ديفيد أغناتيوس: شهران للحرب.. وإسرائيل ستُغرِق أنفاق حماس

2023-11-21

ديفيد أغناتيوس: شهران للحرب.. وإسرائيل ستُغرِق أنفاق حماس


كشف المحلّل السياسي ديفيد أغناتيوس أنّ “حرب غزّة انتقلت إلى مرحلة جديدة” ونقل عن كبار قادة إسرائيليين أمنيين أنّ “لديهم حقيبة ظهر مليئة بالخطط” لهذه المرحلة وتشمل شمالي وجنوبي غزّة، أبرزها توجّههم إلى استخدام “حلّ صناعي” قد يكون مياه البحر الأبيض المتوسط لإغراق الأنفاق ومهاجمة مقاتلي حماس عندما يخرجون منها.

من تل أبيب التي زارها لمدّة أسبوع كتب أغناتيوس في “واشنطن بوست”، “قصّة” قال إنّها استكشاف لكيفية إدارة إسرائيل لما يمكن أن يكون أكثر حرب المدن صعوبة وإثارة للجدل في التاريخ الحديث، وقد كتبها بعيون إسرائيلية إلى حدّ كبير. فقد التقى “12 من كبار قادة قوات الدفاع الإسرائيلية”.

وخلص إلى أنّ “الفلسطينيين بحاجة إلى دولة خاصة بهم تدار بشكل جيّد، بدون حماس، حيث يمكنهم العيش بكرامة وسلام مع إسرائيل، كما يفعل معظم جيرانهم العرب اليوم. وإذا تمكّنت الولايات المتحدة من مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق هذه النتيجة، فإنّ هذه الحرب، بكلّ أهوالها، قد تنتج بعض الخير”.

كشف المحلّل السياسي ديفيد أغناتيوس أنّ “حرب غزّة انتقلت إلى مرحلة جديدة” ونقل عن كبار قادة إسرائيليين أمنيين أنّ “لديهم حقيبة ظهر مليئة بالخطط” لهذه المرحلة وتشمل شمالي وجنوبي غزّة

وهنا ترجمة المقال:

بعد ستة أسابيع من القتال العنيف والحصيلة المروّعة من القتلى المدنيين، يرى القادة العسكريون الإسرائيليون أنّ حرب غزّة تنتقل إلى مرحلة جديدة تتطلّب عدداً أقلّ من القوات وقصفاً أقلّ بكثير، وهو ما يقلّل من عدد الضحايا الفلسطينيين، ويأملون أن يؤدّي ذلك في نهاية المطاف إلى محاصرة حماس في متاهتها من الأنفاق تحت الأرض.

إذا نظرنا إلى الخريطة يمكن أن نرى الحليف الطبيعي لإسرائيل: البحر الأبيض المتوسط. سيكون إرسال جنود إسرائيليين إلى الأنفاق معركة طويلة ومكلفة، فقصف الأنفاق سيكون عشوائياً وقد يؤدّي إلى مقتل المزيد من المدنيين. لكنّ الحقيقة الجغرافية المتمثّلة في أنّ غزة تقع على حدود البحر الأبيض المتوسط ??قد تمنح إسرائيل ميزة في نهاية هذا الصراع.

لقد كانت حرب غزة مأساة، من الهجوم الإرهابي الوحشي الذي شنّته حماس في تشرين الأول إلى تداعياته والكارثة الإنسانية للفلسطينيين التي لا تزال مستمرّة حتى يومنا هذا. على الصعيد العسكري، كانت الحملة الإسرائيلية ضدّ حماس بلا هوادة وناجحة. لكنّ العديد من الإسرائيليين يدركون أنّهم يخسرون حرب المعلومات بينما يشاهد العالم صور المعاناة الرهيبة للفلسطينيين.

