وقاحة الموقف الإيراني من البطريرك تجعلنا أكثر صمودًا..

مدة القراءة 4 د

إيران منزعجة جدًّا من الخطاب التاريخي للبطريرك الماروني بشارة الراعي، وقد عبّرت بشكل واضح ومباشر ولا لبس فيه، عبر واحدة من أهم أذرعها الإعلامية الرسمية، عن امتعاضها الشديد من جرّاء مضمون الخطاب، فيما كان لافتًا خروج الرد عن أبسط قواعد اللياقات والتهذيب، حيث لامس حدود اتهامه بالخيانة والعمالة، والارتماء في أحضان إسرائيل.

هذه الرسالة نشرها الموقع الرسمي لقناة “العالم” الإيرانية تحت عنوان: “ابن بطرس على خطى بن سلمان وبن زايد … إلى التطبيع دُر”، ثم عاد وحذفها بعد وصولها إلى من يعنيهم الأمر، وقد تمحورت حول مجموعة من النقاط الأساسية، التي لا بد من تفصيلها والإشارة إليها، لا سيما وأنها تنطوي على تهديدات وإهانات، وعلى اتهامات غير مسبوقة بحق البطريرك.

إيران منزعجة جدًّا من الخطاب التاريخي للبطريرك الماروني بشارة الراعي، وقد عبّرت بشكل واضح ومباشر ولا لبس فيه، عبر واحدة من أهم أذرعها الإعلامية الرسمية

أولًا: ثمّة ربط مقصود بين مواقف البطريرك حول حياد لبنان وتدويل أزمته وحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة، وبين معركة إيران المفتوحة مع دول محورية وأساسية ضمن العالم العربي، في رسالة شديدة التكثيف والوضوح، مفادها: أنّ تمسّك البطريرك بهذه المواقف، يعني ارتصافه في المحور المناهض لإيران في المنطقة، وبالتالي فإنه يصير هدفًا طبيعيًّا ومشروعًا، حاله حال السعودية والإمارات وغيرهما من الدول، والشخصيات المناهضة للسياسات الإيرانية في المنطقة.

ثانيًا: التصويب على مواقف البطريرك، ليس باعتبارها ثوابت وطنية وتاريخية طالما استندت إليها بكركي والبطاركة في مقاربة الشأن اللبناني، بل انطلاقًا من تقاطعها مع السلوك السياسي للدكتور سمير جعجع، حيث حاول المقال أن يربط بين الموقفين، وأن يعتبر كلام البطريرك مجرد اندفاعة تسبب بها بعض “الجماعات اليمينية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل”، وفق ما ورد حرفيًّا في المقال، وهذا بحدّ ذاته إهانة موصوفة، وإصرار غير مسبوق على الاستهداف الشخصي والاغتيال المعنوي، بعيدًا عن أيّ مناقشة محترمة أو هادئة لمضمون خطابه الاستثنائي والتأسيسي.

ثالثًا: الإصرار على اعتماد أدبيات سافرة ومتوترة وحاقدة، لمخاطبة رأس الكنيسة المارونية في لبنان وسائر المشرق، حيث يدرك القارئ فورًا أنه أمام بيان مكتوب بلغة شديدة الوضاعة، وهي لغة لا تستوي في الردّ على مرجعية دينية ووطنية بحجم البطريرك الراعي، لكنها مقصودة ومتعمّدة.

التصويب على مواقف البطريرك، ليس باعتبارها ثوابت وطنية وتاريخية طالما استندت إليها بكركي والبطاركة في مقاربة الشأن اللبناني، بل انطلاقًا من تقاطعها مع السلوك السياسي للدكتور سمير جعجع

رابعًا: المغازلة الإيرانية اللافتة للتيار الوطني الحر، على خلفية رفضهم لمواقف البطريرك، و”هي مواقف حذر من مخاطر مآلاتها الخيّرون من أبناء لبنان، ومن بينهم تيار قويّ ومؤثر من الطائفة المارونية، الذي يزعم بشارة الراعي تمثيلها”، على حدّ ما ورد في المقال، وهذا ما يجب أن يدقق فيه المسيحيون جيدًا، لا سيما أولئك المفتونون بالتجربة الإيرانية، والمنشغلون بالتنظير لأحلاف الأقليات.

إقرأ أيضاً: كلام البطريرك… بطريرك الكلام

كلّ وسائل الإعلام الملحقة بالمحور الإيراني هي مجرد أدوات موجهة، وتُشكل جزءًا لا يتجزّأ من أذرعته الحربية في المنطقة، ولا بد من التعاطي مع كل ما يرد فيها، انطلاقًا من هذه الثابتة التي لا تقبل أيّ مواربة أو تأويل، وبالتالي فإنّ هذا النوع من الاستهداف الممنهج للبطريرك، لا ينطوي على رفض أو امتعاض من مواقفه وحسب، بل يتخطاه إلى التهديد المباشر، وهو تهديد طالما برعت إيران في تسويقه وفي تنفيذه، الفارق هذه المرة أنها صارت أكثر عدائيّة ووضوحًا، وأنّنا صرنا في ركاب البطريرك أكثر تصميمًا وقدرةً على الصمود وعلى المواجهة.

مواضيع ذات صلة

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ: مَن يستوعب مَن؟

بالإعاقات على طريق مطار رفيق الحريري، والصرخات الطائفية في كلّ مكان، بدأ أسبوع الحكومة الجديدة الثاني. وما وجد رئيس الحكومة نوّاف سلام حلّاً إلّا في…

“الحزب” ولبنان: خطايا العجز عن التّحوّل

عاب الأمين العامّ لـ”الحزب”، الشيخ نعيم قاسم، على الحكومة اللبنانية عدم سماحها للطائرة الإيرانية الآتية من طهران بالهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت. كانت…

واشنطن وطهران تتبادلان الاختبارات في لبنان

لا يزال لبنان صندوق بريد بين أميركا وإيران. أظهرت واقعة منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، وردّة فعل “الحزب”، أنّه يبقى ساحة صراع…

النّاسخ والمنسوخ في تصريحات خلف الحبتور

عندما فتح المسلمون مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص فقالوا: “أيّها الأمير، لِنيلِنا هذا سُنّة لا يجري إلّا بها”. قال: “وما ذاك؟”. قالوا: “إذا كانت…