سلطان عُمان في طهران.. حاملاً كلمة سرّ أميركيّة

2023-05-28

سلطان عُمان في طهران.. حاملاً كلمة سرّ أميركيّة

ليس سرّاً أنّ العلاقة بين إيران وسلطنة عُمان تتجاوز مسألة الجوار الجغرافي والاشتراك الحدودي البحري، وتدخل، في واحد من أبعادها، ضمن إطار الاستراتيجية التاريخية.

لم تبدأ أو تنشأ هذه الخصوصية بعد انتصار الثورة الإيرانية، بل تعود إلى الدور الذي لعبه النظام الملكي السابق والشاه محمد رضا بهلوي في مساعدة السلطان قابوس على التصدّي لثورة ظفار اليسارية التي حاولت الانقلاب عليه، فكانت القوات الإيرانية العامل الحاسم في إعادة تثبيت غلبة السلطان وحكمه.

استضافت مسقط عام 2012 المفاوضات السرّية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية حول أزمة البرنامج النووي، التي أصبحت علنيّة مع وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية عام 2013، وانتهت في تموز 2015 بتوقيع الاتفاق النووي. واستكمالاً لهذا المسار لم تتخلَّ مسقط عن محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، حتى بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق والعودة إلى سياسة العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي والماليّ للنظام الإيراني.

ليس سرّاً أنّ العلاقة بين إيران وسلطنة عُمان تتجاوز مسألة الجوار الجغرافي والاشتراك الحدودي البحري، وتدخل، في واحد من أبعادها، ضمن إطار الاستراتيجية التاريخية

السلطنة “معبر” إيرانيّ نحو العرب

مع وصول إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية وتولّي حسين أمير عبداللهيان وزارة الخارجية خلفاً لسلفه محمد جواد ظريف، سعت هذه الحكومة إلى إعادة تنشيط الدور العُماني ليلعب دور الوسيط في العديد من الملفّات الإقليمية، خاصة في ما يتعلّق بالأزمة اليمنية والحوارات والمفاوضات التي كانت تجري مع جماعة الحوثي، والمساهمة في ترطيب الأجواء بين إيران والدول الخليجية.

لذلك أولى زيارات رئيسي لدولة عربية أخذته إلى سلطنة عُمان، ثمّ تحوّلت مسقط إلى محطة دورية لنشاط وزير الخارجية عبداللهيان، حتى إنّه بات يمكن القول إنّ الزيارات الإقليمية للوزير الإيراني تبدأ من عُمان، ومنها تعبر إلى الدول الأخرى.

ربّما تكون الزيارة التي قام بها عبداللهيان أواخر شهر كانون الأول من عام 2022 الأكثر أهمية في سياق وإطار العلاقة بين البلدين. إذ نقل تفويضاً إيرانياً واضحاً للسلطان هيثم بن طارق اعتماد الحلّ الذي يراه مناسباً في أزمة المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي والحوار مع الولايات المتحدة الأميركية.

بدأت زيارة عبداللهيان للعاصمة اللبنانية بيروت في شهر نيسان 2023 وجولته قرب الحدود اللبنانية الفلسطينية، أيضاً من عُمان وجاءت في ظلّ أجواء من تصاعد التوتّر بين طهران وتل أبيب. ثمّ تلتها زيارة قائد الأركان المشتركة في القوات المسلّحة الإيرانية الجنرال محمد باقري لعُمان في 7 أيّار الجاري، التي حملت أبعاداً مهمّة بسبب تأثير باقري وموقعه ودوره في آليّات اتخاذ القرار الإيراني.

دقّت ساعة أميركا

دخلت الأوساط السياسية الإيرانية منذ أشهر في المراهنة على دور عُمانيّ في الأزمة النووية والحوار الإيراني الأميركي، وراحت تحدّد مواعيد لزيارة السلطان العُمانيّ هيثم بن طارق لطهران يحمل فيها البشرى التي تفتح الباب لبدء الحوارات والمفاوضات بين طهران وواشنطن.

أولى زيارات رئيسي لدولة عربية أخذته إلى سلطنة عُمان، ثمّ تحوّلت مسقط إلى محطة دورية لنشاط وزير الخارجية عبداللهيان، حتى إنّه بات يمكن القول إنّ الزيارات الإقليمية للوزير الإيراني تبدأ من عُمان، ومنها تعبر إلى الدول الأخرى

يبدو أنّ إعلان القصر السلطاني موعد زيارة تبدأ اليوم الأحد وتستمرّ يومين، هو بمنزلة إعلان عُمانيّ رسميّ للتوصّل إلى نتائج إيجابية للجهود التي بذلتها مسقط في الحوارات غير المباشرة بين الطرفين.

