غزو أوكرانيا: تركيا بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي (1/2)

مدة القراءة 6 د

وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في موقف حرج وصعب لن يعرف كيف سيخرج منه، عندما أعطى الأوامر لقوّاته باقتحام الأراضي الأوكرانية في 24 شباط المنصرم. بعد مرور شهر على العمليات العسكرية وفشل موسكو في حسم سريع للمعركة بدأت التوازنات تتغيّر وزاد شعور المواطن الروسي بأنّ بوتين الذي قدّم الكثير لبلاده خلال 22 عاماً لن يتمكّن من الصمود أكثر من 22 أسبوعاً بعد الآن في مواجهة كلّ هذه الضغوطات الدولية عليه، وسيذهب برضاه أو مرغماً إلى طاولة تفاهمات يعقبها الكثير من السيناريوهات حول وضع روسيا الداخلي والخارجي.

وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في موقف حرج وصعب لن يعرف كيف سيخرج منه، عندما أعطى الأوامر لقوّاته باقتحام الأراضي الأوكرانية في 24 شباط المنصرم

بعد شهر على انطلاق العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية من الممكن اختزال المشهد على الشكل التالي:

– صدمت المقاومة غير المتوقّعة للجيش الأوكراني والقيادات السياسية والشعبية في كييف، وقلبت كلّ حساباته رأساً على عقب، بقدر ما صدمت الحلفاء والشركاء الغربيين والمجتمع الدولي نتيجة ما أنجزته على الأرض في مواجهة الجيش الروسي الذي كان يعتبر نفسه في نزهة ساعات، ثمّ ينسحب بعد تسليم أوكرانيا للسلطة السياسية الروسية.

– أعطت الحرب روسيا فرصة اختراق وتدمير قلب أوروبا. لكنّ الغرب توحّد سريعاً، ورصّ الصفوف تحت المظلّة الأميركية، وقرّر الردّ على التحدّي الروسي وتحويل المسألة إلى مواجهة طويلة الأمد متعدّدة الأهداف والجوانب ستبرز في نهاية نفقها فرص تحميل الكرملين كلّ المسؤوليّات السياسية والقانونية والأخلاقية والمادّية على خطوته الانتحارية هذه.

– الحرب الحقيقية مع روسيا لم تبدأ بعد حسب الإدارة الأميركية. فهناك 3 مليارات دولار من الدعم والمساعدات العاجلة التي قُدّمت لأوكرانيا خلال شهر واحد لتمكينها من الصمود في مواجهة الجيش الروسي الأقوى عالمياً على أصابع اليد الواحدة. لكنّ خراطيم التمويل تعمل على مدار الساعة ما دام الجيش الأوكراني وقياداته السياسية قد قرّروا حفر الخنادق تمهيداً لحرب شوارع واستنزاف طويل الأمد لموسكو.

– خلال الأيام المقبلة سنشهد الكثير من جولات الكرّ والفرّ في التعامل مع الملفّ الأوكراني أو من خلال ارتداداته الإقليمية والدولية. تريد موسكو إخافة بقيّة الدول في شرق أوروبا والبلقان من أنّ مصيرها سيكون مشابهاً لمصير أوكرانيا إذا ما حاولت الالتحاق بالمشروع الأميركي الذي يستهدف مصالحها ونفوذها في حوض البحر الأسود. وتريد أميركا استغلال هذه الفرصة التي قدّمها لها بوتين على طبق من ذهب.

 

 – استحالة قبول واشنطن لأيّ مشروع وساطة ينقذ روسيا ويخرجها من الأزمة من دون أضرار بالغة تلحق ببنيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. التحرّكان التركي والإسرائيلي على خط الوساطة أو تسهيل الحوار بين موسكو وكييف يحتاجان إلى موافقة غربية، وهي غير متوافرة حتى الآن.

 – هناك ملف آخر: مَن الذي سيتحمّل أعباء ونفقات إعادة بناء ما هدّمته الطائرات والصواريخ الروسية في المدن الأوكرانية.

– سيناريوهات التسديد نحو القلب الاستراتيجي في المواجهة الغربية الروسية هي الاحتمال الأقرب حتى لو تُوِّجت المحادثات الروسية الأوكرانية باتّفاق أمني – سياسي بين موسكو وكييف على وقف إطلاق النار والتهدئة. بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية ستبدأ المعركة الحقيقية مع روسيا بعد هذه المرحلة وعلى أكثر من صعيد.

– دغدغت الحرب في أوكرانيا أحلام أجهزة الدولة العميقة في أميركا، ودفعت الديمقراطيين والجمهوريين إلى التوحّد ضدّ روسيا مستغلّين فرصة ثمينة قد لا تسنح مرّة أخرى للالتفاف على الاختراقات الاستراتيجية التي سجّلها فلاديمير بوتين في الأعوام الأخيرة داخل العديد من مناطق النفوذ الأميركي.

– أفرغت الحرب مستودعات مصانع الأسلحة، وفتحت الطريق أمام شركات التصنيع الحربي للدخول في سباق إنتاج أسلحة أكثر فتكاً وتدميراً في ضوء نتائج التجارب في الحقل الأوكراني.

