لماذا “همس” المستقبل والإشتراكي والقوات عن قتل لقمان؟

2021-02-08

لماذا “همس” المستقبل والإشتراكي والقوات عن قتل لقمان؟

بغضّ النظر عمّا إذا كان اغتيال لقمان سليم يوم 4 شباط 2021، أي بالتزامن مع ذكرى مرور ستة أشهر على انفجار 4 آب، صدفة أم لا، فإنّ حصوله في هذا التاريخ بالذات أسّس لربط محكم بين الحدثين المأسويين. لا لأنّ هذا التزامن أعاد انتاج التشكيك الشعبي الآخذ بالاتّساع بدولة السلطة الحالية وأجهزتها الأمنية والقضائية وحسب، بل لأنّه رسّخ وظهّر أكثر حالة الاعتراض السياسي والشعبي على حزب الله والتي كانت قد بدأت تتسّع وتطال شرائح سياسية وشعبية جديدة منذ الانفجار في مرفأ بيروت.

لقد فرزت ردود الفعل السياسية على اغتيال سليم المشهد السياسي إلى ثلاث حلقات:

الأولى: مكوّنة من حزب الله وحلفائه ولاسيّما حركة أمل والتيار الوطني الحر.

الثانية: قوامها الأحزاب السياسية الثلاث الرئيسية في “14 آذار” السابقة، أي القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي.

الثالثة:  هي القوى التغييرية المنبثقة من انتفاضة 17 تشرين ومن ضمنها أو بموازاتها قوى سابقة عليها كحزب الكتائب وسيدة الجبل وحركة الاستقلال وغيرها.

تيار المستقبل يضبط إيقاعه السياسي على وقع المفاوضات الحكومية الجارية بحكم “تكليف” رئيسه، وإن كان إمكان عزل اغتيال سليم عن المسار الحكومي أمراً مستحيلاً بالنظر إلى الإشارات السلبية والسوداوية التي خلّفتها جريمة اغتياله في مرحلة سياسيّة انتقالية في المنطقة والعالم لها تأثير مباشر على  احتمالات تشكيل الحكومة وموازين القوى داخلها

ما كان لافتاً السقف المنخفض جدّا لكل من القوات والمستقبل والاشتراكي في التعاطي مع حدث اغتيال سليم على عكس تعاطي هذه الأحزاب مع الاغتيالات السياسية السابقة منذ العام 2005. إذ كانت تسارع، كلّ بحسب وتيرتها، إلى التعبئة السياسية والإعلامية ردّاً على تلك الاغتيالات.

فتيار المستقبل يضبط إيقاعه السياسي على وقع المفاوضات الحكومية الجارية بحكم “تكليف” رئيسه، وإن كان إمكان عزل اغتيال سليم عن المسار الحكومي أمراً مستحيلاً بالنظر إلى الإشارات السلبية والسوداوية التي خلّفتها جريمة اغتياله في مرحلة سياسيّة انتقالية في المنطقة والعالم لها تأثير مباشر على  احتمالات تشكيل الحكومة وموازين القوى داخلها.

وبالتالي فإنّ موقف تيار المستقبل المتدنّي سقفهُ بإزاء تلك الجريمة أوحى باكراً باستمرار اختلال موازين القوى في البلد، وذلك على الرغم من الدفع الخارجي اللافت تجاه الوضع اللبناني والذي تجلّى في الردود الفعل الدولية على جريمة اغتبال سليم ولاسيما من الجانبين الأميركي والفرنسي.

