“خماسيّة” وغولار…

2024-02-04

“خماسيّة” وغولار…

مدة القراءة 4 د.


فرحت كما فرح سائر اللبنانيين بفوز نادي الرياضي في البطولة الدولية لكرة السلّة بدبي قبل أيام. وهيّصت وصرخت حتى بُحّ صوتي حينما سجّل اللاعب إسماعيل أحمد ثلاثيّته النظيفة بسلّة الفريق الفيليبينيّ في آخر “مِلّي ثانية”، وذلك بعد تمريرة أكروباتيّة من المتألّق وائل عرقجي.

تلك المباراة أعادتني إلى زمن غابر، إلى يوم كانت الرياضة في لبنان لها متابعوها ومحبّوها ولها معانيها النظيفة البعيدة عن السياسة والاصطفافات. عدت إلى يوم كنّا نتابع مباريات كرة السلّة وكرة القدم في الملاعب، فنلحق الفِرق التي نشجّعها إلى الملاعب المترامية الأطراف البعيدة عن العاصمة بيروت، وصولاً إلى أقاصي البقاع وعكّار والجنوب.

عدت بالذاكرة أيضاً إلى أيام الصبا، يوم كنت “رأسَ حربة” في فريق شكّلته مع أترابي في مصيفنا البيروتيّ، “الشبانية”، بجبل لبنان.

كنّا ستّة فتية نلعب كرة القدم (5 وغولار) من “دلوك” الشمس حتى “غسق” الليل، وتصرخ لنا أمّهاتنا عند الظهيرة لتطلب أن نترك تلك الطابة ونتناول وجبة الغداء. لكنّنا غالباً ما كنّا نرفض ونصرّ على استكمال “الماتش” حتى آخر تسديدة وآخر شوطة حرّة… حتى يغرق خيط الشمس الأخير في البحر… لنعود بعد ذلك إلى البيت فنغتسل ونتعشّى، ثمّ ننام بانتظار يوم جديد.

حاكورة الحاج نقولا

الملعب الذي كنّا نخوض فيه مغامراتنا عبارة عن “حاكورة” خلف منزل يسكنه نقولا، رجل متعجرف يتدخّل في شؤون الضيعة كلّها، ويفتعل المشكلات مع الجميع. كان نقولا (الحاج نقولا) يشترط اللعب معنا تارة حتى يسمح لنا بالدخول إلى الحاكورة، وتارة أخرى يطلب منّا بدلاً ماليّاً من أجل العبور إلى الملعب. الحاج أكبر منّا سنّاً ولا يجيد لعب كرة القدم. لعبه غير نظيف، وغالباً ما كان لا يلتزم بشروط اللعبة، فيلكُم هذا ويسدّد “شلّوطاً” لذاك… وإن رفضنا مشاركته اللعب، يقفل البوّابة التي تنفذ إلى الحاكورة من أرضه ويمنعنا من اللعب.

تتحايل “الخماسية” على الحاج، فتفاوضه من أجل دخول الملعب، فتارة يرفض وتارة يقول “ما بدّي إلعب” وطوراً يقفل الملعب أو يأخذ الطابة ويغيب

كنّا نتوسّل إليه ونتحايل عليه تارة بالتفاوض، وتارة أخرى بتهديده باقتحام الملعب أو الاعتصام بداخله إلى حين فتح أبواب الملعب لمباريات متتالية بنصاب كامل. لكنّ حججه كانت كثيرة، ومن صنف “أريد النوم ولست بوارد سماع الضجيج”، أو “الوقت ليس مناسباً للّعب”…

ذكريات جميلة تمرّ في الذاكرة ويربط العقل بعضها ببعض… وما أشبه الأمس باليوم. فكلّ شيء في الحياة لعبة كرة قدم: نرسم خططاً ونركض خلف طابة لتسديدها من أجل تحقيق هدف… كلّ هذا ينطبق على كلّ شيء في الحياة.

 

“الخماسية”… بلا غولار

أنظر إلى “اللجنة الخماسية”، فهي الأخرى تريد اللعب، اللعب على الساحة اللبنانية لكنّ إيران (الحاج نقولا) تتربّص بها وتريد مشاركتها اللعب، علّها تسجّل هدفاً من هنا أو تحرز لقباً أو تفوز بكأس من هناك.  

تتحايل “الخماسية” على الحاج، فتفاوضه من أجل دخول الملعب، فتارة يرفض وتارة يقول “ما بدّي إلعب” وطوراً يقفل الملعب أو يأخذ الطابة ويغيب.

أمّا اللاعبون فلكلّ منهم دوافعه: الأميركي يريد الفوز بالبطولة وفي الوقت نفسه يريد الإثبات للحاجّ نقولا بأنّ الملعب ليس ملكه أو أقلّه ليس ملكه 100%.

أمّا السعودي فجلّ اهتماماته تنحصر في مهمّة واحدة، وهي الحفاظ على “اللقب” بلا أضرار جانبية، وفي الوقت نفسه يتجنّب أن يدفع “بدل أرضيّة” الدخول إلى الملعب.

القطري يتحيّن الفرصة من أجل تسجيل المزيد من الأهداف. في نظره فإنّ غزارة الأهداف ربّما تخوّله الفوز بلقب “هدّاف الدوري”. علاقة الودّ التي تجمعه بالحاجّ نقولا ربّما تسمح له بالتسلّل إلى الملعب ذات يوم.

إقرأ أيضاً: وليه ما كلكن إخوة…

المصري متحمّس. لاعب جديد يريد إثبات جدارته بعدما هجر الملاعب لفترة طويلة. يريد أن يثبت نفسه ضمن التشكيلة الرئيسية للفريق، علّه ينسي الناس إخفاقاته في دوري غزّة، والخسارة في المباراة النهائية على “ملعب رَفَح”.

أمّا الفرنسي، فقصّته مختلفة عن البقيّة. يريد أن يلعب بأيّ ثمن وأيّ طريقة، حتى لو “طجّ وشوط”… المهمّ أن يعبر تلك البوّابة ليتحنجل بالقميص الأزرق على أرض الملعب.

لكن ما نفع هذا كلّه؟ وكيف السبيل لإظهار تلك المهارات بلا ملعب؟ كيف ذلك و”مفتاح البوّابة” بيد “الحاجّ نقولا” فيقفلها ويفتحها ساعة يشاء؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

إقرأ أيضاً

التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل…

تفشّي وباء الصراعات.. هل يشعل حرباً عالميّة؟

العالم ليس بخير. مشهد العلاقات الدولية في ظلّ الحروب الصغيرة المتنقّلة هنا وهناك والصراع على النفوذ والتناحرات الإقليمية أشدّ تعقيداً ممّا كانت عليه الصورة عشيّة…

قادة غزّة: أزمة مكان أم خيارات؟

كثر الحديث “غير الموثّق بأدلّة رسمية” عن أنّ قطر بصدد الاعتذار عن عدم مواصلة استضافة قيادة حماس، حيث كانت ولا تزال حتى الآن المكان الأكثر…

العلم الفلسطيني: سرقته إيران.. أم ألقته “الدولة الوطنية” (2/2)

ولادة “الدولة” في المنطقة العربية مرّ بـ”قطوع” التفتيت والتقسيم وفق خريطة “سايكس – بيكو” التي قسمت بلادنا دولاً بين الانتدابين، فرنسا وبريطانيا. لكنّها وُلِدَت بلا…