في نهاية الأسبوع الماضي في مدينة غزّة، شاهدت المسيرة البطيئة للّاجئين الفلسطينيين الفارّين من المذبحة. تلك الصور لسكّان غزة المصابين بالصدمة والمحرومين تركت في نفسي انطباعاً لا يمحى. لكنّها جعلتني أيضاً أرغب في أن أفهم بشكل أفضل كيف تقوم إسرائيل بصياغة خطّتها للحرب. فهل تعرف قيادة البلاد إلى أين تتّجه الحملة على غزة؟

فلسطين وإسرائيل بحاجة إلى مساعدة

للحصول على بعض الإجابات، التقيت 12 من كبار قادة قوات الدفاع الإسرائيلية. أجريت معظم المقابلات في المجمع العسكري المعروف باسم “the Kirya” “كيريا” في وسط تل أبيب، حيث يتدفّق الجنود الشباب وجنود الاحتياط عبر البوّابة ليلاً ونهاراً. لكنّ الأشخاص الذين التقيت بهم كانوا جنوداً محترفين ومطّلعين. وتأثّرت بمهارتهم وتفانيهم.

لكنّ الحقيقة هي التالية: لا تملك إسرائيل حتى الآن تصوّراً واضحاً عن “اليوم التالي”. ويتّفق القادة السياسيون والعسكريون على ضرورة تدمير حماس وقطع أيّ علاقات إسرائيلية بغزّة. لكن لا يوجد إجماع بشأن الخطوات التالية. القادة السياسيون لديهم أفكار وآمال وطموحات. وهم يدركون، على نحو متزايد، أنّه إذا لم تقُم إسرائيل بعمل أفضل بكثير في ما يتعلّق بالقضايا الإنسانية في هذه الحرب، فإنّها ستلحق الضرر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا وجيرانها العرب مثل الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وربّما السعودية.

قال يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، في مقابلة معه، إنّه منفتح على أيّ حلّ يسمح لإسرائيل بقطع الحبل مع غزّة طالما أنّه يلتزم بصيغة بسيطة: “في نهاية الحرب، سيتمّ تدمير حماس ولن يكون هناك تهديد عسكري لإسرائيل من غزّة، ولن تكون إسرائيل في غزّة”.

في حين قال رئيس مكتب المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانيال هاجاري، إنّ الهدف في غزة “لا حماس، ولا فوضى”.

حسناً، لكنّ هذا لا يوصلنا إلى معرفة ما الذي سيحدث في المستقبل.

أهمّ ما استخلصته من محادثاتي هنا هو أنّ إسرائيل والفلسطينيين بحاجة إلى المساعدة في فهم المستقبل، وخاصة من الولايات المتحدة. فالمقاتلون منغمسون في هذا الصراع ويشعرون بصدمة نفسية شديدة بسببه بحيث لا يفكرون في ما سيأتي بعد ذلك. هذه هي النقطة التي يمكن للأصدقاء المساعدة فيها.

كان التحدّي المؤلم لجيش الدفاع الإسرائيلي هو سحق حماس من دون قتل ما يقرب من 240 رهينة إسرائيلية وأجنبية محتجزين تحت الأرض. بالفعل، يبدو أنّ العديد من الرهائن ماتوا مع تقدّم الحملة، على الرغم من أنّنا لا نعرف أيّ تفاصيل بعد

كيف تلقّى القادة خبر 7 أكتوبر؟

بدأ جميع الضبّاط الإسرائيليين الذين قابلتهم تقريباً قصتهم بالطريقة نفسها: ما كانوا يفعلونه في الساعة 6:30 صباحاً يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) عندما سمعوا التقارير الأولى عن هجوم حماس الشرس. كانت عطلة نهاية أسبوع وكان معظم الجنود مع عائلاتهم. عندما جاءت وصلت الأخبار، انضمّ الكثيرون على الفور إلى وحداتهم. وروى العديد منهم عن سرعة تعليم زوجاتهم وأطفالهم الأكبر سنّاً إطلاق النار بأسلحة آليّة. في تلك الأيام الأولى، كان الجيش الإسرائيلي مهزوزاً وغير مستعدّ. لم يتخيّل القادة مثل هذا الهجوم على الإطلاق.

