اشتباكات عين الحلوة: الانفجار الكبير آتٍ

مدة القراءة 8 د


المسار الحالي متوقّع، حيث لا هدوء ويُمكن أن يحصل الانفجار في كلّ آن.

لم يكن مستغرباً تجدّد الاشتباكات داخل مخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيين. مسار الاتصالات والوساطات ينذر بأكثر من هدنة أو هدوء حذر لا يقوم على أسس متينة. في الأساس، لا أمل أن يدوم الهدوء طويلاً في المخيّم. وإن عاد بحذر، فسرعان ما ستغزوه اشتباكات متقطّعة، ويصبح وقف إطلاق النار مجرّد أمنيات لا طائل منها.

صيدا أسيرة المخيّم

لم يعد التوتّر يقتصر على المخيّم بمساحاته الشاسعة، بل تعدّاها ليصبح تهديداً مباشراً لمدينة صيدا وجوارها، وصولاً إلى طريق الجنوب الدولية. ساعات عصيبة من الاشتباكات المندلعة بين عناصر حركة فتح ومجموعات إسلامية متشدّدة. لم يدُم طويلاً وقفُ إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه عقب الاشتباكات التي اندلعت قبل شهر، إذ تجدّد إطلاق النار وسط تبادل للاتّهامات بين “فتح” والفصائل حول الجهة التي بادرت إلى إطلاق النار.

لم يكن مستغرباً تجدّد الاشتباكات داخل مخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيين. مسار الاتصالات والوساطات ينذر بأكثر من هدنة أو هدوء حذر لا يقوم على أسس متينة

بين الاشتباكات الماضية، وتلك المندلعة حالياً، لا شيء تبدّل. الأسباب التي أجّجت المواجهة بقيت على حالها على أثر فشل القوّة الأمنيّة المكلّفة من قبل هيئة العمل المشترك، التي تضم كلّ الفصائل والقوى الفلسطينية في المخيّم، في العمل على تسليم المشتبه بهم في اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني بمنطقة صيدا أبو أشرف العرموشي ورفاقه نهاية تموز الماضي.

لماذا مخيّم عين الحلوة؟

في الاجتماع الذي عُقد بين “حماس” و”فتح” في السفارة الفلسطينية في بيروت مؤخراً، لم يتمكّن الطرفان من التوصّل إلى حلّ يساعد في إنهاء أسباب التوتّر. حاولت “حماس” لعب دور لإقناع الإسلاميين بتسليم القتلة، لكنّ طلبها قوبل بالرفض، فجرت محاولة الأسبوع الماضي لترحيل المطلوبين الثمانية إلى سوريا، لكنّهم عارضوا ذلك ورفض السوريون استقبالهم.

أكثر من سبب يجعل الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيين عرضة للتجدّد وبوتيرة أشدّ وأعنف:

1- فشل الوساطات في إقناع الجماعات الإسلامية بتسليم قتلة العرموشي ومرافقيه الأربعة.

2- الصراع المحوري بين “فتح” والجماعات الإسلامية للسيطرة على المخيّم.

3- أن يبقى هذا المخيّم، وهو الأكبر، بؤرة صراع إقليمية دولية تمثّل امتداداً لصراعات المنطقة.

4- ألّا يكون امتداداً وعضداً للمواجهات داخل فلسطين.

5- وأخيراً أن يبقى للحزب، ولو في الصفوف الخلفية، حضوره ودوره في المخيّم.

جمر تحت رماد الأزمة

ليس ما يشهده مخيّم عين الحلوة وليد ساعته، ولا هو مسألة آنيّة، وحين نتحدّث عن جولة ثانية من الاشتباكات يجب أن نعرف معطياتها. كان مقتل العرموشي بمنزلة القشّة التي قصمت ظهر البعير وأظهرت واقع المخيّم إلى العلن.

لكنّ وضع المخيّم وما يحويه من جماعات أصولية متطرّفة من “داعش” والقوى الإسلامية الأخرى الموجودة داخله في مواجهة حركة فتح والفصائل المؤيّدة يؤجّج الصراعات. في جولة الاشتباكات الأولى حاولت حركة فتح أن تستردّ هيبتها في المعركة، فسقط العرموشي مع أربعة من مرافقيه، وبدل أن تستردّ هيبتها خسرت قائداً مع مرافقيه. أُعطيت فرصة لحسم المعركة، فهُجّر 80 في المئة من أبناء المخيّم، ولم تتمكّن من حسمها لمصلحتها، وهو ما يشير إلى أنّ قبضة يد “فتح” غير قادرة على حسم معركة السيطرة على المخيّم.

