إستحقاق شباط: مجزرة مصارف… أو التأجيل مجدداً؟

مدة القراءة 7 د

في نهاية شباط المقبل، تنتهي المهلة التي منحها مصرف لبنان للمصارف كي تنجز عمليّة إعادة الرسملة، عبر زيادة رساميلها بنسبة 20% وتكوين سيولة جاهزة في المصارف المراسلة توازي 3% من مجموع الودائع الموجودة بالعملات الأجنبيّة. ما تعنيه هذه النسب هو أنّ المصارف بحاجة إلى زيادة رساميلها بنحو 3.76 مليار دولار قبل هذا الموعد، وأن تفوق موجوداتها مستوى التزاماتها لدى المصارف المراسلة بنحو 3.4 مليار دولار. علماً أن مستوى موجودات المصارف الحالي لدى المصارف المراسلة غير كافٍ لتغطية التزاماتها على الإطلاق حاليّاً. أمّا ثمن التخلّف عن استحقاق شباط، فسيكون الخروج من السوق، ويبدو أنّ حاكم مصرف لبنان أصرّ على التلويح بهذه الورقة بوضوح ورفع السقف، لإخافة المصارف بعد أن أحرقت مراراً وتكراراً جميع المهل السابقة المماثلة، وتخلّفت جماعيّاً عن الالتزام بها.

على خارطة القطاع المصرفي، تتنوّع المصارف بين تلك التي أنجزت الزيادة المطلوبة منها، أو على الأقل دعت جمعيات المساهمين العموميّة المطلوبة للمصادقة على هذه الزيادة، وبين المصارف التي لم تعلن عن شيء حتّى اللحظة. وهو ما يوحي بأنّها تواجه بعض المتاعب مع مساهميها في تأمين الزيادات المطلوبة. مع الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان سهّل عمليّة زيادة الرساميل إلى حد كبير من خلال بعض القرارات التي تسمح للمساهمين بإجراء الزيادة عبر تقديم موجودات عقاريّة لا نقديّة لمصارفهم، أو عبر إعادة تخمين العقارات التي تملكها المصارف أساساً. لكنّ عمليّة زيادة السيولة الجاهزة لدى المصارف المراسلة ما تزال تحتاج إلى قدر معتبر من السيولة النقديّة بالدولار الطازج لإتمامها.

بنك عودة، ديناصور القطاع وأكبر مصارفه، ما يزال يحيط نفسه بالكثير من الغموض في ما يخص هذا المسار. ففي شباط الماضي، خطّط المصرف لزيادة رساميله بنحو 311 مليون دولار ليحقق نصف الزيادة المطلوبة كمرحلة أولى، لكن إدارة المصرف إنتهت بالإعلان عن زيادة الرساميل بنحو 210 مليون دولار فقط. وحتّى اللحظة، لم يبادر مجلس الإدارة إلى دعوة المساهمين إلى جمعيّة عموميّة جديدة للموافقة على المرحلة الثانية من زيادة الرساميل، بالإضافة إلى الجزء المتبقي من المرحلة الأولى.

مصرف لبنان سهّل عمليّة زيادة الرساميل إلى حد كبير من خلال بعض القرارات التي تسمح للمساهمين بإجراء الزيادة عبر تقديم موجودات عقاريّة لا نقديّة لمصارفهم، أو عبر إعادة تخمين العقارات التي تملكها المصارف أساساً

وتشير أوساط مصرفيّة مطلعة لـ”أساس” إلى أن بنك عودة تريّث قبل دعوة الجمعيّة العموميّة بانتظار إتمام صفقات بيع أصوله في الأردن والعراق لـ”كابيتال بنك”، وفي سوريا لبنك “بيمو السعودي – الفرنسي”. خصوصاً أن صفقة بيع الأصول في الأردن والعراق وحدها ستكون كفيلة برفد المصرف بقيمة تصل لنحو 65 مليون دولار من الدولارات الطازجة التي ستساهم بتكوين السيولة الجاهزة للمصرف في المصارف المراسلة. علماً أن هذا النوع من الصفقات كفيل بإراحة المساهمين من الجزء الثاني من طلبات مصرف لبنان، المتعلّق بتأمين السيولة في الخارج. لكنّ المساهمين سيحتاجون إلى زيادة المساهمات في المصرف في كل الحالات بحسب خارطة طريق مصرف لبنان، وهي مساهمات يمكن تأمينها من خلال دولارات مصرفيّة محليّة أو تقديمات عقاريّة. ولذلك يبدو أنّ بنك عودة سيضطر في النهاية إلى دعوة مساهميه للاكتتاب وزيادة الرساميل خلال الشهر المقبل، لكن في ضوء نتائج صفقات بيع الفروع الخارجيّة بعد إتمامها كلّياً، وبحسب نتائجها.