لن تقتصر زيارة السلطان لطهران على إجراء مباحثات تتعلّق بالعلاقات الثنائية وعقد اتفاقيات تجارية وماليّة وغاز ونقل، بل ستشمل مروحة واسعة من الملفّات السياسية ذات العلاقة بالأزمات الإقليمية والدولية التي تشكّل طهران محوراً لها وفيها.

من المتوقّع أن يكون مفصليّاً ومقرّراً اللقاء بين السلطان العُماني والمرشد الأعلى للنظام السيد علي خامنئي، إذ يُنتظر أن يحصل الضيف العُماني على موقف واضح وصريح من أعلى موقع في القرار داخل النظام في الملفّات التي عمل عليها في المرحلة الماضية. وهي خطوة تذكّر بالزيارة التي قام بها السلطان قابوس وحمل فيها رسالة من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى المرشد، وساعدت في نقل المفاوضات بينهما من السرّية إلى العلنيّة.

ستتأثّر مروحة المباحثات والمفاوضات التي سيُجريها الضيف العُماني مع المرشد الأعلى بالتطوّر الذي شهدته طهران في الأيام الأخيرة، والمتمثّل في استبعاد الأدميرال علي شمخاني من موقع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي بعدما لعب دوراً أساسياً في بلورة الاتفاق مع المملكة العربية السعودية، وأيضاً مع دولة الإمارات العربية المتحدة والعراق. لن ينعكس هذا التغيير سلباً أو تراجعاً عن الالتزام بهذه الاتفاقيات مع ما تعنيه من انعكاس إيجابي على المستوى الإقليمي، ولا على المباحثات الجارية لدفع المفاوضات اليمنية – السعودية وإزالة بعض العراقيل التي تبطئ التقدّم على هذا المسار وعدم السماح بتحويلها إلى عوائق تعيق التوصّل إلى اتفاق جدّي لحلّ هذه الأزمة.

يُتوقّع أيضاً أن يضع الزائر العُماني على طاولة المباحثات مع الجانب الإيراني دعوةً إلى أن تقوم طهران بخطوة إيجابية من خلال الموافقة على إطلاق سراح المعتقلين الأميركيين في السجون الإيرانية، وهو ما سيشكّل نقطة بداية عودة المسار الدبلوماسي التفاوضي بين طهران وواشنطن حول العلاقات الثنائية والبرنامج النووي والاستقرار الإقليمي والمخاوف الناتجة عن الطموحات الصاروخية لطهران.

… ومصر أيضاً

ليس مستبعداً أيضاً أن يحمل السلطان العُماني رسالة مصرية إيجابية تساعد على تسريع المفاوضات بين القاهرة وطهران التي تنشط من خلال مكاتب رعاية المصالح في كلا البلدين، مع دور عراقي مساعد، خاصة أنّ زيارة السلطان للعاصمة الإيرانية سبقتها قبل أيام زيارة للجمهورية المصرية.

إقرأ أيضاً: مناورة الحزب… لبنان شأن داخليّ إيرانيّ

تعتبر طهران أنّها استطاعت تفكيك العديد من الألغام في الملفّات المتأزّمة ضمن علاقاتها مع دول الجوار من القوقاز وصولاً إلى الخليج، وأنّها سحبت من يد الإدارة الأميركية الذرائع التي استخدمتها لممارسة الضغوط عليها من بوّابة مخاوف وهواجس هذه الدول، وتتطلّع إلى الزيارة العُمانية للانتقال إلى مرحلة جديدة، خاصة في ما يتّصل بالأزمة النووية، لعلّها تعيد الحياة إلى المسار الدبلوماسي الذي من خلاله تحيي الاتفاق وتخرج من دائرة العقوبات المفروضة عليها.

لذلك تنظر طهران إلى هذه الزيارة بوصفها “مصيرية” لِما لنتائجها الإيجابية أو السلبية من انعكاسات وتداعيات على كلّ الشرق الأوسط ومنطقة غرب آسيا.

مواضيع ذات صلة

خدمة قدّمها خطاب خامنئي

تختصر خطبة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تأبين حسن نصرالله، كلّ العلل التي أصابت لبنان، ولم تزل.   دعوته للّبنانيين أن “قاوموا”، مصحوبةً بلغة…

يتغيّر اللّاعبون ويبقى الشّرق الأوسط نفسه

لا تزال الضحايا السياسية تتهاوى من واشنطن بعد عام على طوفان الأقصى من طهران وصولاً إلى دمشق ومعهم آلاف الضحايا من اللبنانيين والفلسطينيين.   عام…

عام على 7 أكتوبر: حروب التّفاسير و”مكانك راوح”

بعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في غلاف قطاع غزة، وجرّت حرباً إسرائيليةً وحشيةً على الشرق الأوسط برمّته، لا على…

5 أسابيع حاسمة في تاريخ الشّرق الأوسط

تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. يفصل الشرق الأوسط عن ذلك أقلّ من 5 أسابيع تبدو ناظمة لحسابات إدارة الرئيس جو بايدن،…