أمّا القوات والإشتراكي فكلاهما وبالرغم من الضغط السياسي الممارس ضدّهما من جانب العهد، شديدا الحذر في حركتهما السياسية. فحتّى عندما تصدر من قبلهما إشارات باتجاه إعادة تموضع سياسي جزئي أو كبير فهي لا تلبث أن تَخمُد. مع الأخذ في الاعتبار أن هامش حركة جنبلاط أوسع لكنّه هامش “محاصر” لاسيّما لجهة علاقة الأخير مع الرئيس نبيه بري الركن الثاني في الثنائية الشيعية. وقد ظهر ضيق الهامش الجنبلاطي هذا عقب اللقاء بينه وبين رؤساء الحكومات السابقين في دارة الرئيس تمام سلام منذ نحو ثلاثة أسابيع، إذ لم يكد يصدر جوّ عن تشكيل جبهة سياسية معارضة للعهد حتّى اندثر وتبدّد.

وفي ما يخصّ القوات فإنّ محاولاتها هي الأخرى لتشكيل جبهة معارضة جوبهت بالرفض أو بالبرودة من قبل الأطراف المعنية، وقد انتهت هذه المحاولات إلى تجدّد الاشتباك السياسي والاعلامي بين القوات وحزب الكتائب الذي كان من المفترض أن يكون من حيث المبدأ أحد أركان هذه الجبهة المعارضة للعهد وحزب الله.

في المحصلة فإنّه يستشف من ردود فعل هذه القوى الثلاث، أي القوات والإشتراكي والمستقبل، على جريمة اغتيال سليم، أنّها تتحسّب للمواجهة مع حزب الله الآن أو لا تريدها. خصوصاً أنّ عناصر الاتهام السياسي للحزب الذي ذهبت إليه قوى ومجموعات سياسية عدّة، بالمباشر أو بالإيحاء، متوفرة جدّاً لمن يريد استخدامها بالنظر إلى حصول الجريمة في منطقة نفوذه الأمني. وكذلك فقد كان سليم قد تعرّض لمضايقات وتهديدات في حارة حريك، المعقل الأمني والسياسي للحزب، حيث علّقت على جدران منزله هناك عبارات مثل “المجد لكاتم الصوت”، فضلاً عن عبارات التخوين والشتيمة. وقد حَمّل “قوى الأمر الواقع، ممثلة بشخص السيد حسن نصرالله وبشخص الرئيس نبيه بري، المسؤولية التامة عمّا جرى، وعمّا قد يجري”… وهي إساءات لم ينفكّ الإعلام الموالي للحزب بتوجيهها إليه على مدى سنوات، وحتّى بعد اغتياله فقد ملأ ما بات يعرف بـ “الذباب الإلكتروني” مواقع التواصل الاجتماعي بها. واكتمل “النقل بالزعرور” كما يقال بالعامية بتغريدة جواد نصرالله التي كادت أن تصل إلى اعتبار اغتيال لقمان سليم عملاً مجيداً تيمّناً بتعبير والده عن اجتياح بيروت في 7 أيار.  

أمّا القوات والإشتراكي فكلاهما وبالرغم من الضغط السياسي الممارس ضدّهما من جانب العهد، شديدا الحذر في حركتهما السياسية

لذلك كلّه فلا شكّ أنّ حزب الله سينظر بعين الرضا إلى مواقف تلك القوى التي يقيم كلّ منها حسابات سياسية تتعلّق بالمرحلة المقبلة الحبلى بالاستحقاقات الانتخابية سواء النيابية أو الرئاسية والتي ترخي بظلالها أساساً على مسارات تأليف الحكومة إذ أنّ القوى السياسية المشاركة فيها تحاول تعزيز مواقعها فيها استعداداً للمحطّات السياسية المقبلة.

لكنّ الحزب الذي ارتاح بالتأكيد لحدود ردود فعل القوى التقليدية على جريمة اغتيال سليم، تلقّى في المقابل إشارات إضافية إلى اتساع كتلة الاعتراض المنبثقة من انتفاضة 17 تشرين ضدّه. فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين 2019 لم يبلغ الاحتجاج على الحزب ضمن مجموعات الانتفاضة الحجم الذي بلغه إثر اغتيال سليم، وإن كان هذا الاغتيال ظهّر أيضاً الانقسام ضمن هذه المجموعات، بين تلك التي تكتفي بشعارات محاربة الفساد والأخرى التي أصبح الاعتراض على سلاح حزب الله جزءاً أساسياً من خطابها خصوصاً منذ انفجار 4 آب. 