في المقابل، تبدو الصورة أوضح لدى بنك لبنان والمهجر، ثاني أكبر المصارف اللبنانيّة، الذي دعا منذ فترة إلى جمعية عموميّة للمساهمين في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، لإقرار الزيادة المطلوبة في الرساميل، دون ربط هذه الزيادة بصفقات بيع فروعه الخارجيّة. مع العلم أن أجواء المساهمين تشير إلى اتجاههم للموافقة على المقترح وإتمام الزيادة المطلوبة قبل نهاية الشهر بمعزل عن مجريات التفاوض على بيع الفروع الخارجيّة. خصوصاً أن هذا النوع من الجمعيات العموميّة لا تتم الدعوة إليه قبل التواصل مع المساهمين والتأكّد من توجّههم نحو الاكتتاب بزيادة الرساميل. وهنا تجدر الإشار إلى بنك “سوسيتيه جنرال” كان قد دعا أيضاً إلى جمعيّة عموميّة مماثلة خلال هذا الشهر. ما يدل على تفاهم مساهمي هذا المصرف أيضاً على زيادة الرساميل. مع الإشارة إلى أنّ كل من “سوسيتيه جنرال” وبنك “لبنان والمهجر” تمكنا خلال السنة الماضية من تأمين نصف الزيادة التي طلبها مصرف لبنان في الرساميل عبر تقديمات نقديّة مباشرة من المساهمين.

تبدو الصورة أوضح لدى بنك لبنان والمهجر، ثاني أكبر المصارف اللبنانيّة، الذي دعا منذ فترة إلى جمعية عموميّة للمساهمين في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، لإقرار الزيادة المطلوبة في الرساميل، دون ربط هذه الزيادة بصفقات بيع فروعه الخارجيّة

بعض المصارف، منها “بنك بيبلوس” و”الإعتماد اللبناني” و”الإعتماد المصرفي” و”فرنسبنك” و”فرست ناشيونال بنك”، عمدت خلال السنة الماضية إلى إتمام المرحلة الأولى من زيادة الرساميل، وهو ما أمّن نصف الزيادة الإجماليّة المطلوبة. لكنّ هذه المصارف لم تعمد حتّى اللحظة إلى الدعوة لجمعيات عموميّة لمساهميها لإتمام المرحلة الثانية والنهائيّة. على الرغم من أنّ انخراط المساهمين في المرحلة الأولى وتسديدهم نصف القيمة المطلوبة يشير إلى التزامهم بهذا المسار. وهنا تشير المصادر المصرفيّة نفسها إلى أن ذلك قد يعود لرغبة المساهمين بانتظار تسهيلات الأسابيع الأخيرة التي يمكن أن يمنحها مصرف لبنان لتقليص عدد المصارف المتعثّرة، وهي تسهيلات يمكن أن تخفّض كلفة إعادة الرسملة التي سيتحملها المساهمون.

فعلى سبيل المثال، أعلن المصرف المركزي عن بعض التسهيلات الجديدة خلال الأشهر الماضية، من قبيل إضافة العقارات التي تملكتها المصارف، استيفاءً للقروض المتعثّرة، إلى العقارات التي يمكن أن يُعاد تخمينها، لإضافة جزء من قيمة ارتفاع أسعارها إلى الرساميل الموجودة. وعلى هذا النحو، يراهن هؤلاء المساهمون المتريّثون على تسهيلات جديدة من هذا النوع، يمكن أن يتخذها مصرف لبنان لتسهيل عملية زيادة الرساميل في حال تبيّن ارتفاع عدد المصارف التي لم تنجز هذه العمليّة.

إقرأ أيضاً: المصارف تطرد المودعين: التهرّب من “تكوين السيولة”!

في مقابل هذه المصارف التي تبدي بعض الإيجابيّة مع هذا المسار، لم تبدِ الكثير من المصارف الأخرى حتّى اللحظة أي تجاوب مع مصرف لبنان. ولعلّ ذلك قد ينطلق أولاً من عدم رغبة مساهمي هذه المصارف بتحمّل المزيد من المخاطر عبر زيادة مساهماتهم قبل تبيان اتجاه الأمور على المستوى المالي خلال الفترة المقبلة. ومن ناحية أخرى، ثمّة شريحة واسعة من المصارف التي لا تملك موجودات خارجيّة وازنة يسمح بيعها بتعويم سيولتها في المصارف المراسلة، كما لا تملك هذه المصارف محفظة واسعة من الموجودات العقاريّة التي تسمح عمليّة إعادة تخمينها بزيادة رساميلها وفقاً لتسهيلات المصرف المركزي.

وبذلك، من الواضح أنّ هذه المصارف ستشهد أحد سيناريوهين: إما تمديد المهل، كما فعل سلامة مراراً بهذا الملف، بانتظار تبلور الأمور على مستوى خطة الحكومة الماليّة، كي يحسم المساهمون في هذه المصارف خياراتهم. وإما لجوء الحاكم إلى تنفيذ ما بات يلوّح به منذ أشهر، أي وضع اليد على جميع هذه المصارف تمهيداً لدمجها أو تصفيتها. وهكذا، سنكون أمام مجزرة مصرفيّة موصوفة. ماذا عن المودعين في المصارف الموضوعة اليد عليها؟

للحديث صلة…

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…