كان على قادة جيش الدفاع الإسرائيلي في كيريا وضع خطط سريعة في تلك الأيام الأولى، بدلاً من اتّباع السيناريوهات التفصيلية التي وجّهت جميع الحروب منذ عام 1982. كان القادة الإسرائيليون يخشون كثيراً أن تستغلّ إيران ووكلاؤها ارتباكهم لدرجة أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو كاد يشنّ هجوماً استباقياً على الحزب في لبنان. لحسن الحظّ، هدأت النفوس.

في الأيام الأولى، تمّ تشكيل خطة معركة تقريبية. ستكون المرحلة الأولى من الحرب عبارة عن قصف متواصل لمدّة ثلاثة أسابيع، حيث تهاجم القوات الجوّية الإسرائيلية البنية التحتية لحماس، وهو ما يمنح القوات الوقت للتجمّع والتدرّب على الغزو البرّي، ويسمح للمخطّطين بدراسة الخيارات وإعدادها.

أمّا المرحلة الثانية فكانت الهجوم البرّي الذي بدأ في 27 تشرين الأول. قدّر القادة أنّ الأمر قد يستمرّ ثلاثة أشهر. وإذا تمّ ذلك بدقّة، فإنّ الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد على أكثر من 300 ألف جندي احتياطي تمّ استدعاؤهم، سوف يبدأ بالانهيار.

كان التحدّي المؤلم لجيش الدفاع الإسرائيلي هو سحق حماس من دون قتل ما يقرب من 240 رهينة إسرائيلية وأجنبية محتجزين تحت الأرض. بالفعل، يبدو أنّ العديد من الرهائن ماتوا مع تقدّم الحملة، على الرغم من أنّنا لا نعرف أيّ تفاصيل بعد.

لا مفرّ من قتل المدنيين

كان مفهوم الحملة البرّية بسيطاً: تقسيم غزة إلى قسمين ودفع المدنيين جنوباً بينما تهاجم إسرائيل معاقل حماس في الشمال. وكان الهدف هو فصل حماس عن السكان المدنيين، وهو مبدأ كلاسيكي في حرب مكافحة التمرّد. ويقول الإسرائيليون إنّهم أسقطوا منشورات وأصدروا تحذيرات وأجروا مكالمات هاتفية. لكن بصراحة كانت هذه الاستراتيجية غير واقعية: فحماس موجودة في كلّ مكان، ولم يتمكّن المدنيون لأسابيع من الانتقال إلى مكان آمن. لقد وقعوا في مرمى النيران الوحشية.

الآن، يخضع شمال غزة إلى حدّ كبير للسيطرة الإسرائيلية. وفي هذه العملية، تمّ تحويله إلى هيكل عظمي. كنتُ في شارع صلاح الدين بمدينة غزة قبل أيام، ورأيت مباني مدمّرة في جميع الاتجاهات.

لا يريد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون مناقشة استراتيجية الأنفاق الخاصّة بهم. ولكن عند الضغط عليه، أدلى وزير الدفاع غالانت بهذا التعليق المبهم: “أنت بحاجة إلى حلٍّ صناعي”

“لقد فقدت حماس السيطرة على شمال قطاع غزة. ليس لديها مكان آمن للاختباء”. قال نتانياهو في نهاية الأسبوع الماضي. وشرح ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي ما حدث في الشمال على النحو التالي: “للتغلّب على نظام ما، عليك كسر نقاط جاذبيّته، ثمّ ينهار”.

كان هذا النجاح في ساحة المعركة مكلفاً في حرب المعلومات. زعمت إسرائيل أنّ حماس تختبئ خلف المدنيين وحتى في المستشفيات، وأيّدت إدارة بايدن هذا الادّعاء. ولكن مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، بدا أنّ الكثير من دول العالم غير مقتنعة.

