خلال عطلة نهاية الأسبوع حصل التالي:
أعلنت فصائل عراقية مسلّحة، يوم السبت، استهداف قاعدة المالكية الأميركية شمال شرقي محافظة الحسكة السورية بطائرات مسيّرة وأعلنت “تحقيق إصابات مباشرة”.
بالتزامن قالت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، إنّ مدمّرة الصواريخ الموجّهة الأميركية يو.إس.إس كارني من فئة أرلي بيرك، أسقطت 14 طائرة مسيّرة انتحارية أطلقتها جماعة الحوثي باليمن فوق البحر الأحمر.
كما زعمت ميليشيا الحوثي أنّ عناصرها يسيطرون بشكل شبه كامل على الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وأنّهم أوقفوا الخطّ الملاحيّ المتوجّه إلى إسرائيل. وبالفعل فقد أعلنت كلّ من مجموعة سي إم إيه سي جي إم، ثالث أكبر شركة شحن في العالم، وشركة الشحن والخدمات اللوجستية الدنماركية ميرسك، وشركة شحن الحاويات الألمانية هاباغ لويد، والسويسرية شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (إم.إس.سي)، أكبر شركة شحن في العالم، وقفاً مؤقّتاً لجميع عمليات الشحن عبر البحر الأحمر بعد سلسلة من الهجمات على السفن التجارية في البحر.
أمّا الحزب فقد أحصى ما يزيد على 500 عملية ضدّ إسرائيل منذ بدء حرب غزة إثر عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي نفّذتها حماس وأدّت إلى مقتل 1,200 إسرائيلي وخطف أكثر من 200 معظمهم من المدنيين.
أهداف إيران الاستراتيجيّة
تشير هذه العمليات المتزامنة على جبهات مختلفة، ويشير ربطها كلّها بحرب غزة، إلى أنّ استراتيجية إيران المعروفة بـ “توحيد الساحات” تتقدّم ببطء، وإن على نحو قد يبدو مخيّباً لآمال جمهور محور إيران.
تشير هذه العمليات المتزامنة على جبهات مختلفة، ويشير ربطها كلّها بحرب غزة
لإيران خمسة أهداف رئيسية من هذه الاستراتيجية:
1- الهيمنة الإقليمية: ليس خافياً أنّ كلّ الجهود الإيرانية منصبّة على ترسيخ نفسها كقوّة إقليمية مهيمنة. ومن خلال استراتيجية “توحيد الساحات”، تسعى إيران إلى إنشاء مجال نفوذ دائم لها يمتدّ من حدودها إلى البحر الأبيض المتوسط.
2- موازنة النفوذ الأميركي والإسرائيلي: من خلال انخراط إيران الميداني عبر دعم الوكلاء في مناطق صراع متعدّدة، تهدف إيران إلى موازنة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط، وخاصة في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وفي الأراضي الفلسطينية.
3- خلق قوة ردع موحّدة من خلال الوكلاء: من خلال استثمار العنوان الفلسطيني بشكل عملي، بعد السابع من أكتوبر، تجتهد إيران لدعم وتنسيق جهود الميليشيات التابعة لها في بلدان مختلفة (مثل الحزب في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق)، لتطوير شبكة الحلفاء إلى محور حقيقي موحّد في أهدافه ومتكامل في مجهوداته. إنّ تعزيز هذه الشبكة يُطمئن إيران إلى وجود جيش بديل يمكنه التصرّف نيابة عنها، ويعمل كرادع ضدّ الهجمات المباشرة على إيران.
4- تهميش البعد المذهبي: عبر دمج جهود ميليشيات شيعية وسنّية تحت عنوان نصرة فلسطين تخفّف إيران من غلواء الانقسام المذهبي الشيعي السنّي لمصلحتها، وتضع نفسها كحامية ونصيرة للمسلمين عامّةً في المنطقة. من خلال ذلك تسعى إيران إلى خلق شعور بالتضامن الإسلامي ضدّ الأعداء المشتركين، على نحو يتجاوز فِخاخ الانقسامات المذهبية التي وقعت فيها إيران في السابق. من شأن ذلك أن يعطي لسياسات إيران ضدّ خصومها العرب بعداً غير مذهبي مرتبطاً بالعنوان الفلسطيني.
5- مقعد على طاولة المفاوضات: إنّ الانخراط في مناطق صراع متعدّدة يمنح إيران نفوذاً في المفاوضات الدولية، لا سيما في ما يتعلّق ببرنامجها النووي وعقوباتها وكلّ ما له علاقة بترتيبات النفوذ في الشرق الأوسط. ومن خلال إظهار قدرتها على التأثير على الصراعات المختلفة، يمكن لإيران استخدام ذلك كورقة مساومة في الارتباطات الدبلوماسية.
