وثيقة بحثية عن نزاعات لبنان (1): أسبابها وحلولها

2022-04-14

وثيقة بحثية عن نزاعات لبنان (1): أسبابها وحلولها

بدعوة من “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، وبالشراكة مع مؤسسة “Hanns Seidel” الألمانية، وبالتعاون مع “مجموعة حلّ النزاعات”، تمَّ تنظيم ورشة تفكير ونقاش، على مدى يومَيْ 31 آذار والأول من نيسان 2022 (جبيل – القاعة 1188 للمحاضرات)، وذلك بعنوان: “النزاعات في لبنان: الأسباب والحلول”. وقد شارك حضوراً ممثّل للسفارة الفرنسية في بيروت، وممثّل لقوات حفظ السلام الدولية في لبنان (Unifil). في الآتي ننشر الجزء الأوّل من البيان الختامي مختصراً:

في الجلسة الافتتاحية، تعاقب على الكلام: رئيس “مركز تموز” الدكتور أدونيس العكره، مندوب “هانز زايدل” في لبنان الأستاذ طوني غريِّب، العميد الدكتور توفيق سليم متحدّثاً باسم “مجموعة حلّ النزاعات”.

وكانت كلمة، في مستهلّ ثاني يَومَيْ الورشة، للسيد كريستوف دوفارتس، المسؤول الإقليمي لـِ”هانز زايدل”، الآتي من الأردن. وقد تضمّنت الورشة ستّ جلسات، قُدِّمت فيها عشر مداخلات (أوراق عمل) من قِبل: العميد الدكتور عبد الرؤوف سنّو، الدكتور خلدون الشريف، الوزير الأسبق الدكتور عدنان منصور، الأستاذ فادي أبي علّام، الدكتور حُسام مطر، الأب الدكتور باسم الراعي، العميد الدكتور طلال عتريسي، الدكتورة لينا علم الدين، الدكتورة ريما زعزع، الوزير الأسبق الدكتور طارق متري.

شكَّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005) محطةً مفصليّة في مسار النزاعات والصراعات بين مكوِّنات الاجتماع اللبناني، تجسَّدت في فريقَيْ 8 آذار و14 آذار

المداخلة الختامية قدّمها الدكتور إيلي الهندي. وعُقدت الجلسات الستّ تحت العناوين الآتية: “الأسباب التاريخية للنزاعات في لبنان”، “دور القوى الخارجية في النزاعات اللبنانية”، “دور الأحزاب اللبنانية في نشوء النزاعات ومعالجتها”، “دور الطوائف في نشوء النزاعات ومعالجتها”، “دور المؤسسات الدولية في حلّ النزاعات”، “دور الحوار في حلّ النزاعات”.

تخلّلت الورشة تعقيبات وازنة وحوار تفاعلي رفع من وتيرته طغيان الحضور الطالبي من الفرع الثالث لكليّة الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية.

في نهاية أعمال الورشة وُزِّعت شهادات مشاركة على عددٍ من الطلبة الجامعيين. وإذْ تمَّ الخلوص إلى البيان الختامي، فقد تضمّن المحاور الآتية:

في الرؤى وحقائق النزاعات في لبنان:

1- إنّ انحياز المسلمين في لبنان إلى المقاومة الفلسطينية، بدءاً من نهاية ستينيّات القرن الماضي، بهدف التعبير عن هويّتهم في الصراع العربي- الإسرائيلي، عزّز من وتيرة النزاعات في لبنان. وقد عمدت بعض القيادات الإسلامية إلى الاستقواء بالمقاومة الفلسطينية المسلّحة، لانتزاع ما يمكن من الامتيازات المارونية. هكذا تولّدت مخاوف لدى الموارنة على دور لبنان الاقتصادي والخدماتي.

2- خلال الحرب “الأهليّة”، ظهرت هُويّات طائفية، إسلامية سُنّيّة (حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس وسواها)، وشيعية (حزب الله وسواه)، وأصولية مارونيّة. وقد امتدّت أزمة الهويّات الطائفية إلى جميع إدارات الدولة ومؤسّساتها، وإلى الجامعات، وسائر الأُطُر المجتمعيّة.

3- شكَّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005) محطةً مفصليّة في مسار النزاعات والصراعات بين مكوِّنات الاجتماع اللبناني، تجسَّدت في فريقَيْ 8 آذار و14 آذار. وقد بلغ النزاع ذروته في أحداث 7 أيار 2008، التي تمخَّضت عن “اتفاق الدوحة”. وقد حفلت المرحلة الممتدّة من هذا الاتفاق حتى تاريخه بكثير من الأحداث، التي أذكت النزاعات السياسية والطوائفية، ووضعتنا بإزاء دولة فاشلة ومنهارة، ماليّاً واقتصادياً ومؤسّساتياً وإدارياً.

