ضريبة جديدة: التضامن الوطني “سرقة” قانونية للودائع؟

2021-01-31

ضريبة جديدة: التضامن الوطني “سرقة” قانونية للودائع؟

“التضامن الوطني”: ضريبة استثنائية ضمّنتها وزارة المالية في الموازنة العامة لسنة 2021 وذلك في المادة 37. هذه الضريبة تُفرض لمرة واحدة على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى المصارف المحلية قبل 31/10/2020، وذلك وفق سقوف ونسب محددة بحسب عملة الحساب نفسه.

الاقتراح يقضي باقتطاع ما نسبته 1% من كلّ حساب يزيد عن مليون دولار وصولاً إلى 20 مليون دولار، ثم ترتفع إلى 1.5% للمبالغ التي تزيد عن 20 مليون وصولاً إلى سقف 50 مليون دولار، ثم 2% على كلّ حساب تفوق قيمته 50 مليون دولار.

أمّا في حسابات الليرة اللبنانية فالسقوف مختلفة، إذ يُقتطع منها ما نسبته 1 % إذا زادت قيمته على 1.5 مليار ولا يتجاوز 30 مليار ليرة، ثم يُقتطع 1.5% بين 30 مليار و75 مليار، وأخيراً تُقتطع 2% من كل حساب يزيد على 75 مليار.

تؤكد هذه الضريبة أنّ وزارة المالية لم تنظر إلى الأزمات التي نمرّ بها نظرة واقعية موضوعية على الإطلاق، إذ يكفي الإشارة إلى الفصام الذي تقع فيه الوزارة من خلال إصرارها على احتساب سعر صرف الدولار ضمن التسعيرة الرسمية 1507 ليرة لبنانية، التي عفّ عليها الزمن منذ ما يقارب السنتين

هذه الضريبة تشي بأنّ الحكومة المستقيلة تدير البلاد “بلا نفس”، من خلال عقلية “تقطيع الوقت” إلى حين تشكيل حكومة جديدة ترفع عن كاهلها عبء المسؤولية الثقيل. وهي تؤكّد أنّ السلطة تحاول تعويض الخسائر التي تكبدتها من ضعف المداخيل الضريبية جرّاء الانكماش الاقتصادي، وأنّها عازمة على قضم ما تبقى من ودائع اللبنانيين بعد أنّ تخلّت عن “وساطة” مصرف لبنان في هذه المهمة، وقفزت من مرحلة “اقتراض الودائع” من خلال مصرف لبنان، إلى مرحلة “الاستيلاء على الأموال” على شكل ضريبة.

قد يقول قائل: ما الضيم من اقتطاع هذا النوع من الضرائب التصاعدية على رؤوس الأموال الأغنياء؟ الجواب البديهي على هذا السؤال يُختصر بالقول إنّ هذه الضريبة لا تأتي ضمن موازنة إصلاحية تتوخّى وقف الهدر في الدرجة الأولى، وإنّما البحث عن الإيرادات لسدّ النفقات على علّاتها.

كما تؤكد هذه الضريبة أنّ وزارة المالية لم تنظر إلى الأزمات التي نمرّ بها نظرة واقعية موضوعية على الإطلاق، إذ يكفي الإشارة إلى الفصام الذي تقع فيه الوزارة من خلال إصرارها على احتساب سعر صرف الدولار ضمن التسعيرة الرسمية 1507 ليرة لبنانية، التي عفّ عليها الزمن منذ ما يقارب السنتين.

في عملية مقارنة بسيطة وفق سعر الصرف الذي تعتمده المنصة الالكترونية الخاصة بمصرف لبنان (3900 ليرة لبنانية) وتسلّم اللبنانيين جزءاً يسيراً من أموالهم الدولارية على أساسه، فإنّ من يملك حساباً قيمته 950 ألف دولار أي ما قيمته 3.7 مليار ليرة بحسب سعر المنصة، سيكون معفىً من هذه الضريبة. لكنّ المودع الذي يملك حساباً بالليرة فيه 1.5 مليار سيدفع منها 15 مليون ليرة لبنانية بموجب هذه الضريبة.

في هذا الصدد، يكشف الخبير المصرفي وأستاذ الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي أنّ “ضريبة التضامن الوطني هي بدعة يشوبها غياب آلية واضحة للتنفيذ، خصوصاً في ظل سريان قانون السرية المصرفية الذي يشرّع أبواب المصارف أمام الاستنسابية في التطبيق”، ويطرح العديد من الأمثال على ذلك، وعليه يسأل فحيلي كيف يفترض أنّ تتعامل المصارف المحلية مع حالات كتلك؟

– إذا كان لك حساب خاص وحساب آخر مشترك مع زوجتك أو زوجك، وآخر مشترك مع أولادك؟ هل تحتسب المصارف مجموع هذه الأرصدة أم تتعامل مع كل واحد منها بشكل فردي؟

