حوار بيروت في مهبّ لقاءيْ واشنطن وعمّان

مدة القراءة 5 د

لم تلاقِ دعوة الرئيس نبيه برّي الكتل النيابية إلى الحوار لحلّ العقدة الرئاسية حدّاً أدنى من التفاعل المطلوب، فاستوجب سحبها من التداول. التساؤل البديهي على خلفيّة تجاهل الدعوة لا يتعلّق باستهجان رفض الحوار من غالبية المعنيّين المحليّين بالأزمة بعد انسداد الأُفق السياسي واستفحال الأزمة، وليس طبعاً القلق حيال البدائل التي قد يلجأ إليها رافضو الحوار، بل العودة إلى الموروث من تجارب الحوار الفاشلة ومحاولة البحث عن مقاربات واقعيّة لإطلاق حوار حقيقي بين شركاء حقيقيين في المسؤولية.

 

تجارب الحوار الفاشلة

إنّ نتائج تجارب الحوار خارج المؤسّسات الدستورية التي عرفها لبنان لمعالجة أزماته العميقة، سواء كانت رئاسية أم حكومية، أو لبحث قضايا اعتُبرت وطنية بامتياز وفوق العادة، واستوجب الحوار فيها اختصار المؤسّسات واقتصاره على أصحاب الحقّ بالقبول أو الرفض، لم تكن مشجّعة بدورها، وهي لم تُفضِ يوماً إلى نتائج حقيقية. حتى إنّ تلك النتائج لم تأخذ طريقها إلى المؤسّسات الدستورية للتحوّل إلى قوانين أو مراسيم.

اللبنانيون بغالبيّتهم واثقون من تكرار الفشل ومن عقم المحاولات ومن عدم قدرة السياسيين على مقاربة المصلحة الوطنية

أفضت بعض الحوارات إلى تبريد الأجواء بين المتحاورين وتهدئة الرأي العامّ، وأفضى البعض الآخر إلى انقلاب على بنود التسويات وتجديد الأزمات. ولا يكفي التذكير بالانقلابات على نتائج الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري في آذار 2006 إثر انسحاب القوات السورية من لبنان من أجل بحث مسائل ترسيم الحدود والسلاح داخل المخيّمات والاستراتيجية الدفاعية، أو بالشروط التي اتُّفق عليها لإنجاح “مؤتمر سيدر”، وتناولت الإصلاحات الهيكلية وتشكيل الهيئات الناظمة في الكهرباء والاتصالات والنأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية، ومهّدت للتسوية الرئاسية وانتخاب العماد ميشال عون. وكانت آخر التجارب الفاشلة المتعلّقة بالحوار هي تلك التي جرت برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر إثر تفجير مرفأ بيروت ومحاولة التوصّل إلى حكومة تكنوقراط للإنقاذ.

 

مبدأ الحوار مادّة انقسام سياسيّ جديد

اللبنانيون بغالبيّتهم واثقون من تكرار الفشل ومن عقم المحاولات ومن عدم قدرة السياسيين على مقاربة المصلحة الوطنية، ومتيقّنون بأنّ الحوار ليس إلّا لحماية التموضع السياسي للنظام الأبويّ القائم. فالحوارات النيابية في قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف والنهوض الاقتصادي هي نماذج لِما يمكن أن يؤول إليه أيّ حوار محلّي. وإنّ عدم الاندفاع إلى تلقّف الدعوة إلى الحوار ليس مردّه رفض مبدأ الحوار، الذي يبدو أنّه سيتحوّل إلى عامل لانقسام جديد، بل استشعار بأنّ الدعوة ليست سوى استدراج إلى مخاض محكوم بفشل سيتحمّل مسؤوليّته المشاركون في الحوار من دون استثناء. إنّ تسمية الكتل النيابية مرشّحيها للرئاسة لا تستلزم حواراً، فتطبيق الدستور واحترام نصوصه هما المحفّزان الأقوى لهذا الترشيح، وهذا ينطبق بالدرجة الأولى على حزب الله وحلفائه، فالحزب يريد تسمية الرئيس قبل انتخابه، ودور المجلس النيابي هو المصادقة وإبرام الاختيار.