– هناك ملفّ اللجوء الذي سيحاول كلّ طرف تحريكه ضدّ الطرف الآخر ليكون ورقة ضغط سياسي واقتصادي. واشنطن ستحمّل موسكو مسؤوليّة التسبّب بحركة نزوح وتهجير ثلث سكان أوكرانيا. وموسكو ستحاول استخدام هذه الورقة ضدّ الدول الأوروبية التي فتحت الأبواب أمامهم متحمّلةً الكثير من الأعباء المادّية والاجتماعية.

هدف واشنطن، كما يبدو، هو تفجير العلاقات التركية الروسية أكثر ممّا قد يكون تحسين العلاقات الأميركية التركية

ماذا عن تركيا؟

على جبهة تركيا التي تتمسّك بوساطتها المعلنة منذ أسابيع بين الطرفين من دون أيّ تقدّم حقيقي حتى الآن، يقول الناطق باسم حزب العدالة والتنمية عمر شليك إنّ المحادثات التركية مع الجانبين الروسي والأوكراني تتركّز على مسوّدة تفاهمات تشمل 6 نقاط أساسية للوصول إلى وقف إطلاق النار وتفعيل المعابر الإنسانية ودخول المساعدات إلى المدن الأوكرانية والانتقال إلى هدنة دائمة تفتح الطريق أمام بحث نقاط الخلاف السياسي وما سمّاه “المسائل الحسّاسة” بين البلدين عبر قمّة تجمع الرئيسين الروسي والأوكراني. لكنّ الحقائق تقول أيضاً التالي:

– أنقرة لن تتمسّك بورقة الوساطة الروسية الأوكرانية أو الجلوس إلى طاولة الدول الضامنة لأيّ اتفاق قد ينعكس سلباً على علاقاتها مع موسكو أو واشنطن.

– لا يمكنها أن تصرّ على طاولة تقارب روسي أوكراني لا تريدها واشنطن، لأنّ ذلك قد يترك تركيا أمام خطورة السير في حقل من الألغام يهدّد مصالحها مع أميركا، شئنا أم أبينا.

– أنقرة تعرف أكثر من غيرها أنّ روسيا لن توقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا قبل الحصول على ما تريده من مطالب وشروط لن تفاوض أحداً عليها.

– واشنطن في المقابل لن توقف دعمها لأوكرانيا قبل التأكّد أنّ الكرملين سيدفع ثمناً باهظاً نتيجة مغامرته الأخيرة.

– أوكرانيا لم تعُد العقبة الجيوستراتيجية أمام روسيا ونفوذها في حوض البحر الأسود، بل الضحيّة التي تدفع ثمن محاولة إيقاف روسيا وعرقلة مشروعها. فأميركا باتت تملك خيارات وبدائل جديدة تعيق النفوذ الروسي هناك، خصوصاً مع دول أوروبية شرقية أصبحت جزءاً من الحلف الأطلسي.

إقرأ أيضاً: أوكرانيا هزمت روسيا… في حرب المعلومات

– ارتفاع أصوات الداعين إلى زيادة مستوى التنسيق بين تركيا وأوروبا لا يعني بالضرورة أنّ هذه الأصوات ستدعم موضوع فتح الطريق أمام العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، أو سدّ العجز الاقتصادي والمالي الذي قد تتعرّض له تركيا في حال ذهبت إلى خفض مستوى علاقاتها مع روسيا.

هدف واشنطن، كما يبدو، هو تفجير العلاقات التركية الروسية أكثر ممّا قد يكون تحسين العلاقات الأميركية التركية.

مواضيع ذات صلة

عزّ الشرق أوّله دمشق..

ساحة الامويين علم الثورة عليها انكسرت عصا سليمان التي يتّكئ عليها، فظهر أنّه ميتٌ من زمان. سقط نظام بشار الأسد، وبسقوطه اكتمل سقوط المحور الإيراني….

إنّا من العرب… وإنّا إليهم راجعون

لجرحنا الغائر في سوريا صوتٌ كصرير الأسنان، وهو جرح قديم ورهيب ومستدام، يسبق الفجيعة بشطب رفيق الحريري ويعقبها. حتى بات ربيع بيروت ينتظر أوان الورد…

كيف ستتلقّف المعارضة نقمة العلويّين على الأسد؟

أخيراً، غادرنا صاحب الضحكة البلهاء، والقرارات الخرقاء والخطابات الجوفاء والأفكار الهوجاء، التي حوّلت قلب العروبة النابض إلى صحراء… انسحب بعدما جعل سوريا، الدولة المحوريّة، بحراً…

اللّحظة السّوريّة”: ما المطلوب خلال ساعات؟

فيما بدت عواصم العالم حذرة في مقاربة الحدث السوري الكبير، سحب بنيامين نتنياهو كرسيّاً، جلس إلى طاولة التسوية السورية، فارضاً إسرائيل شريكاً حاضراً في مستقبل…