– إذا كان الحساب باسم الشخص “أ” لكنّ صاحب الحقّ الاقتصادي هو الشخص “ب”، على أيّ من الإثنين تُطبّق الضريبة في هذه الحالة؟

هذه الضريبة تشي بأنّ الحكومة المستقيلة تدير البلاد “بلا نفس”، من خلال عقلية “تقطيع الوقت” إلى حين تشكيل حكومة جديدة ترفع عن كاهلها عبء المسؤولية الثقيل


– إن كنتَ تملك حساباً دائناً فوق عتبة المليون دولار أميركي و/أو عتبة المليار ونصف ليرة لبنانية، لكنّ هذا الحساب مرهون مقابل حسابٍ مدين، فهل يُحتسب الفرق في تاريخ تحصيل الضريبة؟

– إذا كنتَ تملك حساباً جارياً (شيكات) يُستخدم لتسيير عمل لمؤسسة أو شركة تملكها، ويشهد هذا الحساب حركة قوية بشكل أنّ معدّل رصيد هذا الحساب خلال الشهر أو الفصل أو السنة، يفوق العتبة المشار إليها في القانون، فهل يخضع هذا الحساب للاقتطاع وفق القانون؟

من يملك حساباً رصيده 3 مليون دولار أميركي في المصرف “أ” قبل تاريخ 31/10/2020 ثم بعد هذا التاريخ قمت بتوزيع المبلغ على ثلاثة مصارف وهذه العمليات موثقة بشيكات أو بتحويلات من مصرف “أ” إلى المصارف الأخرى بشكل رصيد كل حساب في كلّ مصرف بتاريخ اليوم، وهو دون عتبة المليون دولار أميركي، فهل تكون بذلك قد أنقذت حساباتك من هذه الضريبة؟

– إذا كانت الحسابات باسم جمعيات ومنظمات غير حكومية لا تبغي الربح هل تخضع إلى هذه الضريبة؟

يخلص فحيلي إلى القول إنّ هذه الضريبة إذا أُقرّت: “ستفتح المجال أمام المصارف للاستنساب”، وبالتالي تكون السلطة “قد تركت هذا الشأن الهام بيد المصارف مرّة جديدة، بعد تقاعسها، كما في المرّة الأولى، عن إقرار قانون الـCapital control، خصوصاً أنّ وزارة المالية لا تملك أيّ إمكانية للتأكد من حسن تطبيق هذا القانون في ظلّ السرية المصرفية”.

أما الإيرادات التي ضمّنها مشروع الموازنة في بيان خاصّ واعتبرها من بين “ضرائب على رؤوس الأموال المنقولة”، فقد قدّرتها الموازنة بما يعادل 1.1 ألف مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 123 مليون دولار أميركي في حال احتسبنا الدولار على سعر صرف “السوق الموازي”.

إلا أنّ البيان لا يوضح كيف توصلت وزارة المالية إلى هذه الأرقام. فعدد الحسابات في المصارف والشطور الخاصة بالودائع فيها، يُزوّد بها مصرف لبنان فصلياً عبر المصارف، لكن من دون التفاصيل الكافية لاحتسابها بهذه الدقة خصوصاً إن لم تتوخّى الوزارة التفاصيل التي أتينا على ذكرها أعلاه.

إقرأ أيضاً: سبعة مليارات من المغتربين منعت السقوط الأخير

وبالتالي، فإنّ دقّة هذه الأرقام وضمان تحصيلها في ظلّ استنسابية المصارف وقدرتها على إدارة “أذن الجرّة” كما تريد، سيبقى أمراً شبه مستحيل.  

مواضيع ذات صلة

المصارف والإقراض.. أحلام بعيدة المنال

التعميم الأساسي لمصرف لبنان الذي يحمل الرقم 150، والصادر في 9 نيسان 2020، كان واضحاً جداً لجهة الحسابات الجديدة (الفريش) المكوّنة بالعملة الأجنبية: يجب أن…

عودة التسليفات المصرفيّة.. حكاية البيضة والدّجاجة

لم ينقطع الحديث عن ضرورة عودة المصارف إلى تقديم التسليفات، منذ بداية الأزمة. إلّا أنّ هذا النقاش استعر أخيراً مع كلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة…

مشاكل الكهرباء وانهيار الإدارات: مصرف لبنان تمسّك بالإصلاحات

تُساق منذ نحو أسبوعين وربّما أكثر حملة ضدّ مصرف لبنان، تتّهمه بخنق الاقتصاد وحجب الأموال عن الحكومة ومنعها من الإنفاق وتقديم الخدمات للمواطنين اللبنانيين. وجدت…

الذّهب ومجموعة BRICS يعيدان تشكيل الاقتصاد العالميّ

تأثير الاستثمار في الذهب على السيولة والنموّ الاقتصادي معقّد ويعتمد على عوامل متعدّدة بما في ذلك السياسات الاقتصادية، الاستقرار السياسي، وثقة المستهلك.   من الضروري…