لم تصمد الهدنة التي تمّ التوصّل إليها طويلاً، فكان السؤال الجوهري: ما الذي تغيّر بين المعركتين كي تتغيّر المعادلة؟

لم يعد التوتّر يقتصر على المخيّم بمساحاته الشاسعة، بل تعدّاها ليصبح تهديداً مباشراً لمدينة صيدا وجوارها، وصولاً إلى طريق الجنوب الدولية

“فتح” تتجنّب الحسم

لم تستطِع هيئة العمل المشترك المؤلّفة من كلّ الفصائل، تؤازرها حركة أمل والحزب غير العضوين فيها، أن تؤثّر على العدوّ المشترك “داعش”. من يفاوض داعش والمتطرّفين داخل المخيّم هم عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة، وحتى اليوم لم يحقّقا أيّ نتائج مرجوّة، إن على صعيد التحقيق، أو على صعيد وقف إطلاق النار الذي يحصل خجلاً ومن طرف واحد.

على الرغم من التصريحات المطالِبة بتسليم القتلة، ما تزال الجهة التي قتلت تصرّ على عدم تسليمهم، وهي متّهمة بأنّها تأتمر من جهة خارجية وتتحرّك بطلب منها. هناك وجهة نظر أخرى تقول أنّ ما يحصل داخل عين الحلوة لا يمكن فصله عن المعارك التي تُخاض في سوريا، وتتّهم الأميركي بتحريك “داعش” في المنطقة للضغط على محور المقاومة وتحصيل المزيد من المكاسب: “على المستوى الداخلي يحاولون إثبات قدرتهم على المواجهة”. وتتابع تلك الجهات قائلة: “لـ”فتح” تاريخ نضالي كبير، لكنّها اليوم غير ما كانت عليه في السابق، فقد صارت “فتحات”، وقرارها لم يعد واحداً، وهذا يجعلها أضعف من قبل مقابل الحركات الأخرى”.

تستبعد مصادر فلسطينية أن يكون الهدف من الاشتباكات المتجدّدة محاولة السيطرة على المخيّم، إذ “يمكن أن نشهد معارك ضارية لسنوات لن يتمكّن فيها أحد من أن يسيطر على المخيّم أو أيّ جهة من أن تدّعي ذلك. إسرائيل بذاتها فشلت بالسيطرة عليه حين حاولت دخوله عام 1982”.

 

مصادر “فتح”: عتب على “حماس”.. والحزب

من وجهة نظر فلسطينية، فإنّ عنوان المعركة خارجي “لا أحد يمون على القوى المتشدّدة في المخيّم، وأجندتها خارجية”. وباعتقاد أصحاب هذه الوجهة أنّ “أيادي خارجية هي التي تتحكّم بالقرار، والمسألة أكبر من مخيّم عين الحلوة. ذلك أنّ المطلوب ألّا تكون عين الحلوة صوتاً لمخيّم جنين وعنواناً لنابلس وصدى لـ”الأقصى”، ويُراد للمخيّم أن يبقى أداة لتجارة المخدّرات والفوضى، وأن يبقى رهينة للحروب وحرائق داخلية وجهات خارجية”.

عن مجريات المعارك تقول حركة فتح وفق مصادرها: “تمّ الاتفاق في لجنة العمل الفلسطيني، بحضور الجيش اللبناني، على أن يتمّ حسم الموضوع بتسليم المطلوبين وأُعطي ضوء أخضر لـ”فتح” لأن تأخذ المبادرة لولا هجوم شنّته جماعة جند الشام”. تتّهم حركة فتح حركتَي حماس والجهاد “بتسريب ما يتمّ الاتفاق بشأنه في اللقاءات إلى هذه المجموعات ولعب دور سلبي في هذا المجال، فتسارع تلك القوى إلى افتعال مشكلة”.

تقول وجهة نظر “فتح” إنّ “الاتفاق الذي حصل فوق الطاولة ينصّ على أن يتمّ تسليم القتلة، وتحت الطاولة هناك حاضنة لهذه المجموعة هي “حماس” التي لا تريد القضاء عليهم ولا تتجاوب”. تعتبر “فتح” أنّ القضاء على هذه الجماعات كان ممكناً “لولا “حماس” ودور الحزب السلبي”.