ستركّز المرحلة التالية على جنوب غزة، حيث فرّ أكثر من مليون مدني يائس، وربّما فرّ معهم أحد كبار قادة حماس السياسيين، يحيى السنوار، الذي يعتقد مسؤولو الجيش الإسرائيلي أنّه يختبئ في أنفاق تحت مسقط رأسه في خان يونس. وكما هو الحال في الشمال، سيحاول الجيش الإسرائيلي فصل ساحة المعركة وتقسيمها إلى أهداف عسكرية حول خان يونس ومناطق مدنية آمنة في الغرب. لكنّ هذا الفصل قد يكون صعباً كما كان في الشمال، حيث وقع المدنيون مرّة أخرى في مرمى النيران المتبادلة.

مدينة للاجئين على حدود مصر

أمّا في ما يتعلّق بالفلسطينيين الذين فرّوا من مناطق القتال، فتخطّط إسرائيل لإنشاء مدينة خيام واسعة للّاجئين في منطقة المواصي، على الساحل شمال حدود غزة مع مصر. ويتوقّع أن يسهّل هذا الموقع إيصال الإمدادات الإنسانية عن طريق البرّ والبحر. وبعد الانتقادات الدولية الشديدة لمعارك المستشفيات في شمال غزة، يريد القادة الإسرائيليون إنشاء مرافق طبّية مؤقّتة بسرعة لآلاف المدنيين الجرحى المهدّدين الآن بالمجاعة والأمراض المعدية.

يجب أن يفهم الإسرائيليون أنّ هذه الإغاثة الإنسانية ليست مسألة ثانوية. إنّها ضرورية للغاية لتحقيق أهدافهم الحربية. ويدرك بعض كبار الجنرالات هذا الواقع. وقال قائد متمرّس إنّ “الجهود الإنسانية يجب أن تكون بمنزلة كرة ثلج تجمع الأصدقاء من الخليج والسعودية والأردن ومصر”.

 لكنّني لست متأكّداً من أنّ السياسيين الإسرائيليين أو الجمهور الغاضب والمصدوم مقتنعون بذلك.

في محاولة لخوض حرب المعلومات بشكل أفضل، يتبنّى الجيش الإسرائيلي تكتيكاً استخدمته وكالة المخابرات المركزية بشكل فعّال خلال الحرب في أوكرانيا، وهو رفع السرّية عن المعلومات الاستخبارية ونشرها في المجال العامّ. وقد شارك المتحدّثون باسم الجيش الإسرائيلي ما يقولون إنّها اعتراضات لاتصالات مدنيين فلسطينيين غاضبين من حماس، وصور لما يقولون إنّها مدارس تقصف حماس الصواريخ قريباً منها، وعروض لأسلحة يُزعم أنّها مخبّأة داخل المستشفيات وغيرها من المعلومات الحسّاسة.

على افتراض أنّ الأدلّة التي يقدّمها الجيش الإسرائيلي دقيقة، فهل يبرّر وجود حماس بالقرب من المدارس والمستشفيات القصف الذي أسفر عن مقتل العديد من المدنيين في الجوار؟

لدى الجيش الإسرائيلي قواعد استهداف مهمّتها الحدّ من الوفيات بين المدنيين. لكنّ القادة يدرسون أيضاً عوامل أخرى مثل وجود هدف عالي القيمة، أو سلاح استراتيجي، أو مجمّع كبير لحماس، وكذلك حماية القوات الإسرائيلية. وكما اكتشفت الولايات المتحدة في قتالها لتنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، فقد تمّ تعديل قواعد الاشتباك.

بالنسبة للقادة الإسرائيليين، الأمر الطبيعي هو أنّ هناك أضراراً جانبية في زمن الحرب. لكن عندما تشاهد تدمير مدينة لأسابيع على الهواء مباشرة، يكون الشعور مختلفاً.

