إسرائيل تدفع ثمن الحرب على غزّة

2024-02-06

إسرائيل تدفع ثمن الحرب على غزّة

مدة القراءة 4 د.


في حزيران من عام 1923 اغتال مسلّحون ألمان وزير المالية في برلين. كان الوزير يهوديّاً ويُدعى والتر راثينو. وكانت عملية الاغتيال المرحلة الأولى من مخطّط الاستيلاء على السلطة التي قامت بها الحركة النازيّة. وهي الحركة التي ركب موجتها وقادها فيما بعد أدولف هتلر. كان الهدف من قيام الحركة الانتقام من هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ومن الشروط المذلّة التي فُرضت عليها، وخاصة من فرنسا.. وكذلك الانتقام ممّا اعتبره النازيون تواطؤ يهود ألمانيا مع أعدائها.

التاريخ يعيد نفسه
بعد مئة عام يعيد التاريخ نفسه، لكن في مسرح آخر هو الشرق الأوسط. ففي السابع من تشرين الأول 2023 قامت حركة حماس بعملية داخل إسرائيل انتقاماً من الممارسات المذلّة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ما حدث في ألمانيا بعد استيلاء النازية كان مأساويّاً. تمثّلت المأساة في تدهور قيمة العملة الوطنية (المارك) حتى وصلت إلى رقم قياسي بلغ 4.2 مليارات مارك للدولار الواحد.
زاد الطين بلّة قيام فرنسا باحتلال منطقة الرور الألمانية. وهي منطقة صناعية وغنيّة بالموادّ الخام.
بالمقارنة تشكّل الحرب الإسرائيلية الانتقامية على غزة (والضفة الغربية) أطول حرب انغمست فيها إسرائيل منذ فرض قيامها في عام 1948. وهي أكثر كلفة من حيث عدد القتلى ومن حيث نسبة التكاليف الماليّة (والمعنوية في الدرجة الأولى) سواء من حرب حزيران 1967 ومن حرب رمضان 1973، ومن حرب لبنان 1982. وذلك على الرغم من الحصار المفروض على غزة منذ عدّة سنوات.
مرّت إسرائيل بأزمة اقتصادية حادّة في عام 1985، لكنّ تلك الأزمة تبدو الآن أمراً بسيطاً مقارنة بما تواجهه اليوم نتيجة الحرب على غزة.

مرّت إسرائيل بأزمة اقتصادية حادّة في عام 1985، لكنّ تلك الأزمة تبدو الآن أمراً بسيطاً مقارنة بما تواجهه اليوم نتيجة الحرب على غزة

التكنولوجيا لا تحمي إسرائيل
قبل الحرب كان البنك الدولي قد أعلن توقّعه ارتفاع نسبة الدخل القومي في إسرائيل بنسبة 3.1 في المئة. إلا أنّه تراجع إلى نسبة واحد في المئة.
تعاني إسرائيل من عجز وصل إلى 4.2 في المئة من حجم الدخل القومي، وهو العجز الأكبر الذي تواجهه حتى الآن. ويعود ذلك إلى أنّ نفقات الحرب التي تشنّها على غزة وصلت حتى شهر كانون الأول الماضي إلى 4.5 مليارات دولار، أي ما يعادل 10 في المئة من الدخل القومي. وتراجع الدخل الحكومي من الرسوم والضرائب بنسبة 8 في المئة ممّا كان عليه في عام 2023. ونتيجة لهذه العوامل تعاني الميزانية العامّة عجزاً يبلغ 6.6 في المئة، وهو الأوّل من نوعه.
قبل الحرب الإسرائيلية على غزة وضعت إسرائيل مخطّطاً جديداً يقوم على تخفيض عدد قوّاتها المسلّحة، تخفيضاً للنفقات، على أن تعزّز من قدراتها العسكرية التكنولوجية التي تشمل “حماية الحدود” واستخدام تكنولوجيا “الضرب عن بعد”. وقد أنفقت إسرائيل مليارات الدولارات لتطوير إمكاناتها وتعزيز قدراتها العسكرية الإلكترونية التي تعتمد على الأزرار وليس على الرجال: من إطلاق الصواريخ الموجّهة، إلى إطلاق الطائرات المسيّرة والمفخّخة. ولكنّ نجاح مقاتلي حماس في اختراق الشريط الفاصل بين غزة والأرض المحتلّة، وجّه ضربة شديدة إلى هذه الاستراتيجية الجديدة. لقد تبيّن لإسرائيل أنّ التكنولوجيا لا تحمي الحدود.. وأنّه لا بدّ من العودة إلى الاعتماد على العنصر البشري.. أي التجنيد العسكري.

من أجل ذلك اضطرّت إسرائيل إلى استدعاء مئة ألف جندي لأداء الخدمة في غزة، وهو ما انعكس سلباً على الاقتصاد (الصناعي والزراعي). فقد استُدرج للقتال في غزة 18 في المئة من اليد العاملة الإسرائيلية، علماً بأنّ معظم العاملين في قطاع الصناعات العسكرية الإلكترونية هم من ضبّاط وجنود الجيش الإسرائيلي. وزاد الطين بلّة اضطرار أكثر من مئة ألف إسرائيلي إلى الهجرة إلى العمق الإسرائيلي بعدما أصبح جوار غزّة غير آمن!!
تعترف الحكومة الإسرائيلية بأنّها مضطرّة الآن إلى زيادة الإنفاق العسكري بنسبة واحد في المئة من الدخل العامّ، ويفرض هذا الأمر زيادة الضرائب وتخفيض النفقات (غير العسكرية).

إقرأ أيضاً: غزّة ونتانياهو

من هنا ارتدّت الحرب الإسرائيلية على غزة بنتائجها المدمّرة على إسرائيل. صحيح أنّ القوات الإسرائيلية تمكّنت من تدمير مدن وقرى قطاع غزة المحاصر، إلا أنّ التدمير الداخلي أصاب إسرائيل أيضاً.. وصدّع بنيتها الاقتصادية وكشف نازيّتها أمام المجتمع الدولي.

إقرأ أيضاً

التسوية: لا ثقة للعرب برعاتها وأطرافها

ما صدر عن القمة العربية في البحرين هو الحدّ الأقصى من العمل الدبلوماسي المنضبط في ظلّ عالم مرتبك شديد السيولة، لا ثقة لدى الدول العربية…

هل توفير الحماية الدّوليّة للفلسطينيّين ممكن؟

سارعت الولايات المتحدة إلى إجهاض الإعلان الأهمّ الصادر عن القمّة العربية في البحرين، الداعي إلى نشر قوّات أممية في الأراضي المحتلّة لحماية الفلسطينيين إلى حين…

هل تتكرّر تجربة عون: انتخاب رئيس قبل عودة ترامب؟

هناك قدرة لبنانية على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بكلّ مواعيد الاستحقاقات الخارجية، باستثناء المهل الدستورية اللبنانية لكلّ استحقاق. على رأس هذه الاستحقاقات الخارجية الانتخابات الرئاسية…

كيف تقضي الرأسماليّة الصهيونيّة على قوّة أميركا الناعمة؟

“مرّ الكلام زي الحسام يقطع مكان ما يمرّ أمّا المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضرّ والكلمة دين من غير إيدين بس الوفا عالحرّ” (أحمد فؤاد…