يحاول حزب الله وحلفاؤه الاستثمار في اختيار الرئيس انطلاقاً ممّا يعتبره الحزب مردوداً طبيعياً لوقوفه خلف الرئيس ميشال عون في ملفّ الترسيم

“الحوار” لإقناع الدول بالقدرة على إدارة الأزمة

بدورها لا تبدو متاحةً محاولةُ جعل الحوار المرتقب منصّة لتوليفة جديدة تشمل اختيار الرئيس أو فرضه وتشكيل الحكومات وتوزيع الحقائب، ولا تبدو الإجابة عليها متوافرة في أذهان المتحاورين أو متاحة لهم. إنّ الهدف من النجاح في إطلاق أيّ منصّة للحوار هو في إظهار القدرة أمام اللاعبين الإقليميين والدوليين المهتمّين بالملفّ اللبناني على الاستمرار في إدارة الأزمة ومنع تفاقمها أو انفجارها. هذا ما يبدو طموحاً كافياً لدعاة الحوار والمحفّزين عليه، إذ تلاقي مخرجات منصّة بيروت أو ممثّليها المنصّة الدولية التي بدأت بزيارة دولة يقوم بها الرئيس ماكرون للولايات المتّحدة، ولاحقاً مؤتمر عمّان* الذي سيُعقد في نهاية الشهر الحالي ويحضره إلى جانب الرئيس الفرنسي الملك عبدالله الثاني وكلّ من تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والعراق لبحث أزمات المنطقة، قبل أن ينتقل الرئيس ماكرون إلى بيروت.

إنّ التساؤل الذي يستبطنه الانقسام حول الحوار يكمن في مسألتين: الأولى تتّصل بتوافر القناعة بأنّ دعاة الحوار والمشاركين فيه لديهم القدرة على طرح حلول معقولة وسط كلّ التباينات الموجودة على المستوى المحلّيّ والإقليميّ. أمّا الثانية فتكمن في غياب الجهة الضامنة لتنفيذ ما سيُتّفق عليه، وهي غير متوافرة محلّيّاً.

هكذا يحاول حزب الله وحلفاؤه الاستثمار في اختيار الرئيس انطلاقاً ممّا يعتبره الحزب مردوداً طبيعياً لوقوفه خلف الرئيس ميشال عون في ملفّ الترسيم، فيما لا يلاقي استمرار حزب الله في القبض على الدولة اللبنانية مزاج المشاركين في مؤتمر عمّان.

إقرأ أيضاً: التسوية الرئاسيّة على وقع الاقتراع  الإيراني بالأقدام..

فأيّ فرص نجاح لحوار يجري في بيروت فيما يصغي المتحاورون إلى ما يجري في واشنطن وما سيجري في عمّان؟!

*مؤتمر بغداد 2 وسيعقد في العاصمة الأردنية برئاسة العاهل الأردني الملك عبد الله وسيحضره الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وبعد ختام اعماله سيزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت.

 

* مدير المنتدى الإقليميّ للاستشارات والدراسات

مواضيع ذات صلة

عزّ الشرق أوّله دمشق..

ساحة الامويين علم الثورة عليها انكسرت عصا سليمان التي يتّكئ عليها، فظهر أنّه ميتٌ من زمان. سقط نظام بشار الأسد، وبسقوطه اكتمل سقوط المحور الإيراني….

إنّا من العرب… وإنّا إليهم راجعون

لجرحنا الغائر في سوريا صوتٌ كصرير الأسنان، وهو جرح قديم ورهيب ومستدام، يسبق الفجيعة بشطب رفيق الحريري ويعقبها. حتى بات ربيع بيروت ينتظر أوان الورد…

كيف ستتلقّف المعارضة نقمة العلويّين على الأسد؟

أخيراً، غادرنا صاحب الضحكة البلهاء، والقرارات الخرقاء والخطابات الجوفاء والأفكار الهوجاء، التي حوّلت قلب العروبة النابض إلى صحراء… انسحب بعدما جعل سوريا، الدولة المحوريّة، بحراً…

اللّحظة السّوريّة”: ما المطلوب خلال ساعات؟

فيما بدت عواصم العالم حذرة في مقاربة الحدث السوري الكبير، سحب بنيامين نتنياهو كرسيّاً، جلس إلى طاولة التسوية السورية، فارضاً إسرائيل شريكاً حاضراً في مستقبل…