الاستثمار المرتبك
في هذا السياق برز ما قاله متحدّث باسم الحوثيين في اليمن، السبت الفائت، من أنّ الجماعة تُجري محادثات بوساطة سلطنة عُمان مع “أطراف دولية” بشأن “العمليات” المستمرّة في البحر الأحمر وبحر العرب. وفي حين لم يحدّد البيان الأطراف الدولية المشاركة في المحادثات ولم يذكر مكان انعقادها أو متى، لكنّه يشير إلى أنّ إيران حجزت لنفسها مقعداً في مفاوضات ترتيب الأوضاع في المنطقة.
بيد أنّ الاستثمار الإيراني في حرب غزة ليس خالياً من الارتباكات نتيجة الحسابات المتعارضة التي على إيران المواءمة بينها، وأبرزها الموازنة بين مصالحها الاستراتيجيّة التي تحتّم عليها عدم التورّط القاتل في مجريات الحرب، وبين تلبية توقّعات جماهير للمقاومة الإسلامية والعربية.
في بدايات الحرب صدحت ايران، على لسان وزير خارجيّتها، بتهديدات لم تستطع تنفيذها. حاولت بالتهويل منع التوغّل الإسرائيلي البرّي في غزة لكنّها فشلت. ثمّ حاولت بعد التوصّل إلى الهدنة أن تمنع بالتهويل أيضاً استئناف العمليات الإسرائيلية البرّية، لكنّها فشلت أيضاً، وهو ما سدّد ضربة قاسية لصورة وزير خارجيّتها حسين أمير عبد اللهيان.
ولأنّها غير مستعدّة للتضحية بالحزب في لبنان، أجازت للحزب تدخّلاً محدوداً يحفظ له شيئاً من صورته ولا يستدرج، حتى الآن، حرباً مدمّرة كالتي تتعرّض لها حركة حماس. لأجل ذلك، زادت إيران جرعة اتّكالها على ميليشيا الحوثي التي توزّعت أنشطتها على ضرب أهداف إسرائيلية بالصواريخ الباليستية، والشغب بالمسيّرات والمقذوفات على خطوط الملاحة في البحر الأحمر.
تدير طهران هذا التصعيد بميزان دقيق، بحيث تُبقي على حال التوتّر من دون أن تطيح بالعلاقات السعودية الإيرانية، نتيجة تضرّر الرياض من سلوك جماعات إيران في مداها الاستراتيجي الأمنيّ والاقتصادي. كما أنّها ليست غافلة عن ضرورة العناية بعدم الإضرار بمصالح الصين التجارية مع الشرق الأوسط، والمرشّحة لضرر كبير في حال انهيار الأمن بشكل أوسع في المنطقة.
في هذا السياق كان لافتاً أنّه في ذروة التصعيد الحوثي، أعربت الرياض وطهران، في ختام اجتماعات اللجنة الثلاثية السعودية الصينية الإيرانية في بكين مساء يوم الجمعة الفائت، عن التزامهما الكامل بتطبيق اتفاق بكين الموقّع في آذار الفائت. يشير هذا السلوك إلى أنّ طهران ماضية في بناء علاقاتها بالسعودية على نحو يوازن بين طموحاتها الإقليمية وأجنداتها الدفينة وبين الحاجة إلى الحفاظ على علاقة عمليّة مع المملكة العربية السعودية.
وعليه فإن كان استغلال إيران للصراع في غزة كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي يُظهر طموحاتها الاستراتيجيّة، فإنّه في الوقت نفسه يلقي الضوء على حدود ما يمكن لمثل هذه السياسة أن تحقّقه.
إقرأ أيضاً: فلسطين “كعملة سياسيّة”
نجحت إيران في استخدام حرب غزة لحشد التآلف بين وكلائها، وساهمت في رفع مستويات العداء لإسرائيل عند الرأي العامّ العربي والاسلامي، كما استعرضت جوانب مثيرة من قوّتها عبر قوّة حلفائها، إلّا أنّها، في الوقت نفسه، تواجه قيوداً كبيرة، وتُعرّض نفسها لمخاطر وتحدّيات جدّية يمكن، نتيجة خطأ غير محسوب، أن تقوّض أهدافها الاستراتيجيّة الطويلة الأجل.
لمتابعة الكاتب على تويتر: NadimKoteich@