4- من تجلّيات النزاعات في لبنان تصاعد السِجال حول الصِيَغ العتيدة للنظام السياسي، وهي تترجّح بين التزام “الطائف”، مع تنفيذ جميع البنود التي لم تُنفّذ (اللامركزية الإدارية الموسَّعة، مجلس الشيوخ، قانون انتخابي على أساس النسبيّة وخارج القيد الطائفي..)، وبين الدعوة إلى الفدرلة، وإلى مؤتمر تأسيسي مفتوح على خيارات مُتعدِّدة، ناهيك عن الدعوة إلى حياد لبنان وتدويله، تُقابلها دعوة مُضادّة ترى إلى الحياد والتدويل استهدافاً لحزب الله وتجريداً له من سلاحه.

وفَّر النظام السياسي الطائفي مُناخات ملائمة للتدخّلات الأجنبية في لبنان، شكّلت بدورها عاملَ تأجيج إضافيّاً للنزاعات التي تشهدها البلاد منذ أمدٍ بعيد

5- اندراج أحداث “ثورة” 17 تشرين 2019 في مسار النزاعات اللبنانية، مُشكِّلةً عاملاً إضافياً في تسعيرها، عبر طروحات مُتعدِّدة، من إسقاط النظام، بكلّ ركائزه، إلى إصلاحه وترشيده، علماً أنّ النزاعات تسلّلت إلى صفوف “الثورة”، مُضعفةً حراكها ومشكِّكةً في صدقيّة القائمين بها. وقد تبدّى ذلك في عدم توصّل “الثوار” إلى تشكيل لوائح انتخابية موحّدة، على مستوى الجغرافيا اللبنانية. وهذا يشير إلى أنّ “المنظومة”، منظومة الفساد والإفساد، ستُعيد إنتاج نفسها، مع تبدّلات طفيفة لا يُعتدُّ بها.

6- وفَّر النظام السياسي الطائفي مُناخات ملائمة للتدخّلات الأجنبية في لبنان، شكّلت بدورها عاملَ تأجيج إضافيّاً للنزاعات التي تشهدها البلاد منذ أمدٍ بعيد. فالدول الخارجية تعمل لمصالحها الذاتية، مُستغلَّةً الخلافات الداخلية، فتدعم فئةً ضدّ أخرى، وتستعدي طائفة على طائفة، وكلّ ذلك تحت ذريعة “الحمايات”. في حالات كثيرة، شكَّل الخارج عامل تعطيل لعدّة مبادرات لبنانية داخلية تسوويّة، والشواهد كثيرة.

7- من تجلّيات النظام الطائفي أنّه أوجَدَ، لدى النخبة الحاكمة، ثقافة سياسية مُسيطرة، يُطلق عليها بعض المشتغلين بعلم السياسية “ثقافة القناصل”. يُشار إلى أنّ ما يحصل في لبنان راهناً ليس مختلفاً، جوهراً وشكلاً، عمّا جرى في القرن التاسع عشر (الجبل اللبناني/عهد القائمقاميّتين)، لجهة اعتماد هذه الثقافة.

8- يرى بعض المنظّرين في علم السياسة أنّ التدخّلات الأجنبية في لبنان تُعزى إلى أنّ هذا البلد تنطبق عليه مقولة الدولة/الحاجز (Buffer – State)، التي تُعرَّفُ بأنّها دولة تقع وسط منطقة مواجهة استراتيجية بين قوى إقليمية ودولية. وتتميّز هذه الدولة بوجود سلطة هشَّة، يُرافقها تشرذم اجتماعي. يدفع هذا الوضع غير السويّ الدول الكبرى إلى تحويلها إلى منطقة حروب بالواسطة (حروب الآخرين على أرض لبنان بأيدٍ وأدوات لبنانية).

9- إذْ تبدو المنطقة كلّها أمام احتمالات وجودية مُغلقة، فإنّ لبنان، من هذا المنظار، سيكون جزءاً من لوحةٍ كئيبة، تشمل سوريا والعراق وفلسطين.

10- بهدف وضع حدّ للنزاعات والصراعات، التي تفتك بلبنان وتستنزفه في مختلف المجالات، كان للمرجعيّات الدينية/الطوائفية أن تطرح مبادراتٍ، كان أبرزها حياد لبنان وتدويل الأزمة اللبنانية (البطريركية المارونية). وقد رُفضت هذه المبادرة من قبل “الثنائي الشيعي”، كما أسلفنا آنفاً، وقُوبلت بحذرٍ شديد من الطائفة السُنّيّة.