واللافت أنّ التنسيق بين هذه المجموعات آخذ بالرسوخ وهو ما ظهر من البيانات المشتركة بينها إدانة واستنكاراً لاغتيال سليم الذي كان بين الكثير ممّا كانه أحد الناشطين الأساسيين في انتفاضة 17 تشرين. وقد تعرضّت خيمته في ساحة اللعازارية بوسط بيروت الى الحرق من “الممانعين”.

واللافت أكثر أنّ تلك البيانات تضمّنت اتهاماً سياسياً لحزب الله بعملية الاغتيال، ودعت إلى “رفع الهيمنة الإيرانية” و”إسقاط الاحتلال الداخلي”. كما طالبت، في المقابل، بانتظام واجتماع القوى التغييرية المعارضة لـ”المنظومة”، وهو ما يؤشر إلى إمكانات أكبر لتأخّر هذه المجموعات وبروزها أكثر على المشهد السياسي. خصوصاً في ظلّ الدعم الدولي لقوى المجتمع المدني. وأصلاً لم يغفل بعض تلك البيانات عن مطالبة المجتمع الدولي بـ”حماية اللبنانيين من الإبادة الجماعية التي يتعرض لها على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية، والصحية، والاجتماعية، والأمنية”.

في المحصلّة، وبإزاء المتغيرات الدولية الكبرى المحيطة بالوضع اللبناني هناك تغيّرات أساسية في المشهد الداخلي تتبلور وتنضج منذ 17 تشرين 2019. وبالتالي فإنّ الدينامية الخارجية تجاه لبنان تلاقيها، وإن بوتيرة أبطأ، دينامية داخلية عنوانها الأبرز هذه المرّة القوى التغييرية الجديدة التي بات العديد منها يتجّه ضدّ حزب الله.

إقرأ أيضاً: لقمان سليم مضرّجاً بشجاعته… كشف القاتل باكراً

كيف سيتصرّف حزب الله بإزائها وكيف ستتصرف هي بإزائه؟ هذا سؤال أساسي للمرحلة المقبلة. والأكيد، في هذا السياق، أنّ ثمة تغيرات طرأت على قواعد اللعبة وأنّه آخذ بالتجذّر ذلك التناقض بين الحزب وشرائح واسعة من المجتمع تشعر أنّها تتعرّض لـ”الإبادة الجماعية”… وهذا الشعور محركّ أساسي للعمل السياسي ولرفض الأمر الواقع وقواه!

مواضيع ذات صلة

باسيل وجعجع: أنا الرّئيس!

تساوى الخصمان جبران باسيل وسمير جعجع في سياق خطابين منفصلين متضادّين بالدعوة إلى وقف إطلاق النار فوراً واستعجال انتخاب رئيس للجمهورية مع استفاضة رئيس التيّار…

تطمينات أميركيّة بخفض الضّربات على الضّاحية!

ثلاثة مسارات متوازية تحكم المشهد اللبناني: العمليات العسكرية، وتحديداً تلك التي يشهدها البرّ في الجنوب اللبناني، المساعي الدولية والأممية لإحداث خرق في جدار المواجهات إفساحاً…

الخير: جوزف عون أوّل المرشحين..

ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم حتى أصبحت الرئاسة قاب قوسين من التحقّق بحسب ما يقول النواب في كواليسهم وفي نصائحهم الإعلامية؟ ببساطة، هناك خياران:…

ضرب إيران.. خدمة إسرائيليّة جديدة لواشنطن

يبدو أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي مصرّ على استنزاف آخر فرص ابتزاز الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن، وأن يدفع واشنطن للتخلّي عن قفّازاتها في إدارة الصراع…