عقد على الثورة: هل ينظر بشار في عيون مؤيّديه؟

مدة القراءة 3 د

قبل ثماني سنوات، قام الشيخ معاذ الخطيب، الذي كان يومذاك رئيساً لـ”الائتلاف الوطني”، بالتوجُّه مباشرةً إلى بشار الأسد ليقول له: “انظرْ في عيون أطفالك وحاول أن تجد حلاً” (قناة “الجزيرة”، 4 شباط 2013).

بالطبع، مثل هذه الدعوة تستبطن نيَّةً حسنةً تفيد بأن المخاطَب – بفتح الطاء – لديه مشاعر طبيعية وحسّ إنسانيّ وعاطفة أبويَّة ربما تدفعه، بعد النظر في عيون أطفاله، للتنازل قليلاً والقبول بالتسوية التي ستنقذ حياة ملايين الأطفال السوريين.

لكنَّ أطفال بشار يومذاك كانوا ينعمون بحياة الرفاهية، وكانت زوجته تتسوَّق من أفخم المتاجر الأوروبية أفخرَ الأحذية والملابس وتخطّط لتغيير أثاث قصرها.

وإذا ما تخيَّلنا أنّ بشار الأسد فعلاً استجاب إلى طلب معاذ الخطيب ونظر في عيون أطفاله (السعداء)، فإنَّ شيئاً لن يتغيَّر في موقفه، ما دام الذين يعنونه هم أطفاله هوَ، وليس أطفال الآخرين.

قبل ثماني سنوات، قام الشيخ معاذ الخطيب، الذي كان يومذاك رئيساً لـ”الائتلاف الوطني”، بالتوجُّه مباشرةً إلى بشار الأسد ليقول له: “انظرْ في عيون أطفالك وحاول أن تجد حلاً

إنَّ العقد الذي اكتمل هذه الأيَّام من عمر المذبحة السوريَّة، أثبتَ، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنَّ الأسد ليس إنساناً سويَّاً وطبيعيَّاً لكي تراوده مشاعر الخجل جرَّاء ما ارتكبه من جرائم وضعها العالم، على قدم المساواة، مع الجرائم التي ارتكبها النازيون.

ما اختلف الآن هو أنَّ هذه المذبحة الكبرى بحقّ المعارضين بدأت تتفرَّع إلى مجاعة كبرى بحقّ المؤيّدين.

المحكّ الجديد الذي وُضِعَ عليه بشار الأسد، هذه المرَّة، ليس مأساة معارضيه، بل مأساة مواليه. شتَّى النعوت التي أطلقها على أعدائه لتبرير مأساتهم، لا يمكنه استعمال أيٍّ منها لتبرير مأساة جمهوره.

وهكذا، فإنَّ الذين تُمتَحَن عَبْرهم “إنسانية” بشار قد تبدَّلوا. فاختبار “الإنسانية” يجري، خلافاً لما مضى، من خلال حال المؤيّدين الذين قدَّموا أولادهم من أجل بقائه، وليس من خلال حال المعارضين الذين قاتلوا في سبيل إسقاطه.

ما اختلف الآن هو أنَّ هذه المذبحة الكبرى بحقّ المعارضين بدأت تتفرَّع إلى مجاعة كبرى بحقّ المؤيّدين

لقد أكَّدت تقارير عديدة أنَّ دخل السوريين المقيمين في المناطق التي يحكمها تنظيم إرهابي مثل “جبهة تحرير الشام” بقيادة الجولاني، أكبر من دخل السوريين الذين يعيشون في المناطق التي يحكمها النظام بقيادة بشار. ناهيك عن دخل السوريين الذين يقيمون في المناطق السورية الواقعة تحت النفوذ التركي والذي يبلغ خمسة أضعاف.

حالات انتحار الشباب في مناطق الأسد سجَّلت معدَّلات قياسية.

إقرأ أيضاً: سوريا: “قوانين” التغيير الديموغرافي… على النموذج الإسرائيلي

وبلسان فنَّانين مؤيّدين للأسد جرى الاعتراف بأنَّ بعض الآباء باتوا يقفون على الأرصفة عارضين أبناءَهم للبيع بسبب انعدام قدرتهم على إطعامهم (الممثّلة هدى شعراوي في مقابلة مدوّية مع إذاعة “المدينة” الموالية بتاريخ 23 شباط 2021).

لذلك دعوة معاذ الخطيب، قبل ثماني سنوات، التي حقَّقت ما يشبه الإجماع على انعدام معناها وجدواها، بات يمكن لها أن تكون ذات معنى وجدوى، هذه الأيَّام، من خلال تحويرها لتصبح: “انظر في عيون مؤيّديك”.

هل يخجل بشار؟ الأكيد لا.

والأكيد أنَّ تمارضه الأخير، هو وزوجته أسماء بفيروس “كورونا”، جاء لتبرير تواريه عن الأنظار وتجاهله لمناشدات جمهوره الذي بات يطالبه فعلاً بأن ينظر في عيونه!

 

مواضيع ذات صلة

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….

رعب أوروبا من تقاطع ترامب وبوتين فوق سمائها

قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، لا تخفي عواصم في أوروبا قلقها من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يقوم ذلك القلق على شكّ…

“الميدان” الذي ننتظر “كلمته” يتمدّد من الخيام إلى إيران

“الكلمة للميدان” هي اللازمة التي تردّدها قيادة الحزب في تعليقها على جهود وقف النار في لبنان وشروط إسرائيل. بين ما يرمي إليه استخدام هذه العبارة…