11- ارتدَت الأحزاب السياسية في لبنان، من الناحية الشرعية، لباساً حقوقياً مدنياً، لكنّ الواقع الذي تعيشه، على مستوى الممارسة، كان خلاف ذلك. فجُلُّ الأحزاب في لبنان طائفية (أحزاب الطوائف)، تُشكِّل جزءاً من “المنظومة”. حتى إنّ بعض الأحزاب العقائدية (العلمانية) دخلت في لُعبة السُلطة، بشروط السلطة، مُسهمةً في إعادة إنتاج وديمومة النظام الطائفي.

12- لم تسعَ غالبيّة الأحزاب في لبنان إلى تعزيز الديمقراطية والتعبير عن هموم الناس، ولم تلعب دور الوسيط الموثوق به بين المواطن والدولة. فقد كان همّها الأول الفوز بثقة الناخبين، وأن تغدو جزءاً من السلطة القائمة.

13- أدّى تعسكُر أكثر الأحزاب في لبنان و”تَمَيْلُشِها” (من ميليشيا) دوراً كبيراً في تغذية النزاعات في لبنان، بدل أن تكون عامل تطوير ديمقراطي للنظام السياسي. إلى ذلك، كانت هذه الأحزاب/الميليشيات تنفّذ سياسات الخارج وأجنداتِهِ، ضدّ مصلحة لبنان العُليا.

14- انخراط “حزب الله” في الشأن اللبناني الداخلي، منذ العام 2006، وتنامي دوره السياسي، بما يتعدّى حدود لبنان، عزّزا من مخاوف سائر الطوائف اللبنانية، ولا سيّما المسيحيّين، لتماهي عقيدته الدينية مع ممارساته السياسية.

15- التنافس بين الأحزاب السياسية أفضى إلى حالة من الصراع داخل طوائفها نفسها.

16- أمّا دور المنظّمات الدولية في مواجهة النزاعات في لبنان، فإنّه ذو مروحة واسعة جداً.

17- إذْ غدا الحوار صناعةً رائجةً، يختلط فيها الرصين بالخفيف، وإذْ أضحى فضُّ النزاعات اختصاصاً أكاديمياً أو شبه أكاديمي، فهما لم يُؤتيا ثماراً بالقدرِ الذي يعِدُ القائلون بهما، فكلّ طاولات الحوار ومؤتمرات الحوار في لبنان وخارجه، وعلى مدى العقود الماضية، لم تُفلح إلا في الإتيان بحلول ترقيعية. فسرعان ما كانت النزاعات الكامنة تستفيق، كما الخلايا النائمة، عند كلّ استحقاق سياسي أو دستوري.

18- تأسيساً على ما سبق، كلّما تكاثرت مبادرات الحوار ومؤسّساته، أو تناسلت، من دون وعي عميق للدور وتحديد دقيق للمهمّات، تراجع الاهتمام بها وقلّت الاستجابة لها. وهذا ما أفضى إلى الكلام على إدارة النزاعات وليس حلّها.

 

*في الحلقة الثانية غداً: الهواجس والمقترحات

*أستاذ جامعي. من فريق عمل “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة”. وناشط في مجال الحوار والدراسات على صعيد اللامركزية الإدارية.

مواضيع ذات صلة

الخماسية متفائلة: هل يُنتج رئيس بالوقت الضائع؟

يؤكّد أحد السفراء البارزين في اللجنة الخماسية أمام ضيوفه أنّه متفائل بإمكانية إحداث خرق كبير على صعيد الانتخابات الرئاسية في الأسابيع القليلة المقبلة، عبر إنجاز…

لبنان: لا حلول سياسيّة وتحذيرات أمميّة بتوسّع الحرب..

‏تقاطعت مؤشّرات عدّة في الأيام الأخيرة متّصلة بشكل مباشر بالجبهة اللبنانية. في بكين، كانت المصالحة الفلسطينية تتمّ، وهي الأولى من نوعها بعد 7 أكتوبر الماضي،…

هدنة في غزّة ولا هدنة في بيروت

نشر موقع “أكسيوس” كلاماً منسوباً إلى حماس في داخل غزة تتوجّه به إلى حماس الخارج قائلة إنّ وضعها الميداني على الأرض سيّئ جداً. بعد هذا…

مجلس الوزراء يعيّن مجدّداً اللواء عودة… باقتراح من وزير الدّفاع؟

يحرص النائب السابق وليد جنبلاط على “الصيانة الدورية” لتموضعه الأخير إلى جانب خطّ المقاومة مع “صديقه” الرئيس نبيه بري. في جلسة يوم الأحد غاص الطرفان…