يدرك الجيش الإسرائيلي أنّ السبيل الوحيد لتوفير الوقت هو اعتماد تكتيكات تقلّل من الأضرار التي تلحق بالمدنيين وتقدّم المزيد من المساعدات الإنسانية

ساعات: إسرائيل وأميركا وحماس

ينظر القادة الإسرائيليون إلى هذه الحرب على أنّها سلسلة من الساعات، كلّها تتحرّك بسرعات مختلفة. ولدى الجيش الإسرائيلي ساعته اللازمة لتدمير حماس، وهي تشير إلى عدّة أشهر، لكن قد تحتاج إلى تعديل. ولدى حماس ساعة بقاء تودّ تمديدها لأطول فترة ممكنة. ولدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ساعة صبر بدا هذا الأسبوع وكأنّها على وشك النفاد.

يدرك الجيش الإسرائيلي أنّ السبيل الوحيد لتوفير الوقت هو اعتماد تكتيكات تقلّل من الأضرار التي تلحق بالمدنيين وتقدّم المزيد من المساعدات الإنسانية. هذه ضرورة أخلاقية، لكنّها أيضاً ضرورة عملية. وقال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي: “نحاول كلّ يوم أن ندير زنبرك كلّ ساعة”.

بسبب الجداول الزمنية المتنافسة، تبنّى الجيش الإسرائيلي ما وصفه قادته بـ”شجرة القرار” المكوّنة من “خطط مرنة وقابلة للتكيّف”. يقتبس أحد الجنرالات المذكّرات الأخيرة للجنرال المتقاعد جيم ماتيس، قائد القيادة المركزية ووزير الدفاع الأميركي سابقاً، الذي كتب أنّ اليقين بشأن شكل الحملة يمكن أن يكون خطأً فادحاً، وأنّ القائد الحكيم يحتاج إلى “حقيبة ظهر مليئة بالخطط”. هذا ما طوّره جيش الدفاع الإسرائيلي.

يدور الآن جدل حادّ في كيريا حول متى يمكن لإسرائيل أن ترسل بعض جنودها الاحتياطيين إلى المنازل لتعيد تشغيل الاقتصاد الذي وصل إلى طريق مسدود تقريباً. ويتّفق معظم كبار القادة على أنّه في غضون شهر أو شهرين، يمكن لإسرائيل أن تبدأ في خفض عدد القوات وسحبها من وسط المدن، وتشكيل ألوية هجومية أصغر عند محيط مدينة غزة، على سبيل المثال، لمهاجمة مقاتلي حماس عندما يخرجون من الأنفاق.

أخيراً، هناك المشكلة الشائكة المتمثّلة في تلك الأنفاق، حيث إنّ هناك العديد منها لدرجة أنّ حماس تتحدّث عن نظام “مترو أنفاق” تحت الأرض.

عندما نزل مقاتلو حماس إلى هذه الأنفاق، قرّر قادة الجيش الإسرائيلي عدم إرسال قوات لملاحقتهم. حتى بالنسبة للفريق الإسرائيلي الخاص الذي تمّ تشكيله لحرب الأنفاق، كان الأمر خطيراً للغاية. يحتوي النظام على فخاخ جاهزة وأبواب فولاذية ثقيلة لمنع دخول الروبوتات أو الطائرات بدون طيار بسهولة، بالإضافة إلى مجموعة معقّدة من الدفاعات الأخرى.

وقصفت إسرائيل أنفاقاً في شمال غزة من الجوّ، وهو ما أدّى في إحدى الحالات إلى انهيار مبنى سكني بأكمله في المدينة وقتل المدنيين الذين يعيشون هناك. ولكن بالإضافة إلى إيذاء المدنيين، فإنّ هذا ليس حلّاً لمئات الكيلومترات من الممرّات المحصّنة.

التحدّي هو الوصول إلى الأنفاق وتحسّسها. ومن المرجّح أن يكون للهجمات المفاجئة من اتجاهات غير متوقّعة تأثير نفسي على حماس، بالإضافة إلى الأضرار المادّية. وبدلاً من البحث عن حلّ سحري لمشكلة الأنفاق، قد تختار إسرائيل تحقيق سلسلة من الانتصارات الصغيرة.

