بين الفاتيكان والحزب: التّناقضات الحضاريّة

مدة القراءة 3 د

تستَشرِس بعضُ المواقِع في تعميم أنّ تواصُلًا إيجابيًّا قائِمًا بين قنواتٍ في الكُرسيّ الرّسوليّ وحزبُ الله، وتصِل إلى حدِّ اعتِبار أنّ الكرسيّ الرّسوليّ على قناعة أنّ حزب الله حامٍ للمسيحيّين في لُبْنان ولمشروع الدّولة، وتتجاهل هذه البروباغندا التي يَقَع ضحيَّتها بعضُ الرّأي العامّ اللّبناني والنّخبويّ فيه، أنّ فوارق بنيويّة تفصِل بين أيديولوجيّة حزبُ الله وسلوكيّاتِه في لبنان، ناهيك عن أجندتِه الإقليميّة، وبين رؤية الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة للُبنان الرّسالة على مدى عُقُود وُعقُود.

قد يكون مفيدًا الاحتِكام إلى البُعْدِ الأخْلاقيّ لهذه الديبلوماسيّة، والتي ترى في لبنان هويّةً حضاريّة في الحريّة والأُخوّة والتنوّع والمُساهمة في بِناء السّلام الإقليمي والدّولي، خُصوصًا وأنّ لُبْنان هو عُضوٌ مؤسِّسٌ في جامعة الدّول العربيّة، وفي الأمم المتّحدة، وبالتّالي تتبدّى أسئِلةٌ استراتيجيّة في هل يُمْكِن أن تتقبّل هذه الديبلوماسيّة الأخلاقيّة التّعايُش مع محترِفي الانقِلاب على صيغة لبنان الميثاقيّة الحضاريّة، مع سعيٍ حثيثٍ للتّدمير المنهجيّ لثقافة الدّولة التي تحمي هذه الصّيغة؟

بحسب المصادِر المواكِبة للسّياسة الفاتيكانيّة، فإنّ الأَخْطَر في التّناقُض الحضاريّ بين ما يقُوم به حزب الله على المستوى الإقليميّ مبنيًّا على خيار “حلف الأقليّات” ومعزوفة “الحمايات”، معطوفًا إلى أجُنْدَةٍ أيديولوجيَّةٍ إيرانيّةٍ

تعتبِر مصادِر مواكِبة للسّياسة الفاتيكانيّة، في حديث لـ”أساس”، أنّ الثّوابت التي تحكم توجّهات الكرسيّ الرّسوليّ من لبنان، والتي عبّر عنها البابا فرنسيس، وأمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، ووزير خارجيّة الفاتيكان المطران ريتشارد غالاغير، والسفير البابوي جوزيف سبيتيري، شديدة الوضوح لِجهّة تأكيدها على موجبات خمسة:

– “أولّها العَوْدة الحتميّة إلى تطبيق الدّستور بكُلّ مندرجاته خصوصًا لجهة بسط سيادة الدّولة على كامِل أراضيها، والانتِقال إلى دولة المواطنة.

– ثانيها إجراء الإصلاحات البنيويّة والقِطاعيّة.

– ثالثها مكافحة آفة الفساد.

– رابعُها استِعادة لبنان علاقاتِه الطبيعيّة مع الأسرتين العربيّة والدّوليّة.

– وخامِسُها إنفاذ العدالة في التحقيق في تفجير مرفأ بيروت”.

بالاستِناد إلى هذه الموجِبات تسأل هذه المصادِر: “هل يُمكِن أن تتعايش هذه الموجِبات مع مشروع “حزب الله”؟”

بحسب المصادِر المواكِبة للسّياسة الفاتيكانيّة، فإنّ الأَخْطَر في التّناقُض الحضاريّ بين ما يقُوم به حزب الله على المستوى الإقليميّ مبنيًّا على خيار “حلف الأقليّات” ومعزوفة “الحمايات”، معطوفًا إلى أجُنْدَةٍ أيديولوجيَّةٍ إيرانيّةٍ، في حين أنّ البابا فرنسيس في توقيعه على وثيقة “الأخوّة الإنسانيّة” مع شيخ الأزهر أحمد الطيّب (4/2/2019) في أبو ظبي، وحصّنها في زيارتِه للسيّد على السيستاني في النّجف (6/3/2021). أسْقَط كُلّ هذه المُعادلة، وبالتّالي في لُبْنان تحديدًا كُلّ ما تمّ تسويقُه عن “المسيحيّة المشرقيّة” و “حلف الأقليّات” و”استِدعاء الحمايات”، هو خارج الاختِبار التّاريخيّ للّاهوت المسيحي، وللعلاقات المسيحيّة – الإسلاميّة وللحريّات الدّينيّة.

إقرأ أيضاً: بيضة نصرالله.. أم دجاجة الدولة؟

من هُنا، فإنّ يوتوبيا بعض الغُرَف السّوداء التي تفتَعِل زياراتٍ ووفودًا وتنسيقًا وبركاتٍ مقدّسة لمشروع حزب الله في لبنان تبقى من قبيل التمنيّات، عدا ذلك التّنغيم على خِلافٍ دائم بين البطريركيّة المارونيّة والفاتيكان، وفي هذا وَهْمٌ عميم!

مواضيع ذات صلة

حسين العشي: لا علاقة تربطني بـ “كلنا إرادة”

حضرة السادة إدارة جريدة “أساس ميديا” الإلكترونية المحترمين، تحية وبعد، عطفاً على ما ورد في مقالكم المنشور بتاريخ 2025/03/24 على موقعكم الإلكتروني تحت عنوان “كلنا…

“كلنا إرادة”… “الشورى” يفرض اسمها على “الداخلية”

تدقيقاً، لمقال الزميل زياد عيتاني المنشور في 23 آذار الجاري، تحت عنوان “كلّنا إرادة”.. لغز ثلاثة تواريخ، تبيّن لـ”أساس” أنّ الوزيرين عامر البساط وحنين السيد…

قطر ليست قدراً.. بأصغر رجالها؟

لطالما كان للدوحة أينما حلّت في السياسة دور ومبادرات. تلعب دور الوسيط عندما يفتقد العالم في أزماته الوسطاء. تذهب حيث لا يذهب الآخرون، وتأخذ وتعطي…

قطار الرّئيس: التّعيينات القضائيّة بالأسماء والتّفاصيل

بعد الانتهاء من التعيينات الأمنيّة وفقاً للخارطة الموضوعة، يستكمل الرئيس جوزف عون الإمساك بمفاتيح التحكّم والسيطرة في مفاصل الدولة، وذلك عبر ملفّ التعيينات القضائية حيث…