 

معركة السيطرة على عين الحلوة

يستبعد المراقبون أن يكون الغرض من الاشتباكات المتجدّدة “فكرة السيطرة على المخيّم لأنّ حركة فتح تشكّل العنصر الحيوي والعنوان الوطني الفلسطيني والمعيل لآلاف العائلات، وبالتالي طبيعة “فتح” هي عبارة عن عشائر وأحزاب، أي تركيبة تشبه المجتمع الفلسطيني وتستوعب عائلاته”، ويتابعون القول: “حركة حماس، وإن حاولت السيطرة، لا يمكن لها الإمساك بالمخيّم، لعجزها عن استيعاب البيئة الفلسطينية وتحمّل تبعات الوضع الفلسطيني الذي تتحمّله حركة فتح.”

إقرأ أيضاً: من طرابلس الشام إلى طرابلس الغرب: مأساة 110 أشخاص

بتقدير المراقبين، “ليس المقصود إنهاء سيطرة “فتح”، بل تأديبها، كما كان يجري سابقاً، وإبقاء المخيّم بصيغة لا غالب ولا مغلوب، فلا مصلحة لحركة حماس ولا للحزب الإمساك بالمخيّم كليّاً كي لا يتحمّلا تبعات مشاكله الداخلية. المطلوب أن تبقى ذراعهما موجودة داخل المخيّم لتحريكه متى كان ذلك ضرورياً، وعدم السماح لحركة فتح بالسيطرة”، أي أنّ المطلوب بالمعنى السياسي “إبقاء الجرح مفتوحاً لاستخدامه حسب الظروف، واستمرار النزف الفلسطيني الداخلي كي يبقى متفلّتاً وملجأ لمنفّذي أيّ عملية إرهابية محتملة. وبوضعيّته الراهنة يمكن للحزب أن يستخدمه لتأكيد الحاجة إلى سلاحه ودوره في ضبط الأمور، خاصة أنّ الجيش مهما بلغت قوّته غير قادر على الحسم وإن كان يدعم “فتح” عسكرياً، لكن ما دامت القوى الإسلامية غير صافية النوايا ومرتهنة للخارج فإنّ حركة فتح نفسها تتجنّب خوض معركة حسم لأنّها لا تريد الاصطدام بالحزب ولا أن يستمرّ النزف الفلسطيني”.

يعتبر البعض أنّ حركة فتح ترى نفسها قادرة على الحسم ولو أنّها تتجنّب فتح معركة واسعة النطاق. لكنّ واقع المخيّم يقول إنّ غلبة الجماعات الإسلامية وتمدّدها جعلاها المسيطرة، وأن ليس من السهل دخول “فتح” في معركة حسم، ولذا كلّ المساعي انشغلت في تأمين قواعد سليمة لوقف الاشتباكات بعدما أظهرت المعارك استحالة التخلّص من “داعش” وغيره لعمق تمدّدهم في المخيّم، فبات المطلوب إقرار هدنة بعد تسليم القتلة والخروج من مدارس الأونروا وتسليمها إلى قوات فصل أمنيّة، لكن لا هذه حصلت بعد ولا تلك بينما تمكّنت الجهود المبذولة من التوصّل إلى وقف إطلاق نار جديد سيكون هشّاً بالتأكيد، وسط تحليلات لا تستبعد أن تكون الاشتباكات بفصلَيْها تمهيداً للمعركة الكبرى داخل المخيّم التي لم تعد بعيدة.

مواضيع ذات صلة

“الحزب” بعد الحرب: الولادة من “الخاصرة الأميركيّة”

أما وقد دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منذ صباح 27 الجاري، ليشكّل حدّاً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، ويدشّن مرحلة جديدة كليّاً،…

“طوفان حلب” يخترق “غلاف” روسيا وإيران

تحوّلت عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها “إدارة العمليات العسكرية”، لإبعاد إدلب وما حواليها، عن مدى نيران قوّات النظام السوري وحلفائه، إلى “طوفان حلب”. عملياً، ضمن…

“التمديد” يوصِل إلى الجنوب وليس بعبدا

شكّلت دعوة الرئيس نبيه برّي إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل، بعد يومٍ واحدٍ من إعلان وقف إطلاق النار، بداية…

روايات نازحين عادوا إلى الأرض: للبيوت أرواح وذكريات

لم ينتظر أهالي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية طلوع الفجر لكي يجهّزوا أمتعتهم ويتوجّهوا إلى قراهم وبيوتهم التي تركوها تحت وابل القصف والتهجير القسريّ، ولو أنّهم…