الحلّ الأخير: إغراق الأنفاق بمياه البحر

يوضح المنطق السليم كيف يمكن لإسرائيل الوصول إلى نظام الأنفاق. يعدّ الحفر تحت الأرض مجالاً هندسياً متطوّراً، بعد كلّ شيء. طوّر المنقّبون عن النفط تقنيات الحفر الأفقي كجزء من طفرة التكسير الهيدروليكي. يمتلك مهندسو البناء تقنية تُعرف باسم الحفر الأفقي الاتجاهي، Horizontal Directional Drilling HDD، التي تسمح لهم بالوصول إلى الأهداف الصعبة. عندما تقوم المدن ببناء خطوط مترو الأنفاق، فإنّها تستخدم آلات حفر قوية، وتستخدم تقنيات مماثلة لمدّ خطوط الأنابيب.

لا يريد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون مناقشة استراتيجية الأنفاق الخاصّة بهم. ولكن عند الضغط عليه، أدلى وزير الدفاع غالانت بهذا التعليق المبهم: “أنت بحاجة إلى حلٍّ صناعي”.

إقرأ أيضاً: غزّة تهزّ فرنسا: تمرّد دبلوماسي وقضائي على ماكرون

ثمّ هناك ذلك العامل الجغرافي المثير للاهتمام، وهو البحر الأبيض المتوسط. يعتبر الماء قوة طبيعية هائلة يزداد قوّة عندما يتمّ تضخيمه بواسطة المضخّات. والأنفاق عرضة للفيضانات، حتى لو كانت مجهزة بنظام صرف متطوّر متقن. من المؤكّد أنّ الجيش الإسرائيلي يفكّر في حقيقة أنّ غزة تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

السلاح الأخير لإسرائيل هو التسجيل المرئي لما حدث في 7 تشرين الأول، كما التقطته الكاميرات التي يحملها إرهابيو حماس، وكاميرات فيديو الدائرة المغلقة في الكيبوتسات التي تعرّضت للهجوم، وكاميرات لوحة القيادة ومصادر أخرى. أصدر مكتب المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي تجميعاً مدّته 45 دقيقة لأسوأ الفظائع، ويريدون أن يراها القادة العرب وأعضاء الكونغرس والصحافيون.

لقد وصف العديد من الأشخاص المشاهد التي لا توصف في هذا الفيديو، فقال أحدهم: ما بقي في ذهني لم يكن مشاهد مروّعة لجثث متفحّمة، بل مشهد فتاة صغيرة ترتعد على الأرض، وهي تردّد كأنشودة الموت: “لماذا، لماذا، لماذا، لماذا؟”.

“الصور عميقة جداً”. قال لي أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين: “الناس لا ينامون”. ويريد القادة الإسرائيليون أن يفقد الآخرون نومهم أيضاً.

لقراءة النصّ بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان: نتنياهو.. زعيم صغير في عصر عظيم؟

الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان مقالة يصف فيها اللحظة الحاليّة بأنّها حاسمة، إذ ستكشف ما “إذا كان نتنياهو الذي قدّم باستمرار مصالحه الشخصية على…

درعا تنتفض والأسد ينهار؟

بعد سنوات من النهاية المفترضة للحرب الأهلية في البلاد، بدأت سيطرة الأسد تتفكّك مرّة أخرى، إذ طفح الكيل بشعب جنوب سوريا، ويبدو أنّ الأزمة تتطوّر…

عندما ابتسمت ميلاني ترامب

“في ميلووكي في الليلة الأخيرة من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، اختارت ميلاني ترامب السيّدة الأولى السابقة عدم التحدّث. ارتدت بدلة حمراء زاهية من ديور، مصمّمة…

فريدمان: بايدن وترامب “روليت روسية بمسدّس محشوّ بالكامل”

في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ “المرشّحَين حاليّاً للرئاسة الأميركية جو بايدن ودونالد ترامب غير مؤهّلَين لهذا المنصب: فالأوّل رجل طيّب يعاني…