها، وحالت دون ذلك، فيجب أن يحوز قرار تأجيل الانتخابات الإجماع الوطني الشامل، ويجب أن يكون موقتاً، على أن يُعدَّل خلال فترة التأجيل قانون الانتخابات بحيث توجد لائحة رئاسية تضمّ رئيساً ونائب رئيس، على الطريقة الأميركية، ثم تجري مصالحة أبو مازن وناصر القدوة، وتُدمج القائمتان بقائمة واحدة، ويكون مروان البرغوثي فيها نائباً للرئيس. وإذا لم تجرِ الأمور بحسب هذا التصوّر، فإن كثيرين يتوقّعون أن تنال حماس 34% من الأصوات، وفتح 23%، ومحمد دحلان 13%، وناصر القدوة 9%، وآخرون 21%. وإذا صحّت هذه التوقّعات فإنّ الأمر سيكون كارثة.

إقرأ أيضاً: الانتخابات الفلسطينية (2/2): ما هو مصير الانتخابات في القدس المحتلة؟

في حال فوز “فتح” يُتوقَّع أن تؤلّف حكومة وحدة وطنية لا حكومة فتحاوية. وعند ذلك يصبح السير نحو توحيد السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة أمراً ملحّاً: سلطة واحدة، سلاح واحد، قانون واحد. وإذا صارت “حماس” جزءاً من الحكومة المقبلة فعليها التفكير مليّاً في شروط اللجنة الرباعية الدولية، وهي: نبذ الإرهاب، والموافقة على الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية بما فيها الاعتراف بإسرائيل.

أمّا إذا خسرت “فتح” الانتخابات فإنّ أيّ حكومة تؤلّفها “حماس” ستكون عاجزة، مثل حكومة اسماعيل هنية “الفارطة”، وستستنكف أوروبا وأميركا عن الاعتراف بها والتعاطي معها، وستمتنع إسرائيل عن الجلوس وإياها إلى طاولة التفاوض بذريعة أنّ حماس ليست شريكة في أيّ مفاوضات، وستتعطّل العملية السياسية، ونكون قد عدنا إلى نقطة المراوحة الانتظارية المثّبتة للشلل.

مواضيع ذات صلة

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

قاسم شيخ “المرحلة الانتقاليّة”… رأس بلا قرار

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصرالله بعدد من المواصفات الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديَّين في حركة أمل